محيي الدين القضماني (المربِّي الصالح.. والعابد الزاهد)

محيي الدين القضماني

(المربِّي الصالح، والعابد الزاهد)

أيمـن أحمد ذو الغـنى

 

إنا لله وإنا إليه راجعون، وفاة المربِّي الصالح، والعابد الزاهد، الشيخ الدمشقي المُعمَّر: (محيي الدين القضماني) عن 97 سنة، فجر الخميس 17 ربيع الأول 1444 هـ، الموافق (13/ 10/ 2022)، في المدينة النبوية المنورة، وصُلي عليه عقب صلاة المغرب في المسجد النبوي، ودُفن في مقبرة البقيع.

 

هو أبو حسام محيي الدين بن حسن بن مصطفى بن خالد القضماني: معلِّم مربٍّ ومحاضر جامعي، من أهل العلم والدعوة والصلاح، ومن بقايا السلف؛ استقامة وزهدًا وطاعة.

 

مولده:

ولد الأستاذ محيي الدين في دمشق عام 1347هـ / أيلول 1928م من أبوين صالحين، ونشأ مع إخوته التسعة في بيت عربي وبيئة متدينة بحيِّ العَمارة العريق.

أدخله والده في الكليَّة الشرعيَّة الإسلاميَّة وهو في العاشرة من عمره، فحصَّل فيها قسطًا من العلوم الشرعيَّة إلى جانب العلوم العصرية.

 

الشيخ في شبابه

 

ومن مشايخه فيها: ياسين قُطب (فقه)، ومحمود ياسين (حديث)، ولطفي الفيُّومي، وصالح الفُرفور.

وبعد حصوله على الثانوية العامَّة دخل قسم اللغة العربيَّة في كليَّة الآداب بالجامعة السورية التي سمِّيت بعد ذلك جامعة دمشق عام 1950م.

وبعد أن نال إجازتها وشهادتها عام 1954م تابع الدراسة في كليَّة التربية فحصل على دبلوم التربية (أهليَّة التعليم الثانوي) عام 1955م.

ثم عمل في التدريس منذ عام 1956م في إعداديات دمشقَ وثانوياتها (منها ابن خَلدون، وجُول جَمَّال) وفي دار المعلِّمين الابتدائيَّة.

ودرَّس سنتين في دومة من غوطة دمشق، وفيها عرَف الشيخ أحمد الشامي مفتي الحنابلة، وابنَه الشيخ المربِّي صالح الشامي.

أدَّى خدمة العَلَم (الخدمة العسكرية الإلزاميَّة) من منتصف 1957م إلى منتصف 1959م, قضى منها تسعة شهور طالبًا في كليَّة ضبَّاط الاحتياط بحلب، ثم عيِّن ضابطًا في كتيبة الحرس الوطنيِّ المكلَّفة حراسةَ الشريط الحدوديِّ المُشرِف على الجَولان، ينظِّم الدوريَّات والكمائن على الحدود في القُنَيطِرة.

أُعير إلى المملكة العربيَّة السعودية أربع سنوات من أواخر 1967 إلى أواخر 1971، درَّس سنةً منها في كليَّة اللغة العربيَّة بالرياض، ثم ثلاثَ سنين في الجامعة الاسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة، موادَّ: نحو، وأدب وخطابة، ومن حاضر العالم الإسلامي.

ثم عاد إلى دمشق معلِّمًا فيها إلى أواخر عام 1979م، لقي فيها كثيرًا من المضايقات بسبب توجُّهه الديني، فاضطُرَّ إلى الخروج من سوريا إلى المدينة المنوَّرة من جديد، للتدريس في الجامعة الاسلاميَّة فيها من عام 1980 حتى عام 1990م، وقد درَّس مادَّة: من حاضر العالم الإسلامي.

وعندما انتهت خدمتُه في الجامعة حرَص على البقاء في خير جوارٍ وأكرمه، في مدينة المصطفى عليه أزكى صلواتُ الله وسلامه، موظَّفًا في مؤسَّسة تجارية خاصَّة لبعض أقربائه، وبقي يعمل فيها إلى وفاته.

 

مؤلفاته:

كان الشيخ مُقِلًّا في التأليف، فلم يصدُر له سوى ثلاثة كتب، من منشورات المكتب الإسلاميِّ لصاحبه شيخنا زهير الشاويش رحمه الله، وهي:

- كلمات ومواقف.

- مصطلحات إسلاميَّة.

- صفحات من حاضر العالم الإسلامي.

 

كتب عنه الأستاذ عمر عبيد حسنه:

رحمك الله يا أخي أبا حسام وأكرم مثواك.

فلقد كنت أنموذجاً متفرداً في حيائك وتواضعك وأدبك وعفة لسانك..

لم تذكر أحداً بسوء، ولم يذكرك أحدٌ بسوء..

كنت متميزاً في صدقك وصداقتك، في وقت كثُر فيه أصدقاء العافية..

لم تفتنك الدنيا وتستحوذ عليك شهوة الزعامة وتفخيم الذات وحب الظهور، الذي قصم كثيراً من الظهور وأنتج زعامات فاشلة استباحت الدماء ودمرت البلاد وشتّتت العباد.

عرفتك زميلاً في التعليم، في المعهد العربي الإسلامي بدمشق، مربياً بسلوكك وحسن تعاملك.

كما عرفتك عن قربٍ في بيتك وفي كثير من المواقف الحرجة والمساومات والإغراءات والترهيب من سلطات الطغيان والاستبداد، فلم يزدك ذلك إلا ثباتاً على الحق ودفاعاً عنه، مهما اشتد الأذى وتعاظم الظلم.

لقد كنت صادقاً فيما تؤمن به وتسعى جهدك لإيصاله إلى الناس بسلوكك وأدبك الجم.

 عشت راضياً مرضياً، أنيساً مؤنساً، لا تفارقك الابتسامة، في الشدة والرخاء، والصحة والعافية.

فرحمك الله، وتقبلك في عباده الصالحين، وعوّض عنك أهلك وإخوانك وأمتك خيراً. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من أحوال أهل النار.

 

الشيخ محيي الدين القضماني مع الكاتب