محمد قطب ... والطريق الطويل (1)

 

خسر العالم الإسلامي (قبل أشهر) بوفاة الداعية الكبير الأستاذ محمد قطب رحمه الله قامةًً فكرية شامخة، وخبرة حركيّة زاخرة...

يتميز المفكِّر محمد قطب رحمات الله عليه بوعي سياسي عميق، وتتبُّعٍ مدهش للأحداث، وتألُّق في فهم الإسلام ودورِهِ العظيم في قيادة البشرية، وبنُبْلٍ أخلاقي يَغْمُر من يعاشِرُه بإعجابٍ شديد... مع ذكاءٍ حادّ، وثقافة غزيرة، وتواضعٍ مُدهش وهضمٍ للنفس يذكِّران بالسلف الصالح المتقدّمين رحمهم الله، كل ذلك لا يَعْسُرُ التعرف عليه من محادثته أو قراءة كتبه الكثيرة أو من الجلوس معه وملاحظة تصرُّفاته.

هذا العملاق هبةٌ من الله لأهل عصره، ثم هو نتاجُ عنايةِ أخيه (الشهيد سيد رحمه الله) به عناية خاصة كما سجَّل ذلك هو رحمه الله في إهداء مؤلَّفه المُمتع «سُخْرِيات صغيرة»، نتاج تكوينِهِ لنفسِهِ ثقافياً وأخلاقياً على مقياس النموذج الإسلامي الذي فهمه من القرآن الكريم والذي ربما نَدَرَ مَنْ تسمع يفسِّر آياته باستنتاجاته العميقة وروعة ربطها بالواقع مجبولةً بمشاعره وأحاسيسه كما تسمع منه رحمه الله، وأقدِّر أنّي لست مبالغاً إن شاء الله  في أيّ كلمةٍ من هذا الكلام...

ما تقدَّمَ انطباعٌ سريع في أسطر عن هذا الداعية الكبير رحمه الله، وستكون لي وقفة مطوّلة بإذنه سبحانه للحديث عنه في مقالة قادمة...

أما عن الطريق الطويل فقد أخبرني أكثر من مرّة في سياق تعليقه على مُجْرَيات الأحداث في العالم الإسلامي وتقويم مسار الحركة الإسلامية وتجاربها ودروسها - التي كان يستفيض في الحديث عنها -أنه كتب كتاباً أسماه (الطريق الطويل) في أواخر عمره – توفي رحمه الله عن 98 عاماً - أَوْدَعَ فيه خلاصة تأمُّلاته وفَهْمه لطبيعة الطريق الحركي من القرآن والسيرة ومن رَصْده لأسباب طُول هذا الطريق التي يجب على الدعاة أن يتهيّأوا لها... ويمكن اختصار عناوين هذه الأسباب بما يلي:

1. قُوّة مدلول (لا إله إلا الله) عندما تُفهم على حقيقتها وأهدافها الحضارية، وطبيعة هذا الدين في الإصرار على التغيير الجذري والشامل.

2. ضخامة وحِدّة إصرار أعداء الإسلام على محاربته ومحاربة حَمَلته الصادقين...

3. متطلَّبات إصلاح التواءات النّفس البشريّة ومقتضيات (التربية) وما تتطلّبانِهِ من جهد ووقت...

4. (سُنّة الله) في تغيير المجتمعات وما يتطلّبه التغيير من الجُهد وعامل الزمن...

5. (فقه الابتلاء) -ومن صميمه: المشقة والصعاب وطول الطريق -لحكمة الارتقاء بالأنفس والتأهيل القيادي وتصفية الصفوف...

لقد عاش الأستاذ محمد رحمات الله عليه حياة طويلة – بالنسبة لأعمار أقرانه – حافلة بالابتلاءات والعطاءات: أرادها الله أن تكون نموذجاً متألِّقاً من نماذج الثبات على العهد والصبر واحتساب الأجر، وقدوةً للأجيال في العطاء للإسلام وتسخير الطاقة كلِّها لله ربّ العالمين... في العُسر واليُسر، في الرخاء أو حياة السجن والبلاء، في قوة الشباب وبعد ذُبُول العمر.

فهل نقدِّر (عظماءنا)، ونستفيد من تجاربهم، وتدرك المرأة المسلمة عظمة مهمتها في بناء الإنسان، ونُعِدّ أنفسنا لطريقٍٍ طويل دلُّوا عليه وسلكوه للظَّفَر في نهايته برضوانٍ من الله وريادةٍ حضارية لدينه تُنقذ العالَم كلَّه من الدمار وعذاب الإنسان؟