كلمات في رثاء الدكتور صلاح الدين خالدي (1)

نعي هيئة علماء فلسطين للعلامة المجاهد المفسّر المربّي صلاح عبد الفتاح الخالدي

قال تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" الأحزاب: 23

الحمدلله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين؛ وبعد:

فإنّنا في هيئة علماء فلسطين ننعى إلى أمتنا الإسلاميّة جمعاء وإلى شعبنا الفلسطينيّ وإلى أهل العلم في كلّ مكانٍ ببالغ الصبر والاحتساب شيخنا العلامة المجاهد المفسر المربي الدّاعية صلاح عبد الفتّاح الخالدي

أحد أبرز رموز العلماء العاملين، وأهل التفسير، والدعوة والتربية، عضو هيئة علماء فلسطين، والأستاذ بالعديد من الجامعات، وصاحب المؤلّفات والمصنّفات الجليلة النافعة، الذي لبّى نداء ربّه تعالى قبل قليل في العاصمة الأردنيّة عمّان هذه الليلة الجمعة 26 جمادى الآخرة 1443ه الموافق 28 كانون الثّاني "يناير" 2022م عقب حياة حافلةٍ بالدعوة إلى الله تعالى وتربية الأجيال والتعليم الشرعي والحياة مع كتاب الله تعالى تفسيرًا وتعليمًا ونصرة قضايا الأمة كلّها وفي الصّدر منها قضيّة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.

وإنّ هيئة علماء فلسطين إذ تنعى الفقيد الكبير والعالم الجليل فإنّها تعزّي نفسَها وتعزي علماء الأمّة قاطبة بهذا المصاب الجلل، كما تعزّي الأمة الإسلاميّة جمعاء وشعبنا الفلسطينيّ في مختلف أماكن وجوده، وتعزّي أهل شيخنا الرّاحل وأسرته وأبناءه وطلابه وتلاميذه.

وإننا نضرع إلى الله تعالى أن يتقبّل فقيدنا وشيخنا بقبول حسن، وأن يرزقه الفردوس الأعلى في صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه، وأن يعوّض المسلمين بفقده من يحمل الرّاية من بعده، وإنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هيئة علماء فلسطين

26 جمادى الآخرة 1443ه

الموافق 28 كانون الثّاني "يناير" 2022م.

نعي جمعية الاتحاد الإسلامي ببيروت:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون..

تَنعى جمعية #الاتحاد_الإسلامي في #لبنان

علاّمة التفسير

وعلوم القرآن الكريم

الداعية المجاهد المربّي

الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي.

قامة علمية حركية رفيعة تترجّل مغادرة هذه الدنيا الفانية

وداعاً للشخصية القرآنية التي أثرت مكتبة التفسير بمؤلفات نفيسة.

اللهم أعلِ مرتبته ونوّر قبره وأرِه مقعده في الجنة

رحمه الله تعالى وأغدق شآبيبَ رضوانه عليه

وأسكنه من الجنة فردوسَها، ومن قصـورها أعـلاها وأغلاها..

ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا.

وكتب الدكتور جمال أبو حسان:

عالم كبير فقدناه

الموت حق لا ينكره أحد، والموت مصيبة كما سماه الله تعالى في كتابه، وكل الخلائق لا محالة ماضون إلى هذا المصير، ولن يستشار أحد في هذا المصير الذي هو صائر إليه.

ولكن وقع هذا الأمر يختلف من حال إلى حال، ولا شك أنَّ مصيبة المسلمين بفقد العلماء كبيرة، لأن أثر فقد العالم على المجتمع ليس سهلا، بل إنه يشكل ثلمة كبيرة، وقد بلغني قبل قليل خبر وفاة العالم الكبير، صاحب القلب الكبير والخلق الكبير والجهد الكبير، الأستاذ القدير الدكتور أبو أسامة صلاح عبد الفتاح الخالدي إذ توفي بهذا الداء الذي أرهق الناس.

عرفت الدكتور يوم كان يعطي محاضرات إضافية في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وكان الثناء هو سيد القول عنه في أسلوب تدريسه في الكلية، وكان يعمل أيضا في الأوقاف إماما وخطيبا في مسجد عبد الرحمن بن عوف في منطقة صويلح، وكان خطيبا يرحل الناس إليه، كان المسجد في زمانه مشعل نور وهداية ممَّا كان فيه من نشاط تدريسي للدكتور، ولكن الحال لا يدوم، وكان أيضا مدرسا في المعهد الشرعي الذي انقلب إلى كلية الدعوة وأصول الدين، ثم آل إلى جامعة العلوم الإسلامية، كنت أسمع عنه من الطلاب كثيرًا من الثناء حتى جئت إلى جامعة العلوم الإسلامية مدرسا، ورأيت ما لم أكن أسمع وتملكني حينئذ قول ابن هانئ الأندلسي يوم قال:

كانت مساءلة الركبان تخبرنا عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر

ثم التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري

هكذا كان الأمر، فقد وجدت من حسن الأخلاق وطيب المعشر أكثر مما كنت أسمع، اجتمعنا في الكلية فكنا نجلس مع أستاذ قمة في الأدب، قمة في السلوك، قمة في المعاملة، لم يكن صدره يحمل على أحد، لا من الطلاب ولا من الأساتذة ولا من الإداريين وسائر الموظفين، كان إنسانا غاية في التواضع وطيب المعشر.

ثم التقينا في تأليف التفسير المنهجي لبعض المدارس في فلسطين مع الأستاذ الدكتور فضل عباس والدكتور أحمد نوفل والدكتور أحمد شكري والدكتور صلاح الخالدي، وكنا نجتمع في بيت شيخنا الدكتور فضل عباس، ويا له من اجتماع أثمر هذا الكتاب الذي لاقى ثناء عاطرا ممَّن قرأه، ثم ترك الجامعة وتفرغ للعمل العلمي مع ابنه العالم الفاضل حذيفة الذي سيكون مكملا صورة أبيه النقيَّة في المجتمع المسلم.

كان الشيخ صلاح عالما مخلصًا، يدعو إلى الإسلام ولم يظهر عليه يوما أنه حصر الإسلام أو الدعوة إليه في حزب أو جماعة، بل كان محبا لجميع العاملين للإسلام، لم يكن متطرفا لافي سلوكه ولا أقواله بل كان وسطيا جامعا، كان يحب زيارة إخوانه ويسأل عنهم، ولا تفوته هموم المسلمين، بل كان دائم التأثر والتأثير في كل من يعرف، وكان كثير التألم لما يصيب المسلمين في جميع أرجاء الدنيا.

كان رحمه الله مع كل ذلك نشيطا في البحث والتأليف، لا يكل ولا يمل، فألّف العديد من الكتب التي شهرت في الدنيا، وكان آخر ما عني به اختصار تفسير الكشاف أو تقريبه للقارئين بلغة سلسة.

رحم الله الأستاذ الكبير والعالم النحرير، ولا شك أنا فقدنا بموته رجلا عظيما، وأنا مع شديد الأسى والألم نضرع إلى الله العلي القدير أن يرحمه، ويرفع درجته، ويتقبله في العاملين المصلحين، كما ونسأله سبحانه أن يلهم أخانا الدكتور حذيفة الصبر والسلوان، وأن يربط على قلبه وقلوب أهله وتلاميذه، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكتب محمّد خير موسى:

شيخنا وأستاذنا الحبيب صلاح عبد الفتّاح الخالدي يلبّي نداء ربّه ويرحلُ عن دنيانا الفانية وقد وافاه الأجل فكانَ وقعُ الرّحيل موجعًا.

تتقاصرُ الكلماتُ في حضرةِ الكبار، فتخرجُ باردةً باهتةً مهما تجلّلت بالوجع والألم والحرقة، وإنّي لأشهدُ أنّ نعيَ الكبار بقدر وجعه فإنّه من الصّعوبة بمكان، ولكنّه محاولةٌ للاقتراب من أسوار الحصون العالية أمّا الإحاطة بالأسوار فضلًا عن الحصن فلا يستطيعه كليلُ الجواد من أمثالي.

إذا أردت أن تجمع مواصفاتٍ شتّى في رجلٍ واحدٍ وبعبارةٍ واحدةٍ فتقول: "العالم، المفسّر، القرآن المتنقّل، العامل، الجريء القوّال للحقّ، بالغ التّواضع، الدّاعية القريب، المربّي النّاصح، المضحّي بلا تردّد، المؤلّف الغزير، الهيّن الليّن مع المسلمين، القويّ الثابت مع المستبدّين، عاشق الأقصى، محبّ المرابطين المقاومين، مناصر الثّائرين" فأنت لا تبالغ إن قلت إنّها تعريفٌ موجزٌ لشيخنا صلاح عبد الفتّاح الخالدي.

لقد عاشَ بالقرآن وللقرآن مفسّرًا ومعلّمًا، فكان رجل القرآن بحقّ.

وكان عنوان التضحية لأجل كلمة الحقّ بلا أيّة حسابات، فيقول كلمته لا يهاب أحدًا وقد ناله أذىً كبيرٌ فما وهن ولا استكان ولا تقهقر.

وكان المربّي الذي يألفه الجميع، ويحبّه من عرفه بالمجالسة أو بالتواصل من بعيد أو بالقراءة من غير معرفة شخصيّة.

كانت فلسطين والقدس والأقصى تملك عليه وجدانه وقلبه وعقله ويسيلُ قلمه بذلك.

وكانت مواجهة الطغيان والاستبداد من الواضحات المُسلّمات عنده فما توانى في مناصرة ثورةٍ من ثورات الشّعوب في مواجهة الطّغاة المستبدّين.

كانت بداية معرفتي بشيخنا الحبيب في بدايات الشّباب والطلب مع سنوات الجامعة الأولى فكنت حريصًا على قراءة كتبه التي تجعلك توقن أنّك بين يدي عالمٍ عزّ مثيلُه في التّعامل مع القرآن الكريم.

وكان اللقاء الأوّل في دمشق قبلَ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، فكان في اللقيا أجلّ مما رسمت له من صورةٍ في مخيال طالب العلم التوّاق للقاء شيخه وقد قرأ له الكثير من كتبه، فكان بتواضعه يزداد هيبةً ووقارًا.

وبعد أن استقرّ بي المقام في اسطنبول استمرّ التّواصل مع شيخنا الحبيب، وما فتئ يغمرني بفضلِه وحبّه، فكان يرسل إليّ من عظيم تواضعه مثنيًا على ما أكتب ويخبرني أنّه يتابع ما أكتبه بحبّ، وهذا والله من عظيم فضله وتواضعه ومنهاجه التربوي، فكان يشجّعني على الثّبات على مواقفي والاستمرار على النّهج الذي أكتب فيه ويعبّر لي عن حبّه لي فيزداد قلبي تدفّقًا بحبّه والشّوق له، حتّى التقيته في اسطنبول قبل بضع سنوات فكان لقاءً مؤثّرًا بي أكثر من عشرات الكتب وأبلغ نفعًا من عشرات المحاضرات.

لا أملك إلّا أن أطلب من قلمي أن يتوقّف عن الكتابة ليضرع قلبي إلى ربّ الأرض والسماوات أن يجعل شيخنا في الفردوس الأعلى، وأن تكون ساعاته هذه أحلى ساعاته بلقاء الله تعالى، وأن يرزقه صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم والأنبياء المرسلين جميعًا والصحابة الكرام في الجنان، وإنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وإنّا على فرقك يا شيخنا لمحزونون، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون

#صلاح_الخالدي