قرنٌ هجريٌ كامل قضاه في الدعوة والجهاد.. في رثاء الأستاذ عصام العطار 1927-2024

تعجز المراثي مهما بلغت بلاغةً وقدرةً على التعبير، أن تصور حجم الألم وفداحة المصاب بفقد أحد عظماء أمتنا أستاذ الحركة الإسلامية في سوريا (عصام العطار أبو أيمن) عليه شآبيب الرحمة والرضوان.

 

قرنٌ هجريٌ كامل قضاه في الدعوة والجهاد، والعلم والتربية، والفكر والأدب، والصبر والعمل.. كان أستاذاً في كل باب طرقه، وقائداً في كل ميدان نزل بساحته، ونجماً متألقاً في كل فضاء ارتقاه.

 

رحل السياسي المحنك؛ الذي خاض غمار السياسة منافحاً عن هوية سوريا الحضارية وأصالة أهلها وعبق تاريخها التليد، ومواجهاً للمشروع الطائفي الذي اختطف سوريا وزجَّها في أقبية التخلف والاستبداد والتبعية، حمل قضيته مخلصاً في أروقة السياسة ومقاعد البرلمان والمحافل الدولية ومنصات الإعلام والساحات الجماهيرية..

 

رحل المجاهد الثائر؛ الذي واجه الاستبداد في بلاده، وتبنى قضايا أمته في كل مكان، ونافح عن المظلومين في كل الأرض في وجه الظلمة وقتلة الشعوب، وانبرى للقضية الفلسطينية منافحاً عن القدس والأقصى..

 

رحل المفكر المجدد؛ الذي اشتهر بحكمته الفريدة وأفكاره الواعية ومنهجه الرشيد، حتى صار شخصيةً عالميةً، ومرجعاً ثرياً أفادت من معينه الحركات الإسلامية وحركات التغيير والتحرر في كل مكان.

 

رحل الداعية الكبير؛ الذي خاطب العقول وسامر القلوب وهدهد الوجدان، فامتلأت مجالسه بالسكينة والخشوع، وتربى على منهجه الأصيل الآلاف حول العالم.

 

رحل الأديب الأريب؛ الذي نظم قصائداً كالمعلقات رصانةً وبلاغة وجمالا، وقرض أشعاراً عميقة في أفكارها، سامية في حكمتها، دافئة في حنينها.. وما أروع أسلوبه في أدائها وإلقائها بروحه النقية ولهجته القوية ورعشته الفتية..

 

رحل الخطيب المصقِع؛ الذي كانت دمشق تقف لخطبة جمعة يلقيها، وتتحرك لبيان سياسي يخطه، بليغاً في خطابه، مؤثراً في أدائه، عميقاً في أفكاره، يأخذ بمجامع القلوب ويستحوذ على الألباب والعقول.. يتعجب من يستمع لخطبه التي كان يلقيها في مساجد دمشق من غزارة معلوماته وبلاغة كلماته وقوة تأثيره وتدفق أدائه..

 

رحل الصبور الجلد؛ الذي تجلَّد لمصائبه ولم يُشمت به عدوه وظالمه؛ صبر على إيذاء نظام الأسد الذي لاحقه حتى منفاه في آخن بألمانيا، فقتل زوجته السيدة الدمشقية بنان، ابنة أديب العلماء وعالم الأدباء علي الطنطاوي رحمه الله، وصبر على نفيه وتهجيره منذ أكثر من ستين سنة، وصبر على مرضه المزمن، ولم يخرج إلى الناس إلا باسم الوجه منير المحيا، راضياً متفائلا.

 

رحل الوفي النبيل؛ الذي صار وفاؤه لزوجه الشهيدة بنان مضرب الأمثال، عاش مع ذكراها ثلاثاً وأربعين سنةً، مستصحباً حبها وودّها؛ يذكرها في كل محفل ويرثيها في كل مناسبة، ينظم لرثائها الأشعار ويسجع في ذكر جميل خصالها المقامات..

 

ماذا نقول في يوم الفقد الكبير؟ وكيف نرثي هذه القامة السامقة وهذا الجبل العتيد؟ كم كنا نود أن تُختم هذه الرحلة المباركة في دمشق المحررة؟ ولكنها أقدار الله لنا جميعاً، والملتقى الجنة بإذن الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

 

اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها

وإنا لله وإنا إليه راجعون..