لا تهاون بالصلاة

أطفالنا والعبادة (15)

لا تهاون بالصلاة

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

ممّا لا يخفى على كلّ مؤمنٍ أنّنَا مأمورونَ بإقامة الصلاة.. وإقَامةُ الصلاة أداؤها على أكمل وجهٍ وأحسن صورة، من إتقان طهارتها، والالتزام بشروطها، وأداء أرْكانِها، والاهتمام بواجباتها وسننها وآدابها.. فإنْ لم تُؤَدّ الصلاة بهذه الصورة، فإنّها تكون صورةً بغيْر حقيقة، ضعيفةَ الفَائدةِ، عديمةَ الأثر، أشبهَ بالعادَةِ منها بالعبادة، ويدخل مؤدّيها بهذه الصورة تحت قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون. ومن السهو عن الصلاة تأخيرها عن وقتها، أو التفريط بأحكامها وآدَابها..

 

ومن الظواهر الاجتماعيّة الشائعة أنّنا نرى كثيراً من الآباء يتبرّمون من سلوك أبنائهم عندما يرونهم متساهلين بالصلاة، لا يبالون بتأخيرها عن وقتها، أو تضييعها والتفريط بها.. ويتضَايقون منْ سلوكهم، وعنادهم لَهم في كثير من الأحيان.. ويقولون: إنّهم لم يقصّروا معهم، فقدْ أمروهم بالصلاة منذُ الصغر، وحثّوهم عليها، وعندما كبروا أخذُوا يتهاونون بها، ويسْتهترون.. فكيف حدث الخلل.؟ وما أسبَابُه ومقدّماته.؟

 

إنّنا لو لاحظنَا سلوك أمثال هؤلاء مع أبنائهم عندما أمروهمْ بالصلاة لرأينا أنّهم أمَروهم بهَا بتهاون، ودعوهم إليهَا، ولكنّهم لم تقترن دعوتهم بإظهَار أهمّيتها، والتأكيد على خطَر التهاون بها.. بل كان سلوكُهم العمليّ أن يفرّط بالصلاة لأتفه الأسبَاب: فمع الانهماك في اللعب تضيع الصلاةُ.! وعند مشاهدة المباريات، أو المسْلسلات، أو أفلام الكرتون تضيع الصلاةُ.! وفي الخروج إلى المُتَنزّهات لا متابعة في أداء الصلاة.! وبالنوم تضيع الصلاةُ.! ولا إيقاظَ على صلاة الفجر شفقة على الطفل.! والكبار تضيع منهم الصلاةُ.! بأسبابٍ أو بأتفهِ الأسباب، ويرى الأطفال منهم ذلك فيتكرّسُ في وعيهم: أن لا أهمّيّة للصلاة إذَا تعَارضت مع أدْنى مصلحة أو شبْهِ مصلحة..

كلّ ذلك وأمثاله وأشباهه يغرس في نفس الطفل التهاونَ بالصلاة.! وأن لا أهمّيّة لها، ما دام أيّ شيءٍ يشغل عنها، ويؤخّرها عن وَقتها..

 

والموقف الصحيح الذي ينبغي على الآباء والمربّين أن يأخذوا به، هو أنّ الطفل ما دام يؤمر بالصلاة عندما يبلغ السابعة، تدريباً له وتعويداً، فكذلك ينبغي أن يؤمرَ بقضائها إذا فاتته لضرورة من الضرورات، وأن يعلّم أن لا شيء يقدّم عليها، ويعرّضها للخروج عنْ وقتها، إلاّ ما كان من الضرورات الشرعيّة المعْتبرة، وذلك ليرسخ في شعوره الأهمّيّةُ العظمى للصلاةِ، فلا يمكن إذا كبر أن يستهترَ بهَا أو يفرّط..

