في أي سياق تأتي جريمة مستشفى غزة؟

أمام (النتن ياهو) تجربتان في تدمير المدن المقاومة ينبغي أن ننتبه لهما:

١-بعد ثورة #حماة الأولى بوجه الطغيان الأسدي وخشية (حافظ) من تمدد الثورة، تم تدمير أحياء حماة السكنية بالأسلحة الثقيلة حتى زاد عدد الشهداء على ٣٠ ألفا، وهي ذات الطريقة التي استخدمها الابن (بشّار) في (البراميل المتفجرة) التي أحرقت مدنا بأكملها وذلك لإحراج الثوّار وتحميلهم ثقلا نفسيا وأخلاقيًا يجبرهم على الاستسلام أو ترك الميدان، ولما كان الترابط وثيقا بين الثوار وحاضنتهم الشعبية كانت النتيجة هذه الهجرة المليونية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا والتي اتجهت بغالبيتها العظمى نحو (تركيا) و (أوربا)، على خلاف تجربة حماة الأولى حيث اقتصرت الهجرة تقريبا على (التيار الإسلامي) والذين تم استيعابهم في دول الجوار (الأردن) و (العراق) إضافة إلى (الخليج). 

والذي يبدو لي أنه ربما بسبب طول العهد بثورة حماة لم تحسب فصائل الثورة السورية الحالية حسابها بشكل دقيق وفق التجربة السابقة.

 

٢-بعد هزيمة الجيش الأمريكي على يد المقاومة العراقية في الفلوجة (المعركة الأولى ٢٠٠٤) وخروجه بطريقة مذلة تحت شروط المقاومين، عاد هذا الجيش ومعه (المليشيات الطائفية وحكومة الاحتلال) بهدف استعادة (هيبة الجيش الأمريكي) فكانت العودة بقصد الانتقام والإذلال لا غير، وقد كان قرار غالبية الفصائل العراقية ألّا يمنحوا العدو هذه الفرصة، بل يشاغلونه على الطرق الخارجية ويستهدفون مقراته خارج المدن، بمعنى أنهم لا يريدون أن يجعلوا من أحياء الفلوجة ساحة حرب خاصة بعد التقديرات الصحيحة باحتمالية (الضربة الإجهاضية) باستخدام السلاح غير التقليدي، لكن بعض (المقاتلين العرب) على قلتهم و معهم بعض الفصائل المتطرفة وربما المشبوهة كان لهم رأي آخر ، والمهم أنه جرت الأمور مثل ما يريد هؤلاء فتم ضرب المدينة كلها بالفسفور الأبيض والقنابل ذات التدمير الهائل، فكان ما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

في تقديري أن الذي فعلته حماس من إذلال الفرقة التاسعة من جيش العدو، وحجم الضحايا والأسرى، قد أوصلت الأمور إلى حالة (كسر العظم) بين الطرفين فلا مجال للتجاور أو التهادن، مما يجعل النتن ياهو وحكومة الحرب معه يفكرون ربما بالضربة الإجهاضية الانتقامية السريعة (وربما تكون جريمة المستشفى مجرد جس لنبض الرأي العام الدولي والعالمي) إذا لم يكن ذلك تنفيذا لمخطط معد مسبقا لاستثمار هذه الحالة بتغيير خارطة المنطقة وفرض التهجير القسري.

 

إن جيش العدو بكل تأكيد لديه دراسات واسعة لتجارب مواجهة حركات المقاومة خاصة ذات الطابع الإسلامي، ويفترض أن المقاومة في غزة قد درست كذلك هذه التجارب أيضا، ولعلها تكون قد استعدت فعلا لكل الاحتمالات المتوقعة و (لله الأمر من قبل ومن بعد) (ولينصرن الله من ينصره)

 

لقد حاولتُ من خلال عشرات المقالات أن أدوّن خبرة معينة في مجال العمل المقاوم والتي جمعتها جريدة (السبيل الأردنية) في كتاب مستقل بعنوان (فقه المقاومة)، وكان القصد من ذلك الإسهام بوعي مؤصّل في هذا المجال تجنبا للعمل الفوضوي أو العاطفي البعيد عن المنهج العلمي وسنن الله تعالى الحاكمة في هذا الكون

 

إضافة لقناعتي أن (المقاتل المسلم) يأتي في كل مرة بما يشبه المعجزات من شجاعة وبطولة وإقدام لكن هذا يضيع بسبب نقص الوعي وعدم القدرة على فك الملفات المعقّدة التي يواجهها في طريقه من هذا الطرف أو ذاك، ومما يؤسف له اقتصار خطابنا في مثل هذه الحالات والمواجهات المصيرية على رفع (المعنويات)، بينما قد تكون معلومة واحدة تؤثر في مجرى الأحداث أكثر من هذه الخطابات، وأذكر في لقاء سابق مع بعض الإخوة السوريين كان أحدهم يقول؛ آه لو كانت هذه المعلومات قد وصلتنا قبل ذلك.

 

صحيح أن بعض المعلومات لا ينبغي أن تذاع على الملأ، لكن بكل تأكيد هناك معلومات كثيرة تسهم بتحصين الحاضنة الشعبية وتفعيل دورها في مساندة المقاومة.

 

والله تعالى نسأله أن ينصر كل مظلوم يدافع عن حقه وأن ينتقم من كل ظالم فاجر ومنافق غادر.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين