محمد منلا غزيِّل

 

 

 

1936 – 2016م

 

-   شاعر نطق قلبه بالإيمان، ارتفعت أمواج قلبه لتلامس أجنحة الطيور، وشكلتا معاً شلالات دعوة إلى الله، تنهمر في أنهار... أليس الصبح بقريب؟!

 

-   شمعة تتألق بنورها، وتقي بقطرات دمعها صدور الشاخصين إلى الله، فتزيدهم حماساً، وتمنحهم قوة، وتنير بصيرتهم، وتأخذ أعينهم إلى بريق التوحيد.

 

-   سيل من أمطار المعرفة يتهادى في بوادي الحياة، يسقي من فتح قلبه وعقله إلى آيات الله، وخشع قلبه في محراب الإيمان.

 

-   شاعر كبير، وخطيب مبدع، ومحاضر موهوب، تجمعت في حياض قلبه الكلمات، فأقدم لسانه على رفعها أنواراً مشعة بروحه وعاطفته ودمه، يعلوها وشاحه المتميز.

 

-   أديب وشاعر ومفكر لم تعطه الحياة بسمتها، ولم يقدر المجتمع طاقاته لأسباب متعددة، تعبت يداه في السباحة في بحر الحياة، لكنه لم يستسلم، وبقي مجاهداً صابراً مقداماً كريماً، يسقي بشرايين قلبه العقول المقتربة منه، كان يدرك أن المجتمع العربي لا يعرف قدر مبدعليه إلا بعد موتهم.

 

مكانة منبج وأثرها الجمالي:

 

الجمال له أثر كبير على النفس البشرية، الطبيعة الجميلة تفرض وجودها على طبائع السكان، فتمنحهم من أعمدة جمالها صوراً فاتنة وأجساماً مرنة وعيوناً ساحرة، وقد أرضعت الأندلس الشعراء حب الجمال وحب الطبيعة، فخلّدوا الأندلس وأبدعوا في وصف جمالها، وقال شاعر منبج علي صالح الجاسم:

 

يا فخر منبج في رباها أصبحت          تلك الشموع متأهلاً للشاهدات

البيئة الجميلة تفتّق أغصان الشعر بـأغراض شعرية فتّانة، وتجعل الشعر يتموّج بفنون وخصائص جذّابة، هذه الطبيعة جعلت لمنبج مكانة في الأدب العربي على مر العصور، سكنها البحتري، وعشقها أبو فراس الحمداني، أمدت هذه الطبيعة الشعر العربي بشعراء لا زال ذكرهم يرفرف في سماء الشعر العربي، ونجد الشاعر عبد الجليل عليان يزف البشرى إلى مدينة الأدب والشعر فيقول:

 

بشراكِ منبج إن ربك باعث        فيك الغزيل شاعراً وحكيماً

نشأة الشاعر وموهبته:

 

ولد الشاعر في منبج سنة 1936م، وهي إحدى المناطق الإدارية لمحافظة حلب، وحدودها الجغرافية واسعة تمتد إلى البادية السورية، يسكنها عرب وعصبيات أخرى، تلقى شاعرنا العلم في الكُتّاب عندما كان صغيراً، ثم أرسله والده إلى جامع الشيخ عقيل المنبجي فقرأ القرآن وحفظ قصائد من الشعر، ثم أرسله والده إلى المدرسة الابتدائية وفي الصف الخامس الابتدائي أطل الشعر في قلبه، ونبع من لسانه وكتب قصيدة تحت عنوان (تحية دمشق) قال فيها:

 

سلام جلّق مدفن آبائي            ومنبع نهر البطولة والإباء

 

انتهى الشاعر في المرحلة الابتدائية سنة 1950م فتوجه إلى حلب لدراسة المرحلة الإعدادية في ثانوية المأمون، وقد أعجب بمعاون مدير الثانوية الأستاذ عمر كردي فمدحه بقصيدة عندما كان في الصف الأول الإعدادي، وفي الصف الثالث الإعدادي نشر دراسة نقدية لديوان (مع الفجر) في جريدة الشباب للشاعر سليمان العيسى، وقد اهتم الأستاذ فاضل ضياء بطالبه الشاعر محمد منلا غزيل وشجعه على المثابرة والإبداع.

 

-   فقد الشاعر أمه عندما كان عمره ست عشرة سنة، وقد أثّر موتها في نفسه كثيراً وقد وصف لحظات وفاتها بأقصوصة سمّاها (الأم الطيبة).

 

-   تنقل في دراسته الثانوية بين عدد من المدارس الثانوية (المعري – سيف الدولة – هنانو) ونال الشهادة الثانوية بفرعها الأدبي سنة 1957م. وقد أطلق عليه أستاذه إسماعيل حقي لقب (البحتري الصغير) خلال دراسته في حلب، لفت الأنظار إليه كشاعر مبدع، الخصائص الشعرية للشعر العربي واضحة نيِّرة في شعره. وقد فتحت الصحف الحلبية ذراعيها لاحتضان قصائده، ونشر في مجلية (الصاحب) البيروتية وفي (الجمهور الجديد) البيروتية باسم مستعار هو (البلبل المجهول) قصيدة مطلعها.

 

عيناك سرٌّ ملهم     في خاطري يتلعثم

 

ونشر الشاعر إنتاجه في جريدة (الشهاب) الدمشقية.

 

-   تابع الشاعر دراسته في جامعة دمشق في قسم اللغة العربية بين عام 1958 حتى عام 1961م، حيث نال الإجازة في آداب اللغة العربية، وفي 1962م حصل على دبلوم التربية، عمل في التدريس لعدة سنوات ثم أحيل إلى التعاقد لأسباب صحية، لكنه استمر في تدريس اللغة كساعات إضافية.

 

-   سقى الشاعر موهبته الشعرية بالقراءة المتعمقة الواسعة، قرأ في المرحلة الابتدائية كتب المنفلوطي، كان للقراءة أثر عميق في تنمية موهبته الشعرية المتألقة، وقد لقي التشجيع من أساتذته في المرحلة الإعدادية والثانوية، مما صقل موهبته، أصدقاؤه في المرحلة الإعدادية والثانوية كان لهم الأثر الكبير في تحديد مسار فكره ونشاطه الدعوي والثقافي، وكان لا يفارق دار الكتب الوطنية عندما كان طالباً في حلب، عوامل كثيرة أثّرت في موهبته الإبداعية.

 

أعماله الأدبية:

 

الأعمال الشعرية:

 

1-                       في ظلال الدعوة 1956م.

2-                       الصبح القريب 1959م.

3-                       الكلمة والطاغوت 1962م – وقد جمعت هذه الأعمال الثلاثة في ديوان مستقل عنوانه (اللؤلؤ المكنون) عام 1962م.

4-                       طاقة الريحان 1974م.

5-                       البنيان المرصوص عام 1975م.

6-                       اللواء الأبيض 1978م.

 

وقد جمع إنتاجه الشعري وأخرجهما في مجموعتين، لكنهما لا يتضمنان كل شعره.

 

الأعمال النثرية:

مقالاته في مجلة (حضارة الإسلام) جمعها في كتب ثلاثة:

1-                       على طريق الوعي الحضاري العربي الإسلامي.

2-                       في رحاب الأدب العربي.

3-                       كلمات على طريق الوعي الحضاري.

الشاعر الإنسان:

وهب الشاعر محمد منلا غزيل – رحمه الله – نفسه للدعوة إلى الله، وإلى بناء مجتمع إسلامي تكون له القيادة في هذه الأرض، قرأ كتب المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن بني وتعمق فيها، شغفه بالدعوة والمطالعة والمشاركة في الواجبات الاجتماعية كخطيب وداعية ومفكر، أبعده عن الزواج، شأنه كشأن كثير من علماء المسلمين، حياته اليومية كأمواج البحر لا تعرف الهدوء ولا الإستقرار،هموم العالم الإسلامي في قلبه ووجدانه، آلام الناس الذين يلتقي بهم في الندوات والمجالس الأدبية والاجتماعية سهام تطعن كبده، وهو الشاعر الحسّاس الذي تتضاعف لديه آثار البلوى، حياته اليومية صاخبة مزمجرة لا تعرف الاستقرار، يلبي كل دعوة تأتيه من كل طرف من محافظة حلب، فيكون فارس الكلمة ونجم الحفلة، ومطلب كل مستمع، يحلِّق مع مستمعيه في آفاق ثقافته الموسوعية، ينقل المستمع بين سفن ثقافته، ويجعله يرى ثقافة الشعوب، ويسمع بإبداع العلماء العرب في العصور العربية، ويشجعهم على تقليد أجدادهم وأن يعيدوا سيرتهم ويرفع على سواري السفن في أحاديثه أسماء الكتب التي يستشهد بها، وأسماء مؤلفيها ويمضي الشاعر منلا غزيل – رحمه الله – دافعاً مستمعيه إلى إحياء مجد أمتهم العظيم.

 

مشاركته الأدبية:

 

لم يبتعد عن الأجواء الأدبية في مدينة حلب وفي مناطق محافظة حلب، كان يحضر كل الندوات والحوارات والمحاضرات في الأندية الأدبية، وكان الناقد الأول في المحاضرة،بناء على طلبه، فكان يطلب من عريف المحاضرة أو مدير الندوة الكلمة الأولى لأنه سيسافر إلى بلدته منبج ويعود إليها بدون تأخير، وكان الحاضرون يتابعون مداخلاته باهتمام لكثرة شواهده وبحر ثقافته، ويذكر الحاضرين بأشعاره، وتعلو المسرة على وجوههم، وتعلو الابتسامة على الوجوه، حين يطلب مدير الندوة من الأستاذ غزيل – رحمه الله – أن يختصر فقد تجاوز الزمن المتفق عليه لكل ناقد، لكن الأستاذ غزيل يستمر في كلامه، ثم يودِّع الحاضرين معتذراً منهم على الإطالة، وأنه سيعود إلى منبج.

 

كلمة أخيرة:

رحم الله شاعرنا الكبير محمد منلا غزيل وأسكنه فسيح جناته، كان شاعراً مبدعاً، وفارساً متألقاً، خضعت له القوافي، وأسبلت المعاني أجفانها أمامه دلالاً، رفع محمد منلا غزيل رماح الشعر العربي الأصيل في زمن تعثرت فيه الأقدام، ورفع ألوية قلبه في أيام نامت فيها المشاعر، وسيأتي يوم قريب يقف فيه النقاد على شعر الشاعر ويقدرون بنيانه.

 

كان شاعرنا زاهداً في الدنيا، ثيابه أقرب إلى البساطة، لم يهتم بأناقة الملبس، كان يهتم بأناقة القلب وعفّة النفس وصدق العاطفة، لم يسع إلى جمع المال، يشتري الكتب ثم يقدمها هدية لأصدقائه ومحبيه، عاش عزيزاً أبياً، يملك صفاء النفس، كان شعره مرآة نفسه، عاش عيشة الكفاف وقنع بها، وكأنّ عينيه تدعوان على كل من ظلمه، كان جريئاً بالحق، أصابته جرأته بكثير من المآسي لكنه صبر، نادى بإحياء كل القيم النبيلة، أكرمه الله بذاكرة عملاقة، كل شئ قرأه في حياته محفور في عقله، ويتدفق كالشلال بوضوح وقوة، كان يقضي وقته كله في المطالعة، وقد قامت مديرية الثقافة بحلب بالتعاون مع المركز الثقافي في منبج في تكريمه، وقد سميت مكتبة المركز الثقافي بمنبج باسمه.

 

الأستاذ الشاعر محمد منلا غزيل – رحمه الله – رائد الحركة الأدبية والفكرية في منبج في هذا العصر، وقد اجتمع حوله كثير من محبيه، ارتفعت قاماتهم الأدبية، وأبدعوا في أشعارهم وفنون الأدب..

 

وفي صباح يوم الثلاثاء 5/1/2016م غادر شاعرنا الدنيا إلى الآخرة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. لنردد .. زين الشباب محمد غزيل لم يُمتع بالشباب.