كلمات في رثاء الدكتور صلاح الدين خالدي (2)

كتب تلميذه الأثير الأخ الحبيب محمد السيلاوي أبو حمزة:

إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع على فراق شيخنا الحبيب

وإنا لله وإنا إليه راجعون

انتقل إلى جوار ربه شيخي وحبيب قلبي العلامة المفسر العالم الصالح الرباني القرآني الموسوعي الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي الذي قضى عمره في صحبة القرآن تلاوة وتدبرا وتأليفا وتدريسا وتطبيقا.

كان شيخنا لا يجد لذة أحلى ولا أغلى من ساعة يقضيها مع القرآن الكريم، تلاوة وتدبرا وتأملا، يستخرج كنوزه ودرره، وعبره ومواعظه .. فهذه الساعات عنده من أغلاها، والأوقات واللحظات من أحلاها.. كيف لا تكون كذلك وهو أكثر من سمعته يردد مقولة الإمام الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى: (الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه، ولقد من الله علي بالحياة في ظلال القرآن فذقت ما لم أذق قط في حياتي). ومنه عرفتها وحفظتها.

صحبت شيخنا المبارك سنوات طويلة -بفضل الله- وقرأت عليه في التفسير وعلوم القرآن واللغة والعقيدة والحديث.. وقرأت غالب -إن لم يكن كل- ما أنتجه والفه.. بحمد الله تعالى ..

الله يشهد أني أحببت شيخنا الخالدي حبا كبيرا .. فكان مثالا وقدوة لي.. أسبغ الله عليه شآبيب رحماته ورضوانه.

رافقت شيخنا الحبيب في الحضر والسفر، فما وجدته إلا شخصية مفعمة بالحب والتسامح، مشرقة بالخصال الحميدة، والسجايا العطرة، والأخلاق النبيلة، دائم البشر، سمح المحيا، سليم القلب، ابتسامته لا تفارقه عند حديثه لجليسه، رجل طبع على الوفاء، وحفظ المعروف، كان أكثر ما يميزه صفة التواضع وهضم النفس..

منه حفظت قول الشاعر :

مَلأَى السنابل تنحي بتواضع ... و الفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ

كان يوصينا بالتواضع ويردد على مسامعنا في جلساته، قوله الأثير:(إذا صغر الإنسان في عين نفسه، كبر في أعين الناس، وإذا كبر في عين نفسه، صغر في أعين الناس!)

وكم كان يبغض التكبر والمتكبرين، ويشبه المتكبر بالطاووس المنتفش!.

من شيم شيخنا العطرة التي تميز بها كذلك الحلم والأناة، ودماثة الخلق وحفظ اللسان، وسعة صدره وخاصة مع مخالفيه..

رحم الله شيخنا الحبيب فقد كان زاهدا في الدنيا مدبرا عنها، لا يتطلع إلى ملذاتها، مقبلا على الآخرة ..

رحم الله شيخنا كان حريصا على اغتنام وقته، منه تعلمنا قيمة الوقت وحسن الانتفاع به،و الانضباط والالتزام بالموعد في وقته المحدد!

رحم الله شيخنا الحبيب كان غني النفس قنوع، منه تعلمت وحفظت قول الإمام الشافعي:

أَمَتُّ مَطامِعي فَأَرَحتُ نَفسي=فَإِنَّ النَفسَ ما طَمِعَت تَهونُ

وَأَحيَيتُ القُنوعَ وَكانَ مَيِّتاً=فَفي إِحيائِهِ عِرضٌ مَصونُ

إِذا طَمَعٌ يَحِنُّ بِقَلبِ عَبدٍ=عَلَتهُ مَهانَةٌ وَعَلاهُ هونُ

هكذا كان يردد إذا أكثرنا أمامه من ذكر ما يتفاخر به أصحاب التنفيعات والترفيعات من بعض أساتذة الجامعات ..

رحم الله شيخنا الحبيب كان دائب الحركة والنشاط، يعيش دوما في دعوته ولدعوته، فقد أدرك مسؤوليته العلمية وقدر أمانة العلم التي أكرمه الله بحملها، فكان نعم المعلم والمربي والداعية.

رحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة وتقبله في عليين وحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. اللهم آمين

#صلاح_الخالدي

وكتب د.محمد سعيد بكر:

يا شيخنا؛ ضع القلم .. ✍️

 يا شيخنا .. فقد انتهى وقت امتحانك .. ونشهد ونحن طلابك أنه كان امتحاناً ثقيلاً .. كيف لا ونحن في زمن امتحان العلماء والدعاة والمصلحين .. لكننا كذلك نشهد أن قلمك كان قلم صدق وحق .. فلم يكن مأجوراً لسلطان .. ولا غائباً أو حاضراً بسوء أو خائناً مع من خان .. بل كان قلم عز يلهج بوعي الوحي .. ويستظل ب(ظلال القرآن).
 آه يا شيخنا .. لقد أوجعت قلوبنا .. فمن يسد مكانك .. ومن يرابط على ثغر التوجيه والإرشاد والبحث والتحقيق بلا كلل ولا ملل بعدك .. نسأل الله العوض فالدين دينه والأمر أمره .. والشيخ تعب وآن له بإذن الله أن يستريح.
 نشهد يا حبيبنا وما شهدنا إلا بما علمنا .. أنك كنت منحازاً للدعاة والمصلحين .. محباً للشهداء والمجاهدين .. منتمياً للنبيين والصديقين .. مدافعاً بحزم قريباً من قضايا وهموم المسلمين.
 تلقينا بين يديك حُب القرآن وتعلمنا منك فهمه وتدبره وحسن ربطه بالواقع .. وكأنه ينزل غضاً طرياً في كل آن.
 زرناك فأوسعت لنا قلبك وصدرك واحتضنتنا بابتسامتك التي كنت تمنحنا بها التفاؤل وحسن الظن بالله في أحلك الظروف.
 سألناك ذات يوم عن شغلك اليومي؟ فأجبتنا بأن عينك الأولى طوال النهار والليل لا ترتفع عن تفاسير الأكابر كالطبري والقرطبي وغيرهما .. وعينك الثانية تبقى تتابع أخبار وأحوال وهموم المسلمين .. في حالة من الأصالة والمعاصرة التي تلزم عموم العلماء والدعاة والمصلحين.
 يا شيخنا؛ ضع القلم .. فقلمك كان يميز بين العدو والصديق .. فلا يداهن ولا يماري ولا ينافق ولا يقبل أنصاف الحلول.
 قلمك كان يطلق رصاصاً حياً على يهود وأعوان يهود والمطبعين مع يهود.
 يا شيخنا؛ ضع القلم فقد آن أن ترى من كنت تكتب عنهم وتحببنا فيهم .. غداً بإذن الله تلقى الأحبة؛ محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه.
 يا شيخنا ضع القلم .. فالناس تعرف أصالة قلمك لأنها لا تزال تميز بين الأصيل والدخيل وبين الأصلي والتقليد.
 يا شيخنا لقد تعلمنا منك الزهد فلم تكن تطمع بالمناصب والمواقع لا على مستوى الدولة ولا على مستوى الدعوة .. فعشت خفيفاً لطيفاً بعيداً عن زحام الرؤوس الهائمة.
 يا شيخنا ضع القلم .. فقد أوقفوك عن الخطابة لكنك لم تتوقف عن الدعوة وأحالوك على التقاعد لكنك لم تقعد عن الصدع بالحق .. ووضعوا مؤلفاتك في بعض الدول على قائمة الممنوعات والمحظورات لكنك لم تمنع نفسك عن الاستمرار في العطاء.
 يا شيخنا .. لقد كنا نرى فيك (صلاح)اً .. فنرجو من الله أن يجعلك عنده في الجنان من (الخالدين).
 في رثاء أستاذنا وحبيبنا الدكتور صلاح الخالدي رحمه الله والذي توفاه الله في عمان مساء يوم الجمعة ٢٨-١-٢٠٢٢م .. كتبه تلميذه - د. محمد سعيد بكر