 

وإنّ مرضَ الطفلِ مُنَاسبة مهمّة لتعليمه أحكامَ صَلاةِ المريضِ، أذكر أنّ أخي الأكبر مرض وهو طفل مرضاً شديداً، فكان الوالدُ ـ رحمه الله ـ يذكّره بالصلاة، كلّما صحا من شدّة الحمّى، فلا يجيبه بشيء، وعندما شفي من مرضه، قال له: " إنّ الله تعالى جعل للمريض أحكاماً خاصّة، فيها تيسير عليه وتخفيف، وكان بإمكانك أن تصلّي قاعداً، أو مستلقياً، وأن تتيمّم إن عجزت عن الوضوء، ولا تتركَ الصلاةَ.. أما وقد شفيت الآن، فاقضِ ما فاتك من الصلوات "، فكان هذا الموقف درساً لنا جميعاً.

 

ولا تقتصر تربية الطفل على الاهتمام بالصلاة، وعدم التهاون بها، بل ينبغي على المربّي أنْ يغرس في نفسه آداب الصلاة، وَيعَلّمَه أحكامَها، وينتهز لذلك ما يلاحظُه عليه من بَعض الأخطاء، أو يطرح عليه بعض الأسئلة ليفيده بما ينفعه من أحكام.

 

ومن المواقف النبويّة في ذلك ما روي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: (يَا بُنَيَّ ! إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ الالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ، فَفِي التَّطَوُّعِ لا فِي الفَرِيضَةِ) رواه الترمذيّ في كتاب الجمعة برقم /537/، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

فانظر إلى تنزّل النبيّ صلى الله عليه وسلَّم معه في الحكم، بما يناسب سنّه، تدريباً له على مراعاة هذا الأدب، والالتزامِ به.

 

وحدّثني بعض الإخوة، ولم يكن ملتزماً بدينه منذ نشأته، فقال: لقد رأيتُ في طفولتي كلَّ من حولي من الرجال والنساء، المعروفين ـ بين العامّة ـ بتمسّكهم بِدينِهم، أنّهم يتركون الصلاةَ لأدنى سَببٍ: فيوم الغسيل، ويوم الدعوة إلى وليمة، ويوم النظافة العامّة في البيت، وأمثال هذه الأمور وأشباهها.. كلّها أيّام لا صلاة فيها عندَ النسَاء، إلاّ في آخر الليل، فتقضى الصلوات إن بقيَ في المرأة عافية أو رمق لذلك..

 

وإذا شُغل الرجلُ بأيّ عملٍ، فالصلاة تُؤَخّر عن وقتها.. وقدْ تقضى بعد ذلك، وقد لا تقضى.! فأيّ صورة عن الاهتمام بالصلاة تعطى من أمثال هؤلاء الآباء والأمّهات.؟!

 

وبعدُ ؛ فلعلّ أهمَّ ما يعمّق في نفس الطفل والناشئ مكانة الصلاة، وينْأى به عن التهَاون بها: أن يُؤمَرَ بالسنن الروَاتب، قبل الفرائض وبعدها، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: (مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ)، رواه الترمذيّ في كتاب الصلاة برقم /379/ وقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

 

 ويحثّ على الإكثار من النوافل، كصلاة الضحى، وقيام الليل، وتحيّة المسجد، ويعلّم صلاة الحاجة وصلاة الاسْتخارة، وأن يرغّب بالمحافظة على الأذكار بعْد الصلاة، وأنْ يعلمَ ما للمؤمنين المقيمين للصلاة من فضل، وعلوّ منزلة عندَ الله، ممّا يحبّبه بالصلاة، ويجعله يحافظ عليها، ويحرص على أدائها في أوقاتها.

نسْأل الله تعالى أن يجعلنَا من أهْل قوله سبْحانَه: {ربّ اجعلني مُقيمَ الصلاة، ومن ذرّيّتي، ربّنا وتقبّل دعاء (40)} إبراهيم.

وقوله تعالى: {وأمُر أهلَكَ بِالصلاةِ، واصطَبِر عَلَيهَا، لا نَسألُكَ رِزقاً، نحنُ نَرزُقُكَ، والعَاقِبَةُ للتقْوَى (132)} طه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين