منتصب القامة، مرفوع الهامة، غدوت وقد قدمت النموذج أيها الرجل النبيل، فليرحمك الله أيها المهندس العنيد في السابقين وفي اللاحقين والى يوم الدين.
أعزي أمتك التي أحببتها، وأهلك الذين بذلت لهم كل ما تملك، ورفاقَ دربك الجادين الذين شددت أزرهم وأعنتهم بكل ما تستطيع وتقدر،... ايامك كلها، أعزيهم وأعزي نفسي بيوم شهادتك و إكتمال أدائك وتحقيق مناطك.
كثيرون هم الذين تعلموا منك، وكثيرة هي الدروس التي تعلموها كذلك، فأيها أعد، وأيها أحصي،... ولعلي أذكر بعضها:
نموذجاً في الجد والاخلاص، جدُ لا يعرف الهزل إلا مُكرها أو يكاد، نصغي إليه، ونسمع، ونطيع ما استطعنا، حتى اذا حانت الفرصة، رمى أحدنا النكتة بين يديه لتخفيف حدة نقاش او تغير طقس بعد ساعات عمل و حوار، فيبتسم لها على استحياء، مطاوعة لشباب اصغر منه سناً، ومسايرة لهم، وإلا فإن ما لديه من هموم الخلق يمنعه من هذا كله.
نموذجاً في الكرم والجود لا يضاهيه أحد، استضافة للناس في بيت لم يغلق بابه في يوم، ولا تكاد تنتهي ضيافته من الطعام والشراب والمبيت كل ساعة، ليس في نزله الذي اقامه على بعد اميال من موطنه في (كليس)، بل حيثما كان في الرياض أو جدة أو سواها.
نموذجاً في التفكير خارج الصندوق والبحث عن الحلول ما دَق منها وما عَظُم، فهموم الناس همومه، ومشكلاتهم مشكلاته، وأوضاعهم المستعصية هي محور حياته ونشاطه، من يوم اشتغاله الاول بالشأن العام الى اللحظة الاخيرة في عمره، خاصة بعد اللجوء و مشاكل النزوح و التنقل بين المخيمات.
نموذجاً في البحث عن الكمال والاتمام، متعباً كل من حوله في تشدده في طلب الصواب وتحويل الاخطاء الى الدرجة الصفرية، في عقلية نادرة جمعت الشخصية الشديدة الالتزام الورعة التقية مع الذهنية الهندسية الصناعية خريجة المانيا الغربية (يومها)، مع تاريخ أسرة لها باع طويل في التجارة وحب المبادرة.
نموذجاً في الحث على المبادرة وسرعة الأداء وتقديم الحلول ومغادرة حالة البحث النظري الى منطقة القرار والحل العملي الأمثل، لذلك لاتكاد تراه يتراجع عن فكرة يحس أهميتها، من توفير الخيام الى بنائها وتصنيعها، ومن زارعة القمح والعدس والكمون، الى مشاريع الجبن والاغذية المصنعة في المناطق المحررة.
عصاه التي تعينه على الحركة في سنواته العشر الاخيرة مزيد دلالة على عزيمة لاتعرف اللين ولاتكل من الاستقامة والريادة و العطاء.
يستعين بالشباب ممن هم حوله في اموره كلها، الا انه لا يتيح لاحد ان يفرط في تفصيل ليس صحيحاً، او يتجاوز حدود المسموح، وما أقلها عنده.
يٌصغي فيحسن الاصغاء، ويتكلم بعد طول صمت وتأمل، فيثري المجلس ويغني اللقاء، رغم انه قد يُشرق أو يُغرب ولكن من دون حشو أو لغو أو تفاهة.
في سهرات العمل معه، قد يصيبه التعب ويترك المرض والدواء أثره، فيستأذن في الانسحاب، ولكن ليس قبل ان يعرف برنامج اليوم التالي ونصيبه من الواجب الذي يجب ان يؤديه في اي نوع من الاعمال.
ولأن التجربة طويلة وغنية فهي تستحق السماع في اي وقت ومن أي مدخل، فهي دروس في الشجاعة والاقدام والمغامرة والثبات والصبر، وفي كل ميدان، من الدراسة الى الزواج الى كل فنون الصناعة والابتكار والمنافسة.
إن أردته الرائد في العمل الاغاثي فهو هو أبو الايتام وراعي الأرامل والمعوزعين، وإن بحثت عنه في التعليم فهو المحرك على الدرس والتعلم والاجتهاد، فهو منشىء مدارس الطلبة التي تعثرت بهم الحال وانقطعوا عن التعليم سنوات، بل هو أول من أنشأ خيام المدارس عند معبر (كليس) على بعد امتار من الحاجز التركي.
في الزرع له دور، وفي الضرع له أدوار، في الدرس و التحليل له باع وفي دعم الباحثين والمنظرين له جولات.
يكون في المغرم ولانكاد نراه في المغنم، يترك المنصة ليكون خلف الكواليس صانع حدث ومبرم أمر، يهرب من الواجهة وهو أهل لها مبنى ومعنى.
عبد الملك العلبي، لم يستنفذ دوره، فهو قد خَلًف زهرات من الرجال الرجال والسيدات السيدات، ثم انه ترك بعد ذلك الاثر الذي لا ينقطع مدرسة للبذل والعطاء بسخاء ووفق اصول وقواعد يستظل بها الراكبون على مسير المجد والعنفوان.
رحمك الله في الأولين والآخرين والى يوم الدين وألُهَم السالكين الى طريق الحرية والحياة الطيبة حسن التعلم من النماذج التي قدمتها في هذه الدنيا.
التعليقات
رحمه الله كان مدرسة نتعلم منها كل الفضائل والاعمال الصالحة تعلمنا منه الجد وعدم ضياع الوقت وان لاشئ مستحيل تعلمنا منه الإخلاص في العمل وعدم اليأس مهما كانت الصعوبات تعلمنا منه التخطيط لأي عمل ووضع جدول لتنفيذه تعلمنا منه التقوى والشجاعه وحسن الخلق والضيافة والكرم حقا كان أمة لوحده رحمك الله أبا أسامة وطبت حيا وميتا إلى أن نلقاك على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الدين
رجل مؤمن صبور مبتسم يتخطى المصائب بنفس رضية معوان للآخرين محتسب نادر امثاله في هذا الزمان. اللهم احشره مع عبادك الصالحين والصديقين في الفردوس الاعلى برحمتك يا كريم.
السلام عليكم عرفت الاستاذ عبد للملك العلبي في تركيا كنت اسمع به ، و لم اره ، عند لقاءنا و جدت فيه الرجل الطيب ، الهيّن ، سهل المعشر ، الاب الحنون، الاخ الكبير ، الذي لا يفتؤ ان يتحرك و يعطي و يوجه و يشارك. رأيته اول مرة في مدرسة المخيم، حيث البرد و المطر، و شرح لنا اهمية التعليم و اهتمامه به ، و اهتمامه بالايتام و تعليمهم . رحمه الله رحمة واسعة ، و نفعه بالصدقات الجارية التي أقامها . معرفتي البسيطة لا تسمح لي ان اعدد مناقبه ، لكنني احببت المشاركة، وفاء لرجل احب وطنه و اهله ، و ضحى بالغالي و الرخيص و بصحته في سبيل ذلك جعل الله قبرك روضة من رياض الجنة ، و جعلك مع النبياء و الصديقين في الاخرة
يرجى تسجيل الدخول