كتب نُسبت إلى غير مُؤلّفها.. وليّ الدّين الملّوي نموذجًا

كتب نُسبت إلى غير مُؤلّفها

(وليّ الدّين الملّوي نموذجًا)

 

د. طه محمد فارس

 

التقديم للبحث

نسبة التراث المخطوط إلى غير مُؤلِّفيه كنسبة الولد إلى غير أبيه، فإمَّا أن يقع ذلك خطًأ وسهوًا وتَعَجُّلًا واشتباهًا، وإمَّا أن يقع عمدًا وكيدًا واعتسافًا، وفي كِلا الحالتين تشويهٌ للحقيقة، ووضعٌ للأشياء في غير موضعها.

ولذلك لا ينبغي للباحث الجادّ أن يطمئن في نِسبة المخطوط وعُنوانه إلى ما يكتبه المُفَهرِسون والمُتَرْجِمون والكَشَّافون والنُّسَّاخ، لأنَّهم قد يقعون في الوهم أو السَّهو أو الاشتباه، خصوصًا إذا كانت مقدمةُ المخطوط وخاتمته خاليتين من اسم المخطوط أو نسبته إلى مُؤلِّفه.

كما أنَّه لا ينبغي الاعتماد على ما يَرِدُ في صفحة عنوان المخطوط من ذِكرٍ لعُنوان المخطوط ومُؤلّفه دونَ تثبُّت وتمحيص، فكثيرًا ما يكون هذا المذكور من عبث النُّسَّاخ أو الوَرَّاقين، خصوصًا إذا خلا الكتاب في أصله من ذكر المُؤلِّف، أو سقطت الورقة التي تحمل اسمَه، أو أصابها تَلَفٌ أو طمس، وقد يكون المذكور على الصفحة الأُولى من اجتهاد بعض قُرَّاء النُّسخة، وقد يكون منحولًا عن قصد وتعمُّد، كما يصنع بعض الورَّاقين من ضعفاء النُّفوس تحقيقًا للكسب المادي، وذلك بوضع أسماء مشهورة على بعض الكتب بُغيةَ رَواجها، وربما كان ذلك لدَواعي كيديّة أو مَذْهبيّة، وربما كان بسبب اشتباه أسماء بعض المُؤلِّفين؛ لتقاربهم بالاسم الأوَّل، واسم الأب، أو الكُنية، أو اللَّقب، ممَّا يؤدي إلى الخطأ في نسبة بعض الكتب إلى غير أصحابها.

وقد تكون بعض المخطوطات لا تحمل اسمَ المُؤلِّف، إنما تحمل لقبَه أو كُنيته، فيؤدي هذا إلى الالتباس بمن يحملون هذا اللَّقب أو الكنية، فيقع الخطأ في النِّسبة، وعند ذلك لا يمكن التأكُّد من نسبة المخطوط إلَّا من خلال الأدلَّة الدَّاخليَّة التي تُرشدنا إلى المُؤلِّف، وذلك من خلال التأمُّل في مُقدمة الكتاب وخاتمته، ومادته العلمية، وما يذكر في ثنايا الكتاب من نقول ومصادر ومراجع، وكذلك التَّعرفُ على مَذهب المُؤلِّف، ومُحتوى الكتاب الفكري والعِلمي والعَقدي، والتَّعرُّف على منهج المُؤلِّف في التأليف، ومقارنته مع كُتبه الأُخرى، كلّ هذا قد يُرشدنا إلى نسبة الكتاب إلى مُؤلِّفه الحقيقي.

وقد حملني على هذا البحث نسبةُ بعضِ الكُتب إلى غير مُؤلِّفيها، وهي: (تبيين معادن المعاني لمن إلى تبيينها دعاني)، و (مُزيل المَلام عن حُكَّام الأنام)، و (تذكير السَّهْوَان بأسباب الكرامة والهوان)، فهذه الكتب الثلاثة نُسِبت إلى غير مُؤلِّفها، فالأوَّل نُسِبَ للإمام عبد الكريم السمعانيّ (ت562هـ)، والثَّاني والثَّالث نُسِبا لابن خلدون (ت808هـ)، بينما تأكَّد لي بالبحث والتمحيص مع طول اعتناء واهتمام أنَّ هذه الكتب الثلاثة هي لوليِّ الدِّين المَلَّوي (ت774هـ).

وقد جعلتُ بحثي هذا في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة، ثمَّ أتبعتُ ذلك بمصادر ومراجع البحث.

تحميل الملف