في رثاء الأخ وليد سريحيني أبي أيمن

كانت وفاته في 3 / 8 / 2022 م، وبعد مرور سنةٍ كاملةٍ على وفاة الأخ العزيز وليد سريحيني أبي أيمن رحمه الله تعالى، أقول:

بسم الله الرحمن الرحيم

{ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} صدق الله العظيم

الحمد لله رب العالمين، القائلِ لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، والقائلِ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، والصلاةُ والسلامُ الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الذي خيَّرَه ربه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة: ( بل الرفيقَ الأعلى )، والقائلِ: ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي )، والقائلِ: (الكَيِّسُ مَن دانَ نفسَه، وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على اللهِ الأمانيّ )، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

رحمك الله أخانا الكبيرَ، والصديقَ الوفيَ، العزيزَ أبا أيمن، فُجِعْتُ بفقدك، وتألمتُ لفراقِك، وتأثَّرْتُ كثيراً لخبر وفاتِك، إنَّ العين لتدمعْ، وإنَّ القلبَ ليحزنْ، وإنا على فراقك يا أبا أيمن لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربَّنا ﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ إنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجلٍ مُسمّى.

شعورٌ صعبٌ عندما يفارِقُ الإنسانُ مَنْ أحبَّهم، وتُجبِرُهُ الظروفُ على الرحيل عنهم، فيَسْكُنُه الحزنُ والألمُ لفراقهم، ويتمنى أن يجمعَهمُ القدَرُ مرةً أخرى، فيودِّعهم على أمل اللقاء بهم، ويتركون داخلَه فراغاً كبيراً لن يملأَه أحدٌ بعدهم.

الموتُ يوجِعُ القلوبَ ويفجَعُها، فلا أقسى مِنَ الفقد أبداً، رحم الله مَنْ عاش دون أحبتِه، فالعيشُ دونَ مَنْ نحبُّ موتٌ، كفى بالموت فاجعةً تقتَصُّ من القلب ومن البدنِ، فما بعدَ الأحبةِ عيشٌ أبداً.

الألم الذي يُخَلِّفُه موتُ مَنْ نُحِبُّ، لا يمكنُ أنْ يَداويَه الزمانُ أبداً.

موتُ أحدٍ عزيزٍ عليك، يُبْقِي في النفس أثراً لا يزول، ألمٌ لا ينتهي، ووجعٌ لا يقدِرُ عليه الناس.

سلامٌ عليك أبا أيمن في الأولين، وسلامٌ على روحِكَ الطاهرةِ النقيةِ، وسلامٌ عليك في الآخِرين.

عرفتك لأول مرة في مكة المكرمة عام/ 1400هـ - 1980م/ " في مركز العائلة للتسوق" في العزيزية، عندما قمتم بافتتاح هذا المركز أنت وشركاؤك، ثم التقينا بعد سنوات طويلةٍ في الإمارات، وعرفتُ وقتَها أنَّ هناك قرابةً قويةً بين زوجتي وزوجتك، وأنَّ زوجتَك تلميذة عمتي العالمة الفقيهة الحاجة "يسرى بنت الشيخ أحمد محمد سليم المراد" أم محمود زوجة الشيخ محمد الحامد، ثم تتكررتِ اللقاءات بمجيئك إلى دبي عدة مرات، وكنا نُسعَد كثيراً بزيارتك لنا، وكان آخر لقاء لي معك في استانبول عندما زرتُها في الشهر الرابع من سنة /2019م/ ورأيتُ منكَ النخوةَ والشهامةَ وكرمَ الضيافة، واصطحبتَني إلى عدة أماكنَ مع أشغالك الكثيرة، وكنتَ تعتذر دائماً عن التقصير معي، مع أنَّكَ لمْ تقصِّر في شيءٍ أبداً، لكنها أخلاقُك الطيبةَ التي ترجع إلى أصلٍ طيبٍ.

وفي يوم سفري جئتَ إلى الفندق الذي كنتُ فيه، ودعوتني إلى المطعم وتغدينا معاً، ثم توجهنا إلى بيتك واسترحنا قليلاً، ثم أوصلتني بسيارتك إلى المطار وودعْنا بعضَنا وافترَقْنا، وكان هذا آخر لقاءٍ بك، ولم أكنْ أعلمُ بأنه لنْ نلتقيَ أبداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

وبعد فترة من الزمن علمتُ بمرضك الخطير، فدعوت الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وتواصلت معك، وبقي التواصل إلى عيد الأضحى الماضي، ثم فوجئتُ أمسِ بخبرِ وفاتك، يوم الأربعاء / محرم الحرام / 1444هـ / 3 / 8 / 2022م /

رحمك الله أبا أيمن، وأعلى مقامكَ، وأسكنكَ فسيحَ جناته.

 

تذكرت قول الله تعالى: ﴿كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ وإنما تُوَفَّوْنَ أجورَكُم يومَ القيامةِ فمَنْ زُحْزِحَ عن النارِ وأُدْخِلَ الجنةَ فقد فازَ وما الحياة الدنيا إلا متاعُ الغرور﴾.

 

المراد بأنَّ كلَّ نفسٍ سيدركُها الموتُ لا محالةَ، وأنَّ الناسَ سيحاسبونَ على أعمالهمْ يومَ القيامةِ، فمنْ كانتْ نتيجةُ حسابِه الإبعادَ عن النار، والنجاةَ من سعيرها، فقد فازَ فوزاً عظيماً -اللهم اجعلنا منهم-، وأدركَ البُغْيَةَ التي ليس بعدها بُغْيَةً، والحياةُ الدنيا هي متاعٌ متروكةٌ يوشِكُ أنْ تضمَحِلَّ بأهلها، فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم.

 

ورحم الله القائل:

الموتُ بابٌ وكلُّ الناس داخلُه === فليتَ شِعْرِيَ بعد البابِ ما الدارُ

اللهم إنَّ عبدَك "وليد" خرج مهاجراً من بلاد الشام مسقطِ رأسه مدينةِ حماة، وجابَ عدةَ بلدانٍ في العالم، واستقرَّ أخيراً في استانبول بلدِ الخلافة العثمانية، وتوفي ودُفن بها، وقد سمعنا رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ) ابن ماجة وهو حسن. اللهم اجعله من أهل الجنة.

 

اللهم إنه مات مريضاً بمرضٍ خطيرٍ جداً، وسمعنا أنَّ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات مريضاً مات شهيداً، وَوُقِيَ فتنةَ القبر، وغُدِيَ ورِيحَ عليه برزقه من الجنة ) ابن ماجة ضعيف.

 

اللهم إنه مات مسلماً مؤمناً بك، لا يشرك بك شيئاً، ملتزماً بشرعك، فأدخِلْه الجنةَ برحمتك وفضلك، ولقد بشرنا جبريل عليه الصلاة السلام حينما قال لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ( بشِّرْ أمتَكَ، أنه من مات لا يُشرِكُ بالله تعالى شيئاً دخل الجنة ) البخاري.

اللهم اجعل مرضَه وغربتَه وأعمالَه الخيريةَ -التي لا يعلمُها إلا أنت- شهادةً في سبيلك، اللهم لقِّنْه حجتَه، ووسعْ مُدخلَه، واغسِلْه بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره، واغفر لنا وله يا رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخميس ليلة الجمعة / 6 / محرم الحرام / 1444 هـ / 4 / 8 / 2022 م