في وفاة ناصر السنّة الشيخ المحدّث محمد عَجَاج الخطيب الحَسَني الدمشقي(1)

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فالحمد لله على كل حال، وله المرجع والمآل.

بلغنا نبأ وفاة مجيزنا العلّامة المحدّث الجليل المعمّر أ.د. محمد عَجَاج الخَطيب الحَسَني الدِّمَشْقي، نحو الساعة الواحدة ظهر الأحد، الرابع من ربيع الأول سنة 1443 (يوافقه 10 أكتوبر 2021) في مدينة مُوبِيل بولاية ألاباما الأمريكية.

وُلد رحمه الله في مدينة دمشق، سنة 1350 في حي العَمارة الجوّانية، من أسرة شريفة عريقة، كَثُر فيها العلماء الشافعية والمحدّثون والفضلاء والأعيان، وعُرفوا بالخطابة في جامع دمشق الأموي الكبير.

وهو محمد عَجَاج بن محمد تميم بن صالح بن حامد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن محمد الخطيب الحَسَني، من ذرية عبد القادر الجيلاني.

كان والده وجيهًا ذا مكانة، ووالدته خديجة بنت أحمد بن عبد الرحمن الكاشف، وكان جدُّه أحمد من الذين جاهدوا الاحتلال الفرنسي.

توفي والد شيخنا وهو في السابعة من عمره، ودَرَس في مدارس دمشق، وتردَّد على حَلْقات العلم في مسجد بني أمية، وحلقات العلم المنتشرة في أسرته، وعند غيرهم، وكان ذكيّا متفوقًا من صغره، وتابع دراسته في دار المعلمين الابتدائية، وتخرج منها سنة 1370، وكان الأول على دفعته، فعيّن معلّمًا في مدرسة التطبيقات المسلكية الملحقة بدار المعلمين، ودرّس أيضًا في مدارس دمشق المتوسطة من سنة 1370 إلى 1377، والتحق بكلية الشريعة، وتخرّج منها سنة 1377 كذلك، وكان الأول، ونال شهادة أوائل الخرّيجين.

بعد تخرّجه درّس العلوم الإسلامية والعربية في مدرسة بلدة «فِيق» الإعدادية في منطقة الجَوْلان. ثم أوفدته وزارة التربية إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بعد سنة لمتابعة الدراسات العليا، فحصل الماجستير بدرجة الامتياز سنة 1381 (1962م) برسالته الفذّة: «السنّة قبل التدوين»، والتي طبعت مرارًا؛ أوّلُها سنة 1383 (1963م) وصارت عمدة في بابها. ثم حصل الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى في الحديث سنة 1385 (1966م) في نشأة علوم الحديث ومصطلحه، مع تحقيقٍ متين لكتاب «المحدِّث الفاصل» للرامَهُرْمُزي، أقدم الكتب المفردة في المصطلح، وأتم تحقيقه سنة 1383 على أربع نسخ خطية، وطبع للمرة الأولى سنة 1391 (1971م).

وكان له في مصر صولات وجولات مع الطاعنين في السنّة، وكتب ردودًا على كبيرهم محمود أبو ريّة في مجلة الرسالة سنة 1382، ومنه كتب ردًّا مفصَّلًا في الدفاع عن راوية الصحابة أبي هريرة رضي الله عنه كتبه سنة 1381، وسخّر الله وزارة الثقافة لتتبنّاه وتنشره نشرًا واسعًا سنة 1382 (1962م) عبر المؤسسة المصرية العامة للنشر، وكبَتَ به أعداء السنّة، وتكررت طباعته مرارًا. ونظرة في مقدمات أعماله الأولى تدل على وعيه المبكر، وسعة اطلاعه للمصادر المطبوعة والمخطوطة، وقوة عارضته وغيرته، وتمكنّه من البحث، وترى ثناءً مبكِّرًا على غيرته وعلمه في مقدمة أستاذه في دار العلوم: علي حَسَب الله، لكتاب «السنّة قبل التدوين».

رجع إلى دمشق بعيد تخرجه مدرّسًا في كلية الشريعة بجامعتها لثلاث سنوات، ثم أعير إلى كلية الشريعة في الرياض بين سنتي 1390 إلى 1393، وعاد لدمشق، ونال الأستاذية سنة 1396، وصار رئيس قسم علوم القرآن والسنة، وبقي إلى سنة 1400، تخلل ذلك إعارة قصيرة كأستاذ زائر لجامعة أم القرى في مكة سنة 1398 لمدة نصف فصل، واختير عضوًا مشاركًا في لجنة التوعية الإسلامية في حج سنة 1399 بدعوة من شيخنا عبد العزيز بن باز، رحم الله الجميع.

ثم أُعير إلى جامعة الإمارات سنة 1401، وبقي هناك مدة، وصار رئيس قسم الدراسات الإسلامية سنة 1407، وبقي فيها إلى 27 ربيع الثاني سنة 1418 حيث انتقل إلى جامعة الشارقة عميدًا لكلية الشريعة، ثم أستاذًا بها إلى 22 جمادى الآخرة 1423، ثم أستاذًا للحديث والسيرة والثقافة الإسلامية في جامعة عَجْمان مدة سنة، ووصل السنّ النظامي للتقاعد هناك، فعاد إلى دمشق مدرّسًا في جامعتها، وفي معهد الفتح الإسلامي. وتنقّل في السنوات الأخيرة بين بلده دمشق، حيث تم اختياره مدرّس قبّة النَّسْر في المسجد الأموي، وهو المكان المعهود لأكبر علمائها في الحديث في القرون المتأخرة، وبين أمريكا عند بعض أبنائه، وبيروت، وأقيمت له مجالس للتحديث في دمشق وبيروت وغيرهما.

وكان له مع ذلك حضورٌ إعلامي ومشاركات علمية في الندوات والمؤتمرات في عددٍ من البلدان، ونشاط في التأليف والتحقيق، في الحديث النبوي خاصة، وغيره من العلوم الإسلامية، ومنها التربية، والإعلام، وعلم المكتبات.