فن التعامل مع الناس

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن التعامل مع الناس فنٌ راقٍ لا يجيده إلا من تنور عقله بنور الوحي؛ لأن شخصيات البشر وأمزجتهم مختلفة وطبائعهم متباينة، وقدوتنا في التعامل هو نبينا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً] (الأحزاب: 21).

ولما كانت الدعوة إلى الله تحتاج من الداعية إلى حسن التعامل والرأفة بمن يتعامل معه؛ لذلك اخترت أن أفرد هذا الموضوع بدراسة مستقلة.

وإن الغرب اليوم قد خصص معاهد لتدريس المهارات الاجتماعية (كيف تتحدث مع الناس، كيف تكون لبقاً مع الناس، كيف تكسب ثقة الناس من حولك..).

ولكن معظم المسلمين إلى الآن لم يستطيعوا أن يستفيدوا من المخزون العلمي لديهم في القرآن والسنة من الحض على حسن الخلق والبشاشة وحسن المعاملة، ولم يتجاوزوا إلى الآن مرحلة التنظير..

قواعد في فن التعامل مع الناس:

القاعدة الأولى: معرفة اختلاف الطباع وأساليب التعامل:

الناس منذ خلقهم الله تعالى مختلفوا الطبائع والميول، والأمزجة والرغبات، ولكن المعدن والأصل واحد، قال عليه الصلاة والسلام: (الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف). رواه مسلم.

وكذلك بعض الناس يعاني من غلظة في الطبع وبعضهم هين لين سهل، ولكل معاملة خاصة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك, والسهل والحزن والخبيث والطيب).رواه الترمذي.

القاعدة الثانية: حسن الخلق:

وحسن الخلق هو (فن التعامل مع الناس) 

قال صلى الله عليه وسلم: البر حسن الخلق.

وحسن الخلق: هو بذل المعروف وكف الأذى قولاً وفعلاً.

وقال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة.

وقال عليه الصلاة و السلام: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء). رواه الترمذي

ولما سئل صلى الله عليه و سلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (تقوى الله وحسن الخلق). رواه الترمذي

ومن منهجه صلى الله عليه وسلم في التعامل:

أنه كان يتلطّــف مع جميع الناس ..يتعامل معهم أحسن المعاملة .. إلى درجة أنّ كل واحد مِن الناس كان يشعر أنه أحبَّ الناس إلى النبي صلى اله عليه وسلم .

و هذه المرتبة العالية .. أن تصِل إلى مرحلة تجعل كل واحدٍ تتعامل معه، يشعر بأنّـه أحبّ الناسِ إليك .

القاعدة الثالثة: لقاء الناس بالبشاشة والابتسامة والسلام:

فالبشاشة والابتسامة لها أثر في القلب وهذا مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة). أخرجه الترمذي وابن حبان.

والسلام على من عرفت ومن لم تعرف هو من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو بريد المحبة ورسالة الود والألفة: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم). أخرجه مسلم.

 وقال تعالى: [وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها]. (النساء: 86). 

القاعدة الرابعة: النصيحة في السر:

لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس, لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم, كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة .

وكما قيل: من نصحك سراً فقد نصحك ومن نصحك علانية فقد فضحك.

وكما قال الشاعر:

تغمدني بنصحك في انفرادي..........وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع...........من التوبيخ أكــــــــره استماعــــــــــــــه

القاعدة الخامسة: عدم الإكثار من لوم الآخرين:

إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك، لأن  الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار, بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه.

القاعدة السادسة: اعترف بخطئك حين تخطئ:

إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً,   ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً...فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به, وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو... 

واعلم أن (التائب  من الذنب كمن لا ذنب له). رواه ابن ماجه 

القاعدة السابعة: لا تركز على السلبيات وتترك الايجابيات:

يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب, ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه " 

فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.

فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب, ولا صديق بلا عيوب, ولا رئيس ولا مرؤوس.... يقول صلى الله عليه وسلم : (لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر). الفرك: البغض، رواه مسلم.

وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.  يقول الشاعر:

بكيت من عمروٍ فلما تركته ....... وجربت أقواماً بكيت على عمرو

 

القاعدة الثامنة: تذكر أخطاءك وانس أخطاء غيرك:

الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم ولا يزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه,،  فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله عز وجل يقول:"والعافين عن الناس". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : )من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).أخرجه ابن ماجه.

القاعدة التاسعة: استخدم التلميح دون التصريح:

وهذا من منهجه صلى الله عليه وسلم في معالجة أخطاء القوم، أنه كان يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ولا يصرح بأسمائهم...لأن المقصود هو الإصلاح مع عدم إثارة البغضاء في القلب.

القاعدة العاشرة: لا تعامل الناس باستعلاء:

الناس يكرهون من يعاملهم باحتقارٍ و استعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان ...  

روى هارون بن عبد الله قال: جاءني أحمد بن حنبل بالليل، فدقَّ علي الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت وخرجت إليه. فقلت: حاجة أبي عبد الله ؟,  قال: رأيتك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدِّث الناس في الفيء والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس.

القاعدة الحادية عشر: تجنب المراء والجدال:

اعلم أن أفضل طريقة لكسب الجدال هي تجنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً). أخرجه أبو داود

لأن كلا المتجادلين يسعى لحب الظهور وبيان سعة الاطلاع والفهم فإذا غلبه الآخر فإنه يعتبر ذلك إهانةً له وجرحاً لكرامته وهو قلما يغفر له ذلك.

القاعدة الثانية عشر: اقض حوائج الناس من حولك:

انو في عملك خدمة المسلمين يكن عملك عبادة، وإن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلمٍ ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهراً).رواه الطبراني.

ولو أدرك العامل والموظف عظم هذا الحديث لأنهى المعاملات في وقتها...

القاعدة الثالثة عشر: ناد أخاك بأحب الأسماء إليه:

وكما قيل: إذا أردت أن يصفو لك ود أخيك فناده بأحب الأسماء إليه. وتذكر اسم أخيك ولو التقيته لمرة واحدة؛ فتذكر اسم الرجل هو من أفضل الطرق لكسب وده ومحبته. قصة: جيم فارلي أشهر رجل في أمريكا حصل على أربع شهادات جامعية فخرية وأصبح مديرا عاماً للبريد في أمريكا، فما سر نجاحه؟ السر أنه كان يحفظ اسم الرجل ونسبه وأسماء أسرته من أول مرة. فإذا التقى به ثانية سر ذلك الرجل بمعرفته له. 

القاعدة الرابعة عشر: الشكر والتشجيع:

الشكر والتشجيع سلاحان قويان لا يكلفانك شيئاً سوى الكلمة الطيبة وهي صدقة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله). رواه الترمذي

ويقول: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له بالخير). رواه أبو داود.

القاعدة الخامسة عشر: تهادوا تحابوا:

الهدية قد تكون بسيطةً جداً في قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى الاهتمامِ بالمهدى إليه, ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر). رواه الترمذي

سؤال: ربما يسأل بعض الناس: هل هناك طريقة للتعامل مع شخص حاد الطباع؟؟ 

الجواب: هناك سبعة طرق للتعامل مع الشخصية القاسية:

1-التدريب على الحوار وعدم الاستبداد بالرأي...بالتدرج..

2-إشراك الناس في تحمل المسؤولية والعمل بروح الفريق..

3-العدل بين الناس وإنصاف المظلوم: قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ). رواه ابن ماجه. 

4-الترويح عن النفس المعتدل...بتخصيص أوقات استراحة للفرد أو للمجموعة بتسلية مباحة تزيل عن النفس همومها وأكدارها.

5- إشاعة الكلمة الطيبة الهادفة والخلق الكريم والنظرة الحانية، وللقدوة دور كبير في ذلك.

6- نشر ثقافة التسامح والعفو والصفح (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ). 

7-تطوير الخطاب الديني في الخطب والدروس والمحاضرات والكتابات والمقالات، وجعله واقعياً يلامس آلام الناس وهمومهم.

نصائح عامة للتعامل مع صاحب الشخصية القاسية:

-أعمل على ضبط أعصابك و حافظ على هدوئك.

- حاول أن تصغي إليه جيداً.

- تأكد من أنك على استعداد تام للتعامل معه.

- لا تحاول إثارته بل جادله بالتي هي أحسن .

- حاول أن تستخدم معلوماته و أفكاره أثناء الحديث.

- كن حازماً عند تقديم وجهة نظرك.

- أفهمه أن الإنسان يحترم على قدر احترامه للآخرين.

- قدم له الأدلة من الآيات و الأحاديث المناسبة.

أهم المراجع:

-القرآن الكريم

-كتب الحديث النبوي الشريف

-فنون التعامل مع الناس، محمد العريفي.

-تحليل الشخصيات وفن التعامل معها، عبد الكريم الصالح

-فن التعامل مع الناس، عبد الرحمن جار الله.

-كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين