محمد مجاهد شعبان

1368 ـ 1421هـ

1949 ـ 2000م

الشيخ محمد مجاهد بن الحاج محمود شعبان. 

فقيه، داعية، له اشتغال في الحديث وعلوم اللغة العربية. 

ولد في حلب، سنة: ثمان وستين وثلاثمئة وألف للهجرة، ونشأ في حجر والده الرجل الصالح المحب للعلم والعلماء، تلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب المدينة على شيخه الشيخ نور المصري، فحفظ القرآن الكريم

وهو ابن ثمان، ثم درس المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس الدولة، بعدها انتسب إلى الثانوية الشرعية (المدرسة الخسروية)، وفيها التقى أكثر شيوخه تأثيراً في تكوينه العلمي والفكري، أمثال: الشيخ عبد الرحمن زين العابدين وأخيه الشيخ محمد أبي الخير زين العابدين، والشيخ عبد الوهاب سكر والشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ طاهر خير الله، والشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ أحمد قلاش، والشيخ محمد أديب حسون، والشيخ بكري رجب، وغيرهم، وتخرج فيها عام: 1389 هـ، ثم انتسب إلى (كلية الشريعة) في جامعة دمشق، والتقى فيها مجموعة من علماء دمشق وحلب فأخذ عنهم، وتفقه بهم، أمثال الدكتور الشيخ وهبي الزحيلي، والدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والدكتور الشيخ فوزي فيض الله، والدكتور الشيخ نور الدين عتر، والدكتور الشيخ أديب الصالح، وغيرهم، وتخرج فيها سنة: 1394هـ، حاصلاً على إجازته في العلوم الشرعية. 

كان أثناء دراسته في الجامعة، يعمل في التعليم والدعوة إلى الله في الأرياف، فكان يؤم الناس في القرية التي يعلم فيها، ويخطب فيهم الجمعة ويعقد لهم حلقات الدروس، يعلمهم أمور دينهم، ويدعوهم إلى الله، وبعد تخرجه، عمل مدرساً لمادة (التربية الدينية) في بعض ثانويات حلب الخاصة، ثم أسندت إليه دروس التفسير ومصطلح الحديث في (الثانوية الشرعية)، عين بعدها مديراً ( لدار الأيتام الإسلامية)، وكانت له دروس خاصة لطلاب العلم في الفقه وأصوله والحديث الشريف ومصطلحاته في جامع (العثمانية)، بالإضافة إلى خطبة الجمعة في جامع (فاطمة الزهراء) ثم في جامع (التقوى).

تميز الشيخ بخصال عرفت عنه، وتمسك بها طوال حياته أهمها:

1- حبه للعلم طلباً وبذلاً، ويتجلى ذلك من خلال ملازمته للعلماء العاملين والأخذ عنهم، وتتبع أحوالهم للاقتداء بهم. فقد لازم شيخه الشيخ عبد الرحمن زين العابدين(1) ملازمة الظل، لا يكاد يفارقه بليل أو نهار

فأخذ عنه دقته في البحث، ومعرفته الفريدة بالتاريخ وعلم الرجال

وحبه للعلوم التطبيقية العملية كالصناعات (الميكانيكية) الدقيقة

تصليح الساعات، والرماية، والصيد، وركوب الخيل، وكان يصحبه في رحلات الصيد، وكان الشيخ يبادله حباً بحب، فيحرص على صحبته وحضور مجالسه وخطبه، رغم كبر سنه ومرضه الشديد، كما صحب عمه الشيخ الطبيب عمر خياطة، وأخذ منه، وحصل على إجازته العامة في علوم الحديث وغيرها من العلوم، وبكل ما أجازه به شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ، وعند قدوم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة إلى حلب، سارع إلى استقباله وملازمته في حضره وسفره وأعجب بعلمه الغزير وأخلاقه العالية، وأخذ عنه علوم الحديث الشريف، وطلب منه الإجازة فأجابه قائلاً: " استجازني أخ محب لطيف رقيق رفيق فأجزته)(2) ، ومن شيوخه الذين لازمهم وصحبهم وأخذ عنهم، الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ عبد الوهاب التونجي، والشيخ محمد منلا خليل في حلب، والشيخ محمد نايف عباس، والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الغني الدقر، في دمشق، كما تجلى حبه للعلم في انقطاعه إلى المطالعة، وقراءة الكتب وحرصه على الإطلاع على شتى العلوم والفنون. 

2- اختياره طريق الدعوة إلى الله منهجاً لحياته، لا يحيد عنه مهما كانت الظروف، مع صفاء في العقيدة، وتمسك بالشريعة الصافية، وصبر متقطع النظير على ما يعترض طريقه من المحن والشدائد، والرضا بقضاء الله وقدره (ففي أشد أيام المحنة عرض عليه العمل أستاذاً في إحدى الجامعات العربية فرفضه قائلاً: من سيبقى في بلدنا إذن)(3).

3- كثرة عبادته وشدة خوفه من الله، وزهده في الدنيا، مع سماحة في الخلق وحسن في المعاملة والمعاشرة لمن حوله، يعطي كل ذي حق حقه ولا يردّ سائلاً أو مستفتياً، يفتح بيته للزائرين وطلاب العلم

ويكرمهم بما استطاع مع بشاشة في الوجه، ولين في الجانب

ولطف في الاستقبال، وتواضع حجم وحياء ظاهر.

لم يترك الشيخ آثار مطبوعة، وذلك لانشغاله بأعباء الدعوة وإدارة الميتم الإسلامي، لكنه في أواخر حياته انتسب إلى جامعة الأوزاعي لنيل درجة (الماجستير)، وحضّر رسالتها، وهي بعنوان: (معارك الهدم الحديثة في اللغة العربية)، وباشر بطبعها إلا أن المنية عاجلته قبل إتمامها، كما ترك الكثير من التعليقات والحواشي المفيدة على الكتب التي كان يطالعها، وله محاولات شعرية قليلة في المناسبات والأغراض الدينية والأخلاقية. منها قوله: 

ما إن نأيتم وراحي بعدكم كذب= حزناً على فقدكم كسرت أقداحي

وكان يردد في أواخر حياته قوله:

خذني إليك فإن الأرض مقفرة= لا الشرع شرع ولا الوجدان وجدان

توفي إثر حادث أليم على طريق أريحا حلب، يوم التاسع عشر من شهر جمادى الأول، سنة: إحدى وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق 19/ آب /2000م، وشيعه إخوانه من العلماء وطلبة العلم، وألقيت في أمسيات التعزية الكلمات التي تشيد بمآثره وأخلاقه.

ـ أروقة العثمانية ـ

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية زودنا بها شقيقه الأستاذ الشيخ أحمد ربيع شعبان.

2- ترجمة خطية زودتنا بها زوجته، ابنة شيخنا الطبيب عمر خياطة.

3- لقاءات متعددة مع المترجم

4- معرفتي الشخصية به، فقد كان صديقي وزميلي في الثانوية الشرعية.

5- مذكرات المؤلف.

6- مشافهات مع عدد من إخوان المترجم له وأصدقائه.

الحواشي:

(1) انظر ترجمات شيوخه هؤلاء في مكانها من الكتاب، ولا بد لي من أن أذكر أن للشيخ رحمه الله فضل كبير في تزويدي بترجمات كتبها عن الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ عمر خياطة، بالإضافة إلى معلومات جمة عن غيرهم، كنت أسمعها منه أثناء زيارتي المتكررة له في بيته وأسجلها في مذكراتي.

(2) عن ترجمة بخط زوجته.

(3) المصدر السابق.