فضيلة العلامة المحدِّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحلبي رحمه الله تعالى

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ الله سبحانه وتعالى تكفَّل بحفظ هذا الدين، وهيَّأ له رجالاً يذودون عنه في كل عصر، ينفون عنه تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومن هؤلاء العلماء المجددين: فضيلة العلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وإسهاماً ووفاء مني لفضيلة الشيخ عبد الفتاح رحمه الله، فقد قمت بإعداد ورقة بحثية حول جهوده في العلم والتصنيف، وارتأيت الآن نشر ترجمته لعل الله سبحانه وتعالى يكتب فيها النفع لطلاب العلم الشرعي، إنه سميعٌ مجيب، والحمد لله رب العالمين. 

صورة تجمع : سيدنا الإمام الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
وعن يمينه مولانا أبو الحسن الندوي
ووراءه الشيخ سلمان أبو غدة
وعن يساره الشيخ محمد الرشيد

أولاً: سيرته الذاتية :

ولادته ونشأته:

ولد الشيخ عبدالفتاح بن محمد بن بشير بن حسن أبو غدة في مدينة حلب بسوريا، في 17 من رجب سنة 1336هـ، الموافق 1917م، في بيت صلاح ودين.

اهتمَّ به والده كثيراً، وحرص على أن ينشأ ولده على حب كتاب الله تعالى، وعلى التقوى ومجالسة أهل العلم والصلاح، حتى عرف عنه وهو صغير بحسن السمت وجودة القراءة.

يقول الشيخ عبدالفتاح عن نفسه: (كنتُ لحسن قراءتي وسدادها الفطري يدعوني كبار أهل الحي ووجهاؤه إلى سهراتهم الأسبوعية الدورية لأقرأ لهم تاريخ فتوح الشام المنسوب للواقدي، وغيره من الكتب التي كان الناس يسمرون بقراءتها، فحظيت بصحبة الكبار الوجهاء والنخبة العقلاء الفضلاء وأنا في سن العاشرة).

عائلته:

تزوج الشيخ رحمه الله من السيدة (فاطمة دلال الهاشمي) أخت الدكتور محمد علي الهاشمي، ورزق منها بأحد عشر ولداً، ثلاثة أبناء، وثمان بنات، وهم:

-الأبناء: 

1-محمد زاهد أبو غدة (بكالوريوس في الهندسة المدنية).

2-الدكتور أيمن أبو غدة (طبيب متخصص بأمراض القلب).

3-الشيخ سلمان أبو غدة (ماجستير في الحديث) ويحضر للدكتوراه.

-البنات:

1-السيدة ميمونة أبو غدة، (متزوّجة من السيد فاروق أبو طوق).

2-السيدة عائشة أبو غدة-بكالوريوس في اللغة العربية (متزوجة من السيد صلاح الدين مراد).

3-السيدة فاطمة أبو غدة-بكالوريوس في اللغة العربية (متزوجة من السيد أحمد البراء الأميري).

4-السيدة هالة أبو غدة-بكالوريوس في اللغة العربية (متزوجة من السيد عبد الله المصري).

5-السيدة حسناء أبو غدة (متزوجة من السيد بشار أبو طوق).

6-السيدة لبابة أبو غدة-ماجستير في أصول الدين (متزوجة من السيد عمر عبد الجليل أخرس).

7-السيدة أمامة أبو غدة-بكالوريوس من كلية الدعوة (متزوجة من السيد عبد الله أبو طوق)

8-السيدة جمانة أبو غدة (متزوجة من السيد المهندس محمد ياسر كعدان). 

ثانياً: حياته العلمية:

تلقى الشيخ عبد الفتاح العلم في المدرسة الخسروية وتخرج فيها سنة1361هـ/1942م، حائزاً على الدرجة الثالثة بين رفاقه المتخرجين، ولم يرتو ظمأ الشيخ بما حصَّله من العلوم في المدرسة (الخسروية) فشدَّ الرحال إلى مصر، لينتسب إلى كلية الشريعة في جامعة الأزهر بالقاهرة، وتخرج فيها سنة 1368هـ/ 1948م، ثم تخصص في أصول التدريس ودرس التربية وعلم النفس، ثم رجع إلى بلده حلب سنة 1951م، وبدأ عمله مدرساً للتربية الإسلامية في ثانويات حلب، ثم انتدب للتدريس في كلية الشريعة بجامعة دمشق، إضافة إلى دروسه وخطبه في المساجد -مثل: (جامع الصدِّيق) و (جامع سيف الدولة) في حلب- التي كان يحرص على حضورها الآلاف.

وفي عام 1385هـ/ 1968م طلبه مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ من أجل التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وفي المعهد العالي للقضاء، وبقي فيها حتى سنة 1991م، انتدب خلالها إلى عدَّة جامعات إسلامية في السودان واليمن والهند وباكستان وغيرها.

كما عيِّن عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ممثلاً علماء سورية خلفاً لفضيلة الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى. وقد عاش الشيخ عبدالفتاح حياة حافلة بالعطاء، فصنَّف وحقق العديد من الكتب والمؤلفات في الحديث وغيره من العلوم.

ثالثاً: شيوخه وتلامذته:

أولاً: شيوخه: أخذ الشيخ عن قريب من مائة شيخ، سوف نذكر أشهرهم

1-والده: محمد بن بشير بن حسن الحلبي: حظي الشيخ عبد الفتاح بمربين عظماء أولهم والده، وفي ذلك يقول: (كان أبي كثير تلاوة القرآن، والمحافظة على قراءته في المصحف، لم يكن بعالم، ولكنه يحب العلماء، ويتقصد حضور مجالسهم ودروسهم، والاقتباس من علمهم وإرشادهم، فكان من المتمسكين بحب الدين، والراغبين في طاعة الله تعالى في مختلف الشؤون). فأخذ عن والده حبَّ العلم واحترامَ العلماء.

2-الشيخ عيسى البيانوني: وكان يسكن في نفس الحي الذي كان يسكن فيه الشيخ عبد الفتاح .وقد تعلق به الشيخ عبدالفتاح واستفاد منه في صغره -إضافة إلى علمه- خلق الزهد والتواضع ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره في مجمع علمي بمدينة جدة سنة 1415 هـ عندما طلب منه أن يذكر بعض شيوخه، فذكر الشيخ البيانوني، وقال عنه: كان شيخنا من محبي النبي صلى الله عليه وسلم حبا جمّا جمّا جمّا، وكان حبه للرسول صلى الله عليه وسلم يؤثر على مجالسيه، وكان يدرسنا الأخلاق ، والأخلاق تدرس ، ولكن تدريسها غير تطعيمها. التدريس سماع الأذن ، والتطعيم إشباع القلب ، ففرق بين الأذن والقلب .

إذا اشتبكت دموع في خدود =تبيَّن من بكى ممن تباكى

فكان الشيخ رحمه الله بحاله ومقاله محبِّبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان سالكا السلوك الصالح التقي النقي مع الزهد والورع والتقوى والحب للخير، والصبر على طلبة العلم ، جزاه الله خيرا . ا هـ

3-العالم الصالح الشيخ إبراهيم السلقيني الجد: يقول الشيخ عبد الفتاح: (وكان شيخا من الأولياء، من أهل الصلاح، ومن الزهد والعلم والتقوى على مرتبة عالية، وعاش قريبا من مائة سنة، كان يدرسنا النحو في (القطر) وكان يغلبه البكاء، فكان حاله ينفعنا أكثر من انتفاعنا بالمواعظ).

4-العلامة المؤرخ المحدث محمد راغب الطباخ: فالشيخ راغب رحمه الله كان مؤرخ حلب، ومن مؤلفