محمد الخضر حسين -2-

 

حضر السيد محمد الخضر حسين إلى مصر في وقت عصيب من تاريخها الفكري، وكانت الحاجة ماسَّةً إلى كل رجل مُثقَّف من رجال الدين قد فهم الشريعة فهماً صحيحاً، يستند إلى الأصول من القواعد والأمهات من المراجع، مع مطاوعة سهلة للبيان المنير المشرق، يوضح به للقرَّاء ما التبس عليهم من أوجه الخلاف بين دعاة الإلحاد وأنصار الفكرة الإسلاميَّة، هؤلاء الذين وصفوا فيما بعد بأنصار القديم، ووصف خصومهم بأنصار الجديد، كما حلا للدكتور طه حسين أن يُسهب في ذلك ويزيد.

نعم كان المخلصون من حماة الفكرة الإسلامية في غير الدوائر الدينية الرسمية كثيرين، ولكن وجود أمثال العالم المحقق الأديب المبين محمد الخضر حسين أمر ضروري، يحتِّم أن يقوم أحد أصحاب العمائم المستنيرة بالجهر بكلمة الإسلام فيما رانَ من شكوك، وما أذاعه أذناب الاستشراق من مُفتريات!

وقد مُلئ كتاب الشعر الجاهلي والإسلام وأصول الحكم بأقسى عبارات التهكم بالمعمَّمين فحُقَّ لأحدهم أن يقول فيجيد!

كانت سيطرة الثقافة الاستعماريَّة بعد الحرب العالمية الأولى مدعاة إلى إغراء براق بأوروبا وازدراء ناقم لأمجاد الشرق في رأي من جهلوا الحق فضلوا عن سبيله، ومن عرفوا الحقَّ مُستبصرين ولكنهم مالؤوا الباطل ليصلوا إلى الشهرة والجاه والزعامة الفكريَّة من سفاح دنيء لا يعرف معنى الشرف في القول أو الفعل، وإن تستَّر بخداع زائف من التصايح بالحرية الفكريَّة، والمنهج العلمي، ويشهد الله أن لا حرية ولا منهج، ولكن الهوى يعمي ويصم!

ما كاد الأستاذ الخضر ينزل حيَّ الحسين بمصر غريباً لا يعرف أحداً من الناس، ومُهاجراً في سبيل الله بقلمه المجاهد الشجاع، حتى وُفِّق لعمل بدار الكتب بأجر زهيد لا يتفق ومنزلته الكبيرة، ولكنه كان بتوفيق الله صلة حميدة إلى اشتهاره الأدبي، ونبوغه العلمي، ثم إلى اتصاله بأشباهه من الغُيَّر على مقدسات الإسلام من أعلام المفكرين كأحمد تيمور، ومحب الدين الخطيب، وعبد الحميد سعيد، وعبد الوهاب النجار، ومحمد رشيد رضا، ثم شاءت الأقدار أن تفتضح معركة الشعر الجاهلي، وأن يكون الأستاذ بطلاً مُعلماً من أبطال المعركة، يصيح بالحق ويندِّد بالضلال.

لقد ظهر كتابُ الشعر الجاهلي يُنادي باحتقار كل قديم دونه في صحف الأدب والشك فيه، ويزعم أن جُلَّ ما قيل مَنسوباً إلى شعراء الجاهلية اختلاق زائف بَغيض، وهذه الآراء مهما صادمت البداءة الواضحة لا تحدث ضجَّة بين الناس يسعى إليها الدكتور طه حسين باذلاً جهده الجهيد، فلابد إذن من الهجوم على المقدَّسات الدينية هجوماً لا هوادة فيه، فليتعرَّض الكاتب إلى القرآن المجيد، وليزعم أنَّ حديثه عن إبراهيم وإسماعيل لا يكفي لإثبات وجودهما في التاريخ!.

إذ أن رواية ذلك وتسجيله لا يكفيان لإثباته دون بحث عن العوامل القريبة والبعيدة في الرواية والتدوين!.

ونحن لا نريد أن نُفيض في دعوى الانتحال الشعري؛ لأنَّها لبُّ الكتاب وفحواه، وهي دراسة أدبيَّة يتبيَّن وجه الحق في بطلانها من أيسر طريق، ولكننا نلخص ما تورَّط فيه الكاتب ملحاً ليهاجم الإسلام هجوماً يرضي أساتذته من قساوسة المستشرقين، ويجعل الرجل صاحب دعوة جديدة في الفكر الإسلامي الحديث.

فالدكتور طه يعلن أنَّ محمداً قد استغلَّ المقدَّسات الدينية بمكة وفي مقدمتها البيت الحرام الذي بناه إبراهيم كيلا يفقد قوَّته الروحيَّة مع صراع الشرك فالمسألة مسألة استغلال للسيطرة فحسب لا أنَّ بيتاً لله بناه إبراهيم على وجه التحقيق.

والدكتور يُعلن أنَّ القرآن لم يكن جديداً على العرب إذ أن عقائده الجديدة كانت معروفة في شبه الجزيرة بدليل عجيب يرتضيه طه وحدَه، وهو قبول من قبل الدين ومُعارضة من عارض، إذ لو لم يكن مألوفاً ما حفل به أحد.

والدكتور طه يعلن أنَّ دعوة الإسلام دعوة محليَّة في جماعة خاصَّة وفي حياة خاصة، فهي ليست دعوة عامة للبشرية كما ينطق بذلك القرآن الصريح.

ومنطلق هذا كله كما يقول الأستاذ الدكتور البهي في كتابه: (الفكر الإسلام الحديث) ص 19 : إنَّ القرآن ليس وحياً لرسالة الله!. 

وإذا كان المؤلف النابغة قد أثبت اقتراب هذه الأفكار من كتاب المذهب المحمدي للمستشرق الإنجليزي (جب)، فإنَّ الأستاذ الخضر قد استطاع أن يجد الأصل الاستشراقي الذي سطا عليه الدكتور سطواً فاحشاً فيما كتبه الدكتور مرغليوث في مجلة: (الجامعة الأسيوية الملكية) سنة 1916، وفي كتاب: (محمد) المطبوع سنة 1905 . 

وقارئ الرد المفحم الذي كتبه الأستاذ يرى عجباً حين يجد الدكتور يضطر للشك في المتواتر من أخبار القرآن بحكم منهج ديكارت، ثم يقبل كل رواية مريضة واهية يذكرها كتاب الأغاني كحق مُسَلَّم يَستند إليه في قضية الانتحال حتى اضطر القارئ إلى الاعتقاد بأنَّ المنهج الديكارتي لا يصلح فقط إلا حين يجابه الحقائق لا الأراجيف.

وإذا كان فريق من الأساتذة الأعلام كالأستاذ الرافعي، والدكتور الغمراوي، ومحمد لطفي جمعة، ومحمد فريد وجدي، قد مزَّقوا كتاب الدكتور تمزيقاً علمياً بما فضحوه من السرقة والتدليس ومجافاة الحق، فإنَّ الأستاذ الخضر قد زاد عليهم جميعاً بشيء تفرَّد به، وهو غوصه على النصوص العربية من أمهات كتبنا العلمية التي جهلها الدكتور، فظنَّ أفكاره في الشك والانتحال والاستشهاد بالقرآن ستكون جديدةً على القارئ العربي! وأكثرها مدوَّن بنزاهة في الكتب الأمينة التي حرَّفها الاستشراق عن قصد، ثم سطا عليها (طه حسين) بعد التحريف فثرثر وأطال.

فطه مثلاً يقول في ص 9: (ويَنتهي بنا البحث إلى نتيجة غريبة، وهي أنَّه لا ينبغي أن يُستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث، وإنما يُستشهد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله). 

والأستاذ الخضر يقول – مثلاً – في الردِّ على ذلك ص 22 : (لم تكن هذه النتيجة غريبة إلا عند من يَتناول البحث خطفاً ولا يمشي فيه على رَويَّة وأناة، وقد أنكر بعض أهل العلم فيما سلف على من يتوقَّف من النحويين في تقرير ألفاظ القرآن الكريم على شاهد عربي، ومن هؤلاء فخر الدين الرازي حيث يقول في تفسيره الكبير: 

(إذا جوَّزنا إثبات اللغة بشعر مجهول عن قائل مجهول فجواز إثباتها بالقرآن العظيم كان أولى، وكثيراً ما أرى النحويين مُتحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلاً على صحته فلأن يجعلوا ورود القرآن دليلاً على صحته أولى).

وأنكر أبو محمد بن حزم على من لا يمضي في الاحتجاج بظاهر القرآن فقال في كتاب (الفِصَل): (ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس أو لزهير أو لجرير أو الطرماح أو لأعرابي أسدي أو تميم أو من سائر أبناء العرب لفظاً في شعر أو نثر جعله في اللغة، وقطع به ولم يعترضْ فيه، ثم إذا وجد الله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاماً، لم يلتفت إليه، ولا جعله حجَّة وجعل يَصرِفُه عن وجهه).

وهكذا نرى في الكتاب عشرات النصوص القوية التي تسلك مسلكاً جديداً في الفهم، ولو كانت هذه مزيَّة الكتاب وحدَه لكفته فخراً، فكيف إذا لم يدع شبهة تحوم إلا بَدَّدها برأيه ونقله وعقله في بصر وتمكين!.

وكأن المصادفات العلمية الفذَّة قد هيَّأت للرجل أن يجول الجولة الثانية بمصر، حين صدر كتاب الإسلام وأصول الحكم لعالم من علماء الأزهر قد امتلأ يقيناً بأقوال الاستشراق فجعلها المنبع الأول لفهم الحكم في الإسلام على نحو يقرب من تعاليم المسيحية وحدَها، إذ أنَّ المعروف المتفق عليه: أنَّ المسيحية دين لا دولة، ولكن الإسلام شيء والمسيحية شيء آخر؛ فالإسلام دين ودولة، والرسول حاكمٌ ومُبلِّغ معاً، ونصوص القرآن مَليئة بما يجعل هذه الحقيقة في مرتبة البدهيات!.

ولكن الأستاذ علي عبد الرزاق يجهر بدعواه، واهماً أنَّه وحدَه صاحب القول الفصل، وقد تطرَّق إلى الردِّ عليه في الصحف اليوميَّة من لا يقف معه في مستوى واحد.

كما وجد من تساند الإلحاديين و تكالبهم على تأييده بما يملكون من صحف وأندية وأقلام ما يخلع على كلامه بعض الوجاهة لدى الضعفاء، ولكن السيد محمد الخضر - نضَّر الله وجهه - يتصدَّى لهذا الإفك الصريح، فيأتي على بنيانه من القواعد، وكان مجاله النقدي هذه المرَّة في قمَّة من القوة والتمكن والإفحام؛ لأنَّ الجدال ليس في الرواية والقصص والانتحال كما في أكثر فصول الشعر الجاهلي، ولكنه يدور حول قواعد أصولية عميقة في الفكر والحكم والتشريع، ويجد من تاريخ الإسلام الحافل برجاله وحوادثه ومؤلفاته ما يُعين على جلاء الشك وردِّ الزيغ، لذلك كان مُؤلَّف الخضر حجَّةً قوية تقود المنصفين إلى مراشد اليقين. 

وقد ظلَّ الأستاذ علي عبد الرزاق ضائقاً به حتى بعد ربع قرن من صدوره وانتهاء المعركة على نحو يرضي المخلصين، فقد قرأت بالسنة الثامنة على ما أذكر من مجلة: (لواء الإسلام) كلمة للأستاذ علي عبد الرزاق تنبئ عن غضبه الموقد على الأستاذ، وتعيب طريقته في نقد الكتاب: 

ومجمل العيب في رأي الأستاذ عبد الرزاق أنَّ الأستاذ الخضر ينقل كلَّ نص من نصوص الكتاب على حدة ثم يُفنِّده بالرأي والدليل وذلك أدعى إلى تمزيق الفصل الواحد وتشتيته. 

ونحن نقول للأستاذ عبد الرزاق إنَّه قد ظلم الحق فيما قال؛ لأنَّ هذه النصوص تأتي مُتوالية مُتعاقبة، وقارئ النقد يستطيع أن يجمعها بسهولة لتكون كل ما جاء بالفصل الواحد من الكتاب، وهي بعد خير وأقوم من مَسلك ناقد يلخص الموضوع من عنده ثم يعقِّب عليه، إذ ربما فات من التلخيص شيء هام لا يعرفه القارئ المحايد. 

ولا ندري كيف يحافظ الخضر على نصوص الكتاب جميعها فلا يسقط منها شيئاً ذا بال ثم يكون ذلك مطعناً يوجه إليه من ناقد نبيه، إنَّ الغيظ وحدَه لم يستطعْ أن يخمد في نفس المنقود على تطاول الأيام به حتى وجد المنفذ على صفحات لواء الإسلام!.

ولو كان نقد الأستاذ عبد الرزاق للأستاذ الخضر علمياً نزيهاً ما تعرَّض لأمور شخصية لا تتصل بالبحث في شيء، ولكنه تخيَّل الموهوم ثم خاله حقيقة فينقله على طريقته بعض الناس.

لقد كان تمكن الخضر في الدفاع مدعاة التقدير من ذوي الأحلام، فتقدَّم لامتحان العالمية بالأزهر، وكان الشيخ عبد المجيد اللبان رئيس اللجنة مع نخبة من زملائه المختارين، فأبدى الشيخ من الرسوخ والتمكُّن ما أدهش، حتى أن الشيخ اللبان صاح بملء فيه (هذا بحرٌ لا ساحل له، فكيف نقف معه في حجاج). ونال الشهادة العالمية الأزهرية وبها صار أستاذاً في الأزهر فمدرساً بكلية أصول الدين، بل كانت طريقه فيما بعد إلى مشيخة الأزهر ذات القدر الخطير!.

وقد اتجه الأستاذ إلى تأسيس الجماعات الدينيَّة، فكان أحد مؤسسي جمعية: (الشبَّان المعلمين) وقد وضع لائحتها الأولى مع صديقه محب الدين الخطيب، وقامت هذه الجمعية برسالتها المخلصة في هداية الشباب الإسلامي، ومحاربة الإلحاد العلمي، والنزق الخُلُقي، واستطاعت أن تصدَّ هجوم الحضارة الملحدة الماديَّة بما تقوم به من ندوات ومحاضرات وما تنشره من صحف ومُؤلفات.

وكأني بالخضر وقد شاء أن ينشئ جماعة: (الهداية الإسلامية) لتساند أختها في الدعوة إلى الله تعالى، وقد كان نشاطها علمياً أكثر منه اجتماعياً، إذ أنَّ محاضراتها المتتابعة قد وجَّهت الأذهان إلى كنوز الثقافة الإسلاميَّة، كما أنَّ مجلتها الشهرية كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع واللغة والتاريخ. 

وإذا عرفنا أنَّ مجلة الأزهر ومجلة لواء الإسلام قد ظلتا سنوات عديدة تصدر عن رأي الشيخ وتوجيهه أدركنا جهادَه الشاقَّ في مضمار الصحافة العلميَّة الراقية، وعرفنا مصادر مُتنوعة تجمع إنتاجه الدسم الفياض، هذا ولم يَفُتْ الأستاذ أن يحارب على صفحات هذه المجلات جميعها ما يندُّ من الأقوال المتطرِّفة في الأدب واللغة والدين، حتى اختلف في الرأي مع أناس مخلصين لا ترقى إليهم الشبهة في علم أو خُلُق أو دين، ولكن العلم الأصيل شيء غير الإخلاص والخلق، فقد يكون المخلص الغيور مُتسرِّعاً ينظر إلى زاوية واحدة، فلابد أن يناقشه إنسان مُطمئنُّ النظر مُنفرج الزوايا واسع الاطلاع كالأستاذ الخضر والنقاش بعد سديد مفيد.

هذا وقد اختير الرجل عضواً في المجمع اللغوي بمصر، فأبدى من الآراء السديدة في الإصلاح اللغوي ما تشهد به مجلة المجمع ومحاضر جلساته، وهو أول من أعلن بالمجمع صحَّة الاحتجاج بالحديث النبوي، وأحد من اشتركوا في معارك النقاش اللغوي حول الوضع الاصطلاحي، وحق المحدثين في وضع الكلمات، هذا غير ما خاضه من بحوث تتعلق بالاشتقاق والتعريب والفصيح والدخيل، وجموع التكسير قياسية وسماعية، مما يشهد بالتخصص الماهر الفاحص في فُنون اللغة والبيان، على أن تُقدَّم إلى هيئة كبار العلماء برسالة في القياس، يقول المغفور له الأستاذ محب الدين الخطيب عنها بمجلة الأزهر شعبان سنة 1377هـ : 

(وفي أثناء إقامته بدمشق شرع في دراسة كتاب مُغني اللبيب في علم العربية لجمال الدين بن هشام بمحضر جماعة من أذكياء طلاب العلم بدمشق، وكان يرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس إلى تلك الأصول المقرَّرة والمستنبطة، فاقترح عليه أولو الجد من الطلبة جمع هذه الأصول المتفرقة ليكونوا على بينة منها ساعة المطالعة، فألَّف مقالات تشرح القياس وتفصل شروطه وتدلُّ على موانعه وأحكامه، ومن هذه المقالات تألفت رسالة القياس في اللغة العربية التي أعاد عليها نظره بمصر)، وهي كما رأيتها تجمع الأصول العالية في أحكام القياس والسماع وتضم فصولاً عن شروط القياس وأقسامه وقياس التمثيل والقياس الأصلي مع إيضاح الأمور المشتركة بينهما، هذا إلى أبواب في فضل اللغة العربية ومُسايرتها للعلوم المدنيَّة، وحاجتها إلى المجتمع وحاجة المجتمع إليها وتأثيرها في التفكير، وتأثير التفكير فيها! وغير ذلك كثير. 

فإذا أضفنا إلى رسالته عن القياس رسالته الأدبية في الخيال العربي عرفنا جهد هذا الأديب كما عرفنا من قبل مقام ذلك الفقيه!.

أما مشيخته الكبرى للأزهر فقد كانت دليلاً على أنَّ الله تعالى لا يتخلى عن رجاله المناضلين إذ يأبى عدله الرحيم أن يترك هذه الجهود المضنية في الدين واللغة والأدب تضيع بدداً دون تقدير مادي ملموس، فرأى الأزهر لعهده حلقة ذهبية من حلقات الكمال والجلال والوقار، وطفق الزائرون من كُتَّاب وعلماء وصحفيين يتقاطرون على مكتبه وكلهم يسأل عن أمور هامَّة في الإصلاح الديني والتشريع الإسلامي والتقدم الحضاري، فيجد الإجابة الرصينة السديدة يفوح بها شيخ الإسلام الدارس المستنير، ولكن أعباء السنين تتراكم على كاهله الضعيف فيترك المشيخة مُعتكفاً محتسباً حتى يلبي نداء ربه في 13 رجب سنة 1377هـ، وهو التاريخ الهجري الذي كان رضي الله عنه يحرص على تدوينه في كل مُكاتبة أو رسالة، ونحن نسجِّل به رَحيله الطاهر إلى ساحة الرحمة والرضوان في جنَّة عرضها السموات والأرض.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: (مجلة الأزهر)، السنة الثانية والأربعون، ربيع الأول 1390 - .