فوائد لغوية (7)

 

 

 

يقولون: تبرعت المحسنة الكريمة بمجوهراتها لشراء الغذاء والدواء والكساء لضحايا الثورة السورية، الذين جوّعَهم نظامُ الاحتلال الأسدي الطائفي بالحصار وشرّدَهم في الأقطار.

 

 أقول: جزاها الله خيراً، لقد اشترت الآخرةَ بالدنيا ونفعت آلافَ المسلمين بما كان يقتصر نفعُه على فرد واحد من الناس؛ أسأل الله أن يعوّضها خيراً وأن يكثّر من أمثالها في المسلمات.

 

 لكنها أخطأت بالتبرع بمجوهراتها، والصوابُ أنها تبرعت بجواهرها، لأن لغتنا العربية لا تعرف كلمة "مُجَوْهَرة" التي تُجمَع على "مجوهرات"، بل هي "جَوْهَرة" وجمعها "جواهر".

 

 لذلك ينبغي أن يَهجر الناسُ هذه الكلمةَ الغريبة ويستعملوا صحيح اللغة، فإما أن نقول "جواهر" أو نقول "حُلِيّ"، وهذه الأخيرة كلمة معروفة متداوَلة، كما أنها كلمة قرآنية: {واتخذ قومُ موسى من بعده من حُلِيّهم عجلاً}، وإن كان مفردُها مهجوراً وهو "الحَلْي" (وهي قراءة صحيحة في الآية السابقة، قرأ بها يعقوب البصري). ويرى بعض اللغويين أن "الحَلْي" جمعٌ لكلمة "حَلْية" وأن "الحُلِيّ" جَمْعُ جَمْعٍ فيها.

 

 ولعل الأفضل أن نستعمل في الجمع كلمة "الحُليّ" وفي الإفراد كلمة "الحِلْية" (بالكسر)، فهي كلمة قرآنية وردت في أربع آيات، وجمعها حِلَى وحُلَى (بضم الحاء وبكسرها).

 

 *   *   *

 

 من الجموع التي يخطئ فيها الناس أيضاً "أخشاب"، وهو جمع غير قياسي وغير مسموع. الصواب المسموع: خَشَب وخُشُب وخُشْب وخُشبان، واستعمالُ الأول منها أَولى لأنه معروف بين الناس، أو الثاني لأنه من الكلمات القرآنية المألوفة: {كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدة}.

 

 ويجمعون الخَيط الذي نخيط به الثياب على "خيطان"، وهو غير قياسي وغير مسموع. الصحيح الذي ورد في المعاجم هو خُيوط وخُيوطة وأَخْياط، وأرى الاقتصارَ على الأول لأنه معروف مألوف في حديث الناس. على أنّ كلمةَ خيطان جمعٌ سماعي صحيح في كلمة "خَيط" نفسها، ولكنْ ليس بالمعنى المعروف، بل بمعنى قطيع البقر أو سرب الجراد، فإذا قالت السيدة لبنتها: "أعطيني بعضَ الخيطان"، فلا لومَ عليها لو جاءتها بمئة جَرادة فوضعتها في حِجرها!

 

 ويجمعون الجزيرة على "جُزُر"، وهو جمعٌ غيرُ مسموع ولم يرد في المُعجَمات القديمة، فلا هو في القاموس ولا في اللسان ولا التاج ولا الصحاح ولا غيرها (ورد في "الوسيط"، ولا أراه إلا قد وَهِمَ فيه)، والصحيح "جزائر".

 

 وليس "فُعُل" جمعاً قياسياً في "فَعيلة"، بل هو "فعائل"؛ ألا ترون أنهم قالوا "فضائل" جمعاً لفضيلة، ومثلها وسائل وقبائل وفسائل وعجائب وغرائب ونجائب ومدائن ووثائق وشرائع وودائع... أما الجُزُر فجمع جَزور، والجَزور هو ما يصلح أن يُذبَح من الإبل أو من الشّاء (ولفظُه أنثى؛ يقال للبعير: هي جَزورٌ سَمينة) ومنه اشتُقَّ اسم الجَزّار (وهو اللحّام في عامّية الشام) والمهنة منه "جِزارة".

 

 نسأل الله أن يطعم أهلَنا المحاصرين في غوطة دمشق وسواهم من المحرومين الجائعين في سوريا الجُزُرَ السِّمان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين