فقه الإصلاح عقيدة الفكر الإسلامي المنجز

ماهر سقا أميني
 
هل هناك مشكلات أو أزمات حقيقية في الفكر أو الخطاب الإسلامي المعاصر ؟ وإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وحيين من السماء شرفت بهما هذه الأمة، فهل ممارستنا الفكرية المعاصرة كمسلمين هي على مستوى الإفادة القصوى من هذين المصدرين بما يتناسب مع مفاهيم الاستخلاف في الأرض والدعوة والتبليغ؟ إن المتتبع لتاريخ الفكر الإسلامي يجد أن القرون الهجرية الثلاثة الأولى مثلت لحظة الإبداع الحقيقية في جميع العلوم وأشكال الفكر بدءاً من العلوم الدنيوية مما كان يسمى بعلوم الآلة الى العلوم الشرعية وهي العلوم الخاصة بالنصوص الأصلية إلى العلوم الأخرى ذات الطابع الفكري الفلسفي كعلم الكلام والفلسفة الإسلامية والعلوم الاجتماعية، بعد ذلك بدأت الأمور بالتراجع واختفى أو كاد الابداع الحقيقي وعاش ويعيش المسلمون من يومها إلى الآن على إعادة وتكرار ما أنتجه الأولون، والحق أن المسلمين عاشوا من يومها على (وهم) شل قدراتهم وإمكانات الإبداع عندهم وهو الاعتقاد بأن ما يمكن إنجازه قد أنجز، وأن الأولين لم يتركوا شيئا للآخرين، مما يجعل الفكر الاسلامي بكامله فكرا (مغلقا) لا إمكان لإبداع جديد فيه، وقد تحول هذا الاعتقاد مع الأيام الى (عقيدة) ملزمة يوصف الخارج عنها بالمروق وربما التحريف والتجديف، إننا لا نعني بذلك إلغاء ما فعله الأولون وهو كثير ومعظمه محكم ومهم، ولا نسير مع من يقول إن ما فعله الأولون كان مناسبا - فقط - لزمانهم وإنه لم يعد لذلك صالحا لزماننا لأن المشترك العقلي والإنساني أكبر من أن يلغي جهود السابقين، ولا نعني بذلك تجاوز المأثور عن الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين فقد كانوا خير القرون كما كانوا الأقرب من مصدر الوحي، إلا أن المأثور يجب أن يبقى شعاعا نمده للأمام بإبداع فكري منتج ومنضبط من دون الاكتفاء بتكراره وشرحه وشرح شرحه .
 
إن على المسلمين أن يتخلصوا من عقيدة (الفكر الإسلامي المنجز والمغلق) ليكون لهم كسابقيهم دورهم في تفعيل نصوص الوحيين بما يتناسب مع متغيرات العصور، والمتغيرات هنا ليست قاصرة على الجانب المادي والتقني، فالاجتماع الإنساني كله بمختلف طبقاته يتغير ولا تنفع وسائل السلف وحدها لمعالجة حياة الخلف .
 
من جهة أخرى نجد أن الإبداع والتجديد ضمن ثوابت العقيدة والشريعة والسير على هدى المبدعين من السلف الصالح لا يكون بالانكفاء داخل الفكر الاسلامي المنجز والمغلق بل بالاطلاع والتفاعل مع أفكار الآخرين .
 
لقد قامت العلوم الشرعية في القرون الثلاثة الأولى على تفاعل مهم مع ثقافات البلاد المفتوحة، وما كان لعلم التوحيد أو الفقه أن يستقرا لو اكتفى المسلمون بطبيعة ثقافتهم الشفاهية وهم الأمة الأمية، لقد لعب (المنطق) دوراً مهماً في إنشاء علوم أصول الفقه والجرح والتعديل، كما لعبت الفلسفة دورا في انشاء علم الكلام من الأشعرية الى الماتريدية وحتى ابن تيمية نفسه كان أستاذاً في العقائد والفلسفات وإن كان له رأي آخر .
 
لا خوف على ديننا من أفكار الغير، ولا بد من التداول مع الآخر ضمن ثوابت العقيدة والشريعة، أما الاكتفاء بما في الجعبة والاستغناء عن جهود الأنام والتكرار والاجترار لما قاله الأولون، فإن هذا كفيل بقتل أي بادرة إبداع وبالتالي سيعاني الخطاب الاسلامي التراجع شيئا فشيئا من حيث التفاعل مع الحياة ومستجداتها، وقد بلغ الأمر ببعض المنكفئين على أنفسهم من المفكرين المسلمين - وكثير منهم كذلك حد تصوير نظريات بل علوم غربية بكاملها على أنها (مؤامرات) فكرية على الاسلام والمسلمين، مع أن هذه النظريات والعلوم نشأت في بلادهم وفي سياقات فكرية معينة عندهم ولن يغير كثيراً إن نقل المسلمون عنهم أو لم ينقلوا .
 
إن على المسلمين اليوم أن يفتحوا منافذ للتهوية والابداع في تفكيرهم انطلاقاً من يقين بأن عطاءات الوحي لا تنفد مع كل خطوة إلى الأمام يخطوها العقل البشري .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين