عرفتُ شيخَنا العلامةَ الفقيهَ القدوةَ سيدي أحمد علي ريان -رحمه الله ورضي عنه- قبل نحو ثلاثين عامًا بكلية الشريعة والقانون وبالتحديد عامَ 1993م حين كنتُ طالبًا بها، رفقةَ أخي الحبيب الشيخ محمد المهدي الجزائري، فرأيتُ مدى حب الطلاب له ومدى ترفقِه بهم ونصحه لهم، فكان الطلابُ يتحلَّقُون حوله قبل المحاضرة وبعدَها.
- وقد سمعتُ أثناء دراستي بالكلية عن دروسه في الجامع الأزهر ومسجد الشيخ الدردير، ومضيفة شيخنا إسماعيل العدوي، حيث كان يشرح صحيحَ الإمام البخاري، وموطأ الإمام مالكٍ بشرح القاضي إبي الوليد الباجي، وشرْحَ أقرب المسالك للشيخ الدردير، وتفسيرَ الجلالين بحاشية الشيخ أحمد الصاوي، وغيرَها من الكتب، فتشوفتُ لحضورها، وبالفعل بدأتُ في حضور دروسه العلمية والتربوية من ذلك الوقت، وبدأتْ علاقتي بشيخنا تتوطدُ وتترسخُ شيئا فشيئا، حيث عايشتُه ولازمتُه بتلك البقاع ما يزيد عن خمسة عشر عامًا، فتربينا على يديه وارتشفنا من مَعين أخلاقه وآدابه وسلوكه، وتعلَّمْنا منه الفقهَ المقارنَ والفقه المالكي وغيرَهما من العلوم.
- كان شيخُنا زاهدًا ورعًا متواضعًا مقبلاً على شأنه، عارفًا بزمانه، جابرا للخواطر، لا يحب الثناءَ عليه من أحدٍ، ويَكره التكلف والتصنعَ في شيء من أمره، ويحب العلم وطلابَه حبا جمًّا، فكان يتعهدهم ويتفانى في تعليمهم ونصحِهم وإصلاحِ حالهم ومواساتهم.
- وكان شيخُنا مداومًا على إلقاء دروسه لا يغيب عنها إلا لعذر قاهرٍ، ويَحزن إذا حصل له مانع من الحضور، وإذا تأخر عن حضور الدرس يجيء مسرعَ الخُطى رافعًا ثوبَه "جلابيتَه"؛ لئلا ينصرف الطلابُ من المسجد فيتأجل الدرسُ.
- وكان شيخنا رأسًا في الكرم والبذل، لم أره يردُّ سائلاً على كثرتهم سواء على أبواب المساجد والطرقات، بل كان يقتطع جزءا من مرتبه للعاملين بكلية الشريعة والقانون، ويعطيهم من ماله عطاءَ من لا يخشى الفقرَ.
- ومما ميز الله به شيخَنا الريان عن معظم أقرانه أنه جمع له بين الفقه والتربية، والعلمِ والعملِ، على نحو لا يجود الزمان بمثله كثيرًا، قدوتُه في ذلك إمامنا مالكٌ -رضي الله عنه-، وكان شعارُه في علمه وعمَلِه الصدقَ والإخلاصَ، لا يأخذ شيئا على مؤلفاته التي يطبعها، بل يأخذ نُسخًا من كل كتابٍ يوزعها على طلابه.
- وأما عن علاقتي وتعلقي بشيخنا الريان فإني لم أكن أخالفُه في شيءٍ أمرَني بفعله أو بتركه من المباحات، فقد أمَرَني بالسفر للمغرب لتحضير درجة الماجستير بها بدلاً من السفر للعراق، وذلك بعدَ أن تعذر عليَّ إكمالُها بالأزهر، وحكيتُ له رؤيا مناميةً وقعتْ لي وكان ذلك عام 1998م، ففسَّرَها لي بذلك.
- وكان شيخُنا الريان هو من أمَرَني بالجلوس في الجامع الأزهر لتدريس الفقه المالكي بعد عودتي من المغرب، وكانت إدارة الجامع الأزهر قد طلبت منه أن يرشحَ لهم أحدَ طلبته ليشرح لهم الفقه المالكي بالأزهر، فوقع اختيارُه عليَّ من بين بقية طلابه آنذاك ولم أكن بأفضلهم ولا بأفقههم، فصعُب عليَّ تلبيتُه في حياته رحمه الله؛ ولأني لم أكن أرى نفسي أهلاً لذلك، ولأني كنتُ مشغولا بكتابة أطروحة الدكتوراه بكلية الشريعة، فامتثلتُ أمرَه على الفور من دون مراجعةٍ له في ذلك لعدم قدرتي عليها، وجلستُ في الجامع الأزهر أدرِّس الفقهَ المالكي وأصولَ الفقه، لطلبة العلم نحوَ عشرِ سنين، وذلك فضلُ الله.
- وكان لشيخنا -رحمه الله- هيبةٌ ووقارٌ عجيبان، إذْ لم أكن أُديمَ النظرَ في وجهه المبارك لذلك، وكانت له فراسةُ المؤمن الصادقةُ، وكان دائمَ قيامِ الليل، فكانت حياته في الجملة حياةً طيبةً، بين علمٍ وعملٍ، وزهدٍ وورعٍ. فلله درُّه من عالمٍ عاملٍ فقيهٍ مربٍّ مصلحٍ. رحمه الله.
- وكان شيخُنا قد عُرض عليه منصبُ مفتي الديار المصرية ثلاثَ مرات أو أربع على فتراتٍ متتاليةٍ، فكان يَشترط عليهم لتوليه شروطا تحفظ مكانته ومكانةَ هذا العلم والمنصب، فكانوا لا يَقبلون منه ذلك، وفي ذلك من التوفيق الخفي ما فيه، بالرغم من أن منصب الفتيا كان يليق بشيخنا ويَشرف به لو تقلَّدَه.
- وكان شيخنا ريان لا يتحرَّج من قول: لا أدري، أو اللهُ أعلم، في دروسه ومحاضراته وفتاويه، عملاً وتطبيقًا لما ورد عن الإمام مالكٍ، رضي الله عنهما وأرضاهما.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول