قراءة في الحالة الحوارية بين الوعي والسعي

 

أستمتع بمتابعة تعليقات المشاركين ومحاوراتهم ومناقشاتهم لبعض ما يكتبه ويطرحه بعض الكتاب والساسة والمفكرين من موضوعات وقضايا وأفكار على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعى ، التى مثلت وسيلة سهلة ميسورة لمتابعة الأحداث ، وتبادل الأفكار والخبرات، والتى هيأت لكثير من مستخدميها منبرا رائدا للتعبير عن الرأى ، أظهر مواهب وقدرات محجوبة ، وأبرز كفاءات كانت مستترة حجبها الإعلام الرسمى الذى كان محصورا فى الإذاعة الرسمية والجريدة الرسمية والتلفاز الرسمى ، والذى كان مقصورا فى مجمله على طائفة بعينها من أهل الولاء والانصياع للأنظمة المستبدة ، الذين يسبحون بحمد المستبد بكرة وعشيا ، ويطوفون حول ذاته بالغدو والآصال .

 

أقف مع هذه المتابعات والمداخلات والتدوينات لأتبين اتجاهات الرأى العام تجاه القضايا المطروحة ، وأحاول أن أستبين من خلالها عمق التعليقات أو سطحيتها ، وقربها أو بعدها من القضية المعروضة ، مما يعكس حالة الوعى لدى جمهور المشاركين ، الذين تختلف توجهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم ، وشهاداتهم التعليمية ، وثقافاتهم العامة ، وبيئاتهم الاجتماعية التى نشأوا فيها من حيث البدو والحضر ، والريف والمدينة .

 ومما يسعدنى كثيرا أننى أجد – فى الجملة -  تنوعا ، وابتكارا ، وتجديدا ، ونضجا ، فى ظل حرية تامة ، يظهر ذلك فى الطرح والمناقشة وطريقة تناول القضية ، وأسلوب الاعتراض والتحاور ، مما يثرى الموضوع محل النقاش وينضجه ، ويعكس الواقع بحيادية كبيرة ، ويعبر عن اتجاهات الرأى بشفافية بالغة .

 

وأشد ما يسعدنى أن الاتجاه السائد والغالب هو التعقل ضد التهور ، والانحياز لقيم العدل     

والحرية ضد الظلم والعبودية ، والمعالى دون السفاسف ، والفهم لا الانسياق وراء

كل ناعق ، والتسليم المبصر لا الانقياد الأعمى ، والحرص على الوحدة فى مقابل الفرقة ، والاهتمام بالمجتمع وآلامه بعيدا عن التمحور حول الذات .

هذا الوعى هو بداية حركة التحولات الكبرى فى المجتمعات والأمم ، وهذا التغيير الذى طرأ على الأجيال المعاصرة ، المتمثل فى طريقة تفكيره الإيجابية ، والجدية فى تناول القضايا المطروحة ، وحمل هموم المجتمعات ، ثم السعى والمبادرة بطرح رؤى وحلول لبعض المشكلات التى يعيشونها وفق ما يتصورون ، والإيجابية الدافعة إلى تنفيذ الحلول بأنفسهم ، أو من خلال من يستطيع أن ينفذها ، أقول : هذا الوعى المقترن بالسعى هو بداية التغيير المنشود فى مجتمعاتنا . 

وهذا التغيير الملموس بين الوعى والسعى ، هو انعكاس للتغيير الحاصل داخل النفوس ، والذى دعاها إلى توظيف الطاقة والجهد والقدرات لخدمة قضايا المجتمع ، ومعايشة آلام الناس وأوجاعهم ، والتفكير فى هموم الأمة وقضاياها ،  بدلا من التقوقع داخل النفس ، والدوران حول الذات .

 ويعد هذا ترجمة صادقة واستجابة عملية  لقانون السماء فى قوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين