وترجل الشاعر الأنيق (كلمات في وداع أحمد البراء الأميري)

   كتلة من الذوق والشوق والجمال كان، معلماً حيثما حل أو ارتحل، تفهم عنه ومعه بالنظرة والابتسامة واللمحة، وفي كل ذلك لايكاد يخرج عن تاريخ ومسار الوالد الشاعر الكبير عمر بهاء الأميري.

   مصور بارع إن أمسك القلم أو عدسة التصوير، الجمال سلوكه والعطر أسلوبه، خبير في نكهة القهوة وطرق رشفها، مختص بالشاي وفنون صنعه، يختار عطره من مئات الأصناف ويسميه لك وينبيك أين ومتى يستخدم ويكون، وكيف يكون لون قميصك منسجما مع سترتك.

   لن تكفيه رسالة ماجستير توضح منزلته في الشعر والأدب يكون جزء منها في الصياغة والإبداع وجزء آخر في التذوق وحسن الاختيار.

   مُوجه للخير ناصح أمين أينما سئل: أستاذا في الجامعة، مدرسا لطلابه وطالباته، يقدم لهم المعرفة الصحيحة مع الأدب وحسن التصرف واللياقة والذوق، فيخرج من التقاه بباقة ورد مادتها اللغة العالية ولحمتها المنطق السليم، وسداها النصح والفهم المبين، مع هدية من أشعار نفيسة تبقى أياما تعيش في معانيها وألغازها.

    شاركنا (شركة سنا للإنتاج)  في إنتاج صوتي مميز، كان خلاصة لكتب العالم  المشهور برايان تريسي، فأخرجناه على شكل ألبوم من تأليفه وبصوته تحت عنوان/ (كتب مسموعة: الوقت والنجاح) في وقت لم يكن مشهورا مفهوم الكتب الصوتية.

   في (اللياقات الست) جمع رحمه الله خلاصات علم النفس والتنمية والسلوك وكثيرا من كتب الآداب والاتكيت والذوق وصب ذلك في إطار عربي إسلامي إنساني فصيح معافى من العجمة والخلل والاضطراب والمبالغة ليكون مادة قيمة لكل باحث عن تموضع جديد في الحياة، ولطالما تحاورنا حول طريقة جديدة لعرضه مصورا مرئيا أو تفاعليا، وهكذا نتأخر دائما في نشر الفضائل وإذاعتها إلى أن تأخذنا الأيام والأقدار.

   في الدعوة إلى الله ونشر الخير، كانت له رحلة سنوية إلى جنوب أفريقيا، ولعل الأخ الصديق (مرشد ديفيز يتحدث عنها باسهاب)، يحاضر فيها ويدرس ويعلم الناس هناك بلغتهم وفق أسلوب أميري نادر ومميز، فيُسلم الغريب، ويعلم القريب، وتكون البشارة.

     مشرفاً على اختيار الترجمات لدار طباعة ونشر كبرى، تأتيه يوميا الكتب من دول العالم ليختار منها الأفضل والأصلح للترجمة والنشر، ولطالما تحاورنا في هذه المواد وطريقة اختياره لها لتكون الفائدة والنفع وتجنب السوء مع مراعاة فتح النوافذ وتوسيع الآفاق بما ينسجم مع ثقافتنا وقيمنا.

  كنت مع أخَويَّ المرحومين سليم وعبد الله زنجير تلاميذَ نتعلم في مدرسة والده الأستاذ عمر رحمهم الله أجمعين، وكنا المرافقين الخُلص له عند زيارته مكة وجدة، فكان أحمد البراء يعاتبنا بمحبة ولطف وهو يقول لنا: لقد أفسدتم علينا (نحن أبناء الأستاذ عمر) محبة أبينا  بحرصكم على مرافقته وخدمته، والحقيقة أنها أيام نادرة شرفنا فيها برفقة الشاعر الكبير وبالتعلم منه.

  في مكتب (سنا) في جدة كان اللقاء الدائم المستمر، فزيارة جدة تعني للمرحوم زيارة (سنا) واللقاء بالأحبة فيها، فالشاعريَّة والانسجام بين أهل الفن: الأستاذ أحمد البراء والشاعر سليم، كان يصنع أحلى الأمسيات وأطيب الحوارات والمساجلات، وفي (سنا) كان اللقاء يدوم ساعات وساعات حوارا حول كل ما يفيد الأمة ويرفع من شأنها ويترك أثرا صالحا فيها، خاصة وأنه كان يزورنا برفقة الشاعر والأديب شقيق روحه ورفيق دربه الأستاذ حيدر الغدير، أمد الله في عافيته، وهما من أظرف مَن خلق الله من الشعراء وأذكاهم وأكثرهم طرفة وأجملهم نكتة.

  في تاريخ أحمد البراء سجل حافل من الشخصيات التي ساهم في صنعها ومشاركتها النجاحات والإنجازات، إحداها التي نعرفها، مجلة المعرفة التي كانت تصدر في الرياض ويرأس تحريرها وزير المعارف الدكتور المرحوم أحمد الرشيد، إذ كان للأستاذ أحمد البراء مقال شهري فيها من أنفس المقالات وأغلاها على قلوبنا، ولطالما أسهمت في إضاءة الطريق للباحثين والراغبين في النهوض.

   كتابه (الأميريات) كان حصيلة مُطالبات من كثيرين أن يسعفنا بإعادة قراءة دواوين والده الأستاذ عمر لاستخلاص الأجمل والأبلغ، وقد تم، فكان (الأميريات)، اسأله تعالى أن لايحرمه أجر هذا الإنجاز وباقي كتبه.

    رحم الله الأستاذ والشاعر والمعلم والأديب أحمد البراء الأميري، أبا عمر، وأعلى مقامه في عليين، ونفعنا بما علمنا وبما تركه من أثر وعلم، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله.