في رثاء شيخنا أبي نور الدين نور الله تعالى ضريحه


بقلم محبه: ماجد الدرويش
 
في مساء الثلاثاء: التاسع من شهر ربيع الثاني من عام 1434 للهجرة الموافق له 19 / 2 / 2013 م، بلغني نعي شيخنا العلامة، الفقيه، المربي، العابد، الفاضل، الزاهد، الورع، وهبي سليمان غاوجي، الألباني مولدا، والدمشقي منزلا، والحنفي مذهبا، والماتريدي معتقدا، والرباني معاملة، والسني مسلكا، أحد من إذا نظرت إلى وجهه فكأنما رأيت صحابيا، وقد كانت وفاته في مشفى الكويت في الشارقة لمرض ألم به، وكانت أمنيته رحمه الله تعالى أن تكون الخاتمة في بلاد الشام على ما أخبرني تلميذه الروحي شيخنا العلامة الفقيه الدكتور مالك الشعار مفتي طرابلس، الذي لازمه في المدينة المنورة وفي الإمارات، وقرأ عليه الكثير الكثير من الفقه الحنفي رواية ودراية، ولكن مشيئة الله تعالى غالبة، والوقت وقت فتن، وبلاد الشام تغسل ذنوب الأيام الخوالي بالدماء الأبية الطاهرة، وتستعد لنهضة جديدة يتجدد فيها الدين، ويسود فيها الحق والعدل، وكانت ثورة الشام تدَّخِرُ شيخنا رحمه الله تعالى للتوجيه والترشيد، فإذا بمصيبة الميت تأتي، ومصائب مثلها تترى لا تبرح بلاد سوريا وأهلها، فقلت في نفسي ما قاله المتنبي يوم واقعه مرض الحمى:
 
أبنت الدهر! عندي كل بنت         فكيف وصلت أنت من الزحام؟
 
فحسبنا الله ونعم الوكيل، وكأني بشيخنا رحمه الله تعالى يقول لشباب الثورة وشاباتها، ورجالها ونسائها: ليست حياتي بأعز من حياتكم، فإن كان أقعدني المرض عن نصرتكم فهذه روحي تشارك أرواحكم.
 
لقد فقدناكم يا شيخنا في وقت نحن بأشد الحاجة فيه إلى عقلكم وعلمكم، إلى إرشادكم وتوجيهكم، إلى تشجيعكم للمجاهدين بالصمود والثبات، وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. أليس هذا ما كنتم تقولونه لنا؟
 
لا زلت أذكر عشقكم الذي لا يحد لقول الله سبحانه وتعالى وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، لا زلت أذكر ذلك الوجه المنوَّر بنور دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرءً سمع مقالتي فوعاها ..) الحديث. وكيف كان يتهلل ويتلألأ عندما كنت أقرأ عليكم الأربعين العجلونية، فكنت أشعر بالسعادة التي تغمركم، وكأنك تقولون: هذا كلام حبيبي....
 
لا زلت أذكر كيف احتضنتم طلاب العلم القادمين من بلدكم الأم ( ألبانيا ) ومن كوسوفا، والبوسنة، وتلك البقاع التي اجتمعت عليها عوادي الزمن، ولكنها خرجت منتصرة كما ستخرج بلاد الشام بإذن الله تعالى. لا زلت أذكر كيف كنتم تحنون عليهم وترعونهم، كما كنتم تحنون على أبنائكم البررة: نور الدين وبدر الدين.. جعلهم الله تعالى خلف خير ....
 
كما لا زلت أذكر مضايقة الأمن السوري لكم ومنعكم من استقبال الطلبة في بيتكم، فلما انتقلتم بهم إلى مسجد الإيمان، لاحقكم الأمن إلى هناك، وعمم المنع على كل مكان في سوريا، خوفا من إيمانكم وعلمكم، لأن الحق أبلج، والباطل أعوج أدعج.
 
كم حسدني الناس على طلاقة لساني، حتى أصابني حسدهم فها أنا أقف عاجزا عن التعبير عن مكنوناتي نفسي تجاهكم يا سيدي.
 
لقد كنتم نبراسا لنا في العلم والعمل، في الفقه والحديث، في الجدل والمناظرة.
لقد كانت كتبكم خير معين لنا على مواجهة المتنطعين والمتفيقهين، وأذكر أنني عندما كنت أسرد الأقوال والأدلة في مجالس المناظرة كانت الدهشة تعلو وجوه القوم فيقولون مستغربين: من الذي قال هذا الكلام؟ فأقول قاله شيخنا الألباني. فيقولون : محال أن يقول الشيخ الألباني هذا! فأقول: هذا قول ألبانينا لا ألبانيكم!
 
سيدي
مع يقيني بأن الموت حق، وأنه ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، إلا أن فراق أمثالكم ليس بالأمر الهين، فكيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العباد وإنما بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).! ألا يحق لنا بعد هذا أن نوجل ونحن نرى علماءنا يغادروننا علما على إثر علم!!
 
 
أسأل الله تعالى أن يتغمدكم برحمته، وأن يجعل انتقالكم من دار الفناء خير من الدنيا وما فيها، وأن يجزيكم خيرا على جهادكم وصبركم وعلمكم، وأن يخلفنا بخير ويهيء لنا علماء يسيرون على طريقكم وطريقتكم، إنه سميع قريب مجيب. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.