فوائد واختيارات من حاشية الباجوري على الشمائل المحمدية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه مختارات من كتاب "المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية" للإمام الباجوري (ت1277هـ)، اعتنى به: محمد عوامة، دار المنهاج- جدة، ط5- 1436.

1- واعلم أن أشرف الألوان في هذه الدار البياضُ المشرب بحمرة، وفي الآخرة البياضُ المشرب بصفرة، فإن قيل: من عادة العرب أن تمدح النساء بالبياض المشرب بصفرة؛ كما وقع في لامية امرئ القيس، وهذا يدل على أنه فاضل في هذه الدار أيضا= أُجيبَ: بأنه لا نزاع في أنه فاضل فيها، ولكن البياض المشرب بحمرة أفضل منه فيها، وحكمة التفرقة بين هذه الدار وتلك الدار أن الشَّوب بالحمرة ينشأ عن الدم وجريانه في البدن وعروقه؛ وهو من الفضلات التي تنشأ عن أغذية هذه الدار، فناسب الشَّوب بالحمرة فيها، وأما الشَّوب بالصفرة التي تورث البياض صقالة وصفاء: فلا ينشأ عادة عن غذاء من أغذية هذه الدار، فناسب الشَّوب بالصفرة في تلك الدار، فظهر أن الشَّوب في كل من الدارين بما يناسب، وقد جمع الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بين الأشرفين، ولم يكن لونه في الدنيا كلونه في الأخرى؛ لئلا يفوته أحد الحُسنين. انتهى ملخصا من الـمُناوي وابن حجر [أي: من شرحيهما على الشمائل]. ص25-26.

2- قال الباجوري في سياق كلامه عن شيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سبب قلة شيبه صلى الله عليه وآله وسلم أنه شَين؛ لأن النساء يكرهنه غالبا، ومن كره من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا كفر، ومن ثم صح عن أنس: "ولم يَشِنْه الله بالشيب"، والمراد أنه شين عند من يكرهه لا مطلقا، فلا ينافي خبر: أن الشيب وقار ونور. وأما أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتغييره فلا يدل على أنه شين مطلقا؛ بل بالنسبة إلى ما مر، والجمع بين الأحاديث ما أمكن أسهل من دعوى النسخ. انتهى ملخصا من الـمُناوي وابن حجر. ص30.

3- قيل لبعضهم: أتصرف عفَّانَ؟ قال: نعم، إن هجوتُه (أي: لأنه حينئذ من العفونة) لا إن مدحتُه (أي: لأنه من العفة). ص118.

4- النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد يفعل المكروه لبيان الجواز، ولا يكون مكروها في حقه؛ بل يثاب عليه ثواب الواجب. ص155.

5- النهي عن الأحمر البَحت للتنزيه، لا للتحريم، ولُبسه صلى الله عليه وآله وسلم للأحمر القاني مع نهيه عنه: لتبيين الجواز، فقد روى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس يوم العيد بردة حمراء. قال الهيثمي: ورجاله ثقات، فالصحيح جواز لبس الأحمر ولو قانيا. ص162.

6- كسرى: لقب لكل من ملك الفرس، وقيصر: لقب لكل من ملك الروم، والنجاشي: لقب لكل من ملك الحبشة، كما أن فرعون: لقب لكل من ملك القبط، والعزيز: لكل من ملك مصر، وتُبَّع: لكل من ملك حمير، وخاقان: لكل من ملك الترك. ص198 باختصار.

7- التختم في اليسار ليس مكروها ولا خلاف الأولى؛ بل هو سنة لكنه في اليمين أفضل. ص202.

8- قال الباجوري في دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح بعِمامة سوداء: قد بينوا حِكَما في إيثار الأسود في ذلك اليوم؛ حيث قالوا: وحكمة إيثاره السواد على البياض الممدوح: الإشارةُ إلى ما منحه الله ذلك اليوم من السُّؤدُد [والفتحُ لغة] الذي لم يتفق لأحد من الأنبياء قبله، وإلى سؤدد الإسلام وأهله، وإلى أن الدين المحمدي لا يتبدل؛ لأن السواد أبعد تبدلا من غيره. ص222.

9- كان صلى الله عليه وآله وسلم لشرف نفسه وفخامة منصبه يبالغ في ستر ذلك [الجوع] عن أصحابه، وإلا فكيف يظن عاقل أنه يبلغهم أنه يبيت طاويا هو وأهل بيته الليالي المتتابعة مع ما عليه طائفة منهم من الغنى، بل لو علم فقراؤهم فضلا عن أغنيائهم ذلك لبذلوا الجهد في تقديمه هو وأهل بيته على أنفسهم، واستبقوا على إيثاره، وهذا يدل على فضل الفقير، والتجنب عن السؤال مع الجوع. ص256.

10- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) [أخرجه الشيخان]: وجه فضل عائشة على النساء: ما أُعطيته من حسن الخلق، وحلاوة المنطق، وفصاحة اللهجة، وجودة القريحة، ورزانة الرأي والعقل، والتحبب إلى البعل.

والمراد أنها أفضل نسائه صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي في زمنها؛ وإلا فأفضل النساء: مريم بنت عمران، ثم فاطمة الزهراء، ثم خديجة، ثم عائشة التي قد برأها الله تعالى، وقد نظم بعضهم ذلك فقال:

فُضلى النِّسا بنتُ عمران ففاطمة خديجةٌ ثم مَـــــــــــــــــن قد برأ اللهُ

وهذا هو الذي أفتى به الرملي، وقد قال جمع من السلف والخلف: لا يُعدل ببَضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [يعني فاطمة] أحد. ص286-287.

11- العليل إذا اشتدت شهوته لشيء ومالت إليه طبيعته فتناول منه القليل لا يحصل له منه ضرر؛ لأن المعدة والطبيعة يتلقيانه بالقبول؛ فيندفع عنه ضرره، بل ربما كان ذلك أكثر نفعا من كثير من الأدوية التي تنفر منها الطبيعة، وهذا سر طبي لطيف. ص294.

12- فائدة: في شرب الماء الممزوج بالعسل فضائل لا تحصى؛ منها: أنه يذيب البلغم، ويغسل خَمْل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع فضلاتها، ويفتح سُدَدَها، ويسخنها، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها. ص322.

13- قال الباجوري في مسألة (كراهة الإيثار في القُرَب): الكراهة محلها حيث آثر من ليس أحق منه؛ بأن كان مساويا له، أو أقل منه، أما إذا آثر من هو أحق منه؛ كأن آثر من هو أحق منه بالإمامة فليس مكروها. ص324.

14- لم يجيء من الأسماء على فِعِل بكسرتين إلا الإبِل، والحِــبِر [صفرة الأسنان]. ص384.

15- وفي ركوبه للبغلة مع عدم صلاحيتها للحرب (لأنها من مراكب الأمن): إيذان بأنه غير مكترث بالعدو؛ لأن مدده سماوي، وتأييده رباني. ص399.

16- قال أبو عبيدة [معمر بن المثنى]: أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدَر: حسان بن ثابت. ص406.

قال مقيده: انظر للفائدة: إكمال تهذيب الكمال (4/57) لـمُغْلَطاي.

17- تهامة: بكسر التاء الفوقية وتخفيف الهاء والميم: مكة وما حولها من الأغوار؛ أي: البلاد المنخفضة، وأما البلاد العالية فيقال لها: نجد، والمدينة لا تهامية ولا نجدية؛ لأنها فوق الغور ودون النجد. ص416.

18- كان صلى الله عليه وآله وسلم ينام على جنبه الأيمن، فيسن النوم عليه لشرفه على الأيسر فيقدم عليه، لا لما قيل من أن النوم عليه أقرب إلى الانتباه؛ لعدم استقرار القلب حينئذ، فإنه بالجانب الأيسر، فيتعلق ولا يستغرق في النوم، بخلاف النوم على الأيسر فإنه أبعد عن الانتباه؛ لأن القلب مستقر حينئذ فيستغرق في النوم فيبطىء الانتباه، والنوم عليه وإن كان أهنأ لكن إكثاره يضر القلب.

أما أولا: فلأن هذا التعليل إنما يظهر في حقنا لا في حقه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا ينام قلبه، فلا فرق في حقه بين الشق الأيمن والأيسر، فنومه على الأيمن: لشرفه على الأيسر، ولتعليم أمته، والتشريع لها.

وأما ثانيا: فلأن الشخص إذا اعتاد النوم على الأشق الأيمن حصل له الاستغراق بالنوم عليه، فإذا نام تارة على الشق الأيسر لا يستغرق، فيعلم من هذا: أن الاستغراق وعدمه إنما هو تابع للعادة. ص431.

19- التحقيق من الأقوال: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يُتعبد قبل النبوة بشرع أحد، وتعبده بحراء إنما كان بالتفكر في مصنوعات الله وغيره من العبادات الباطنية، وإكرام من يمر عليه من الضيفان، فإنه كان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا، ويتعبد فيه بذلك. ص440.

20- قال تعالى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2]، واستُشكل هذا قديما وحديثا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا ذنب عليه لكونه معصوما، وأحسن ما قيل فيه: أنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، إذ الإنسان لا يخلو عن تقصير من حيث ضعف العبودية مع عظمة الربوبية، وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم في أعلى المقامات وأرفع الدرجات في عباداته وطاعاته. ص441.

21- قال الربيع: ركب الشافعي يوما فلصقتُ بسرجه، فجعل يفتل أذني، فأعظمت ذلك حتى وجدته عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وآله وسلم فعله به، فعلمت أن الإمام لا يفعل شيئا إلا عن أصل. ص449.

22- في "مسلم": أن صوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم عرفة يكفر سنتين. وحكمته: أن عاشوراء موسوي، ويوم عرفة محمدي. ص492.

23- قال الباجوري في بيان لغات (أف): بضم الهمزة وتشديد الفاء مكسورة بلا تنوين، وبه، ومفتوحة بلا تنوين، فهذه ثلاث لغات قرىء بها في السبع، وذكر فيها بعضهم عشر لغات، وقد ذكر أبو الحسن الكرماني فيها تسعا وثلاثين لغة، وزاد ابن عطية واحدة فأكملها أربعين، ونظمها السيوطي في أبيات فأجاد. ص553.

24- قال الباجوري معلقا على حديث أنس رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لاَ يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ" [أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب]: هذا بالنسبة لنفسه ، فلا ينافي أنه كان يدخر لعياله قوت سنة؛ لضعف توكلهم، ومع ذلك كان يؤثر عليهم المحتاج، فيصرف له ما ادخره، فادخاره لم يكن خشية العدم، بل لكثرة الكرم. ص573.

25- لا يسن قبول الهدية إذا ظن الـمُهدَى إليه أن الـمُهدِي أهداه حياء، قال الغزالي: "مثال من يُهدي حياء: من يَقدَم من سفره ويفرق الهدايا خوفا من العار؛ فلا يجوز قبول هديته إجماعا؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس، وإذا ظن المهدى إليه أن المهدي إنما أهدى له هديته لطلب المقابل فلا يجوز له قبولها إلا إذا أعطاه ما في ظنه بالقرائن". ص577.

قال مقيده: لم أقف على كلام الإمام الغزالي في مظانه.

26- انقسم الناس بعده صلى الله عليه وآله وسلم إلى أربعة أقسام: قسم لم يرد الدنيا ولم تُرده كالصديق رضي الله عنه، وقسم لم يرد الدنيا وأرادته كالفاروق، وقسم أرادها وأرادته كخلفاء بني أمية والعباس إلا عمر بن عبد العزيز، وقسم أرادها ولم ترده كمن أفقره الله وامتحنه بجمعها. ص591.

27- اعلم أن سابعَ ونحوه له استعمالان، أحدهما: أن يضاف إلى العدد الذي أُخذ منه، فيقال: سابع سبعة..، وهو حينئذ بمعنى الواحد من السبعة، ومثله في التنزيل: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40]، وثانيهما: أن يضاف إلى العدد الذي دونه فيقال: سابع ستة، وهو حينئذ بمعنى مُصَيِّر الستةِ سبعةً. ص609.

28- لا تختص رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصالحين؛ بل تكون لهم ولغيرهم. ص653.

تمت بحمد الله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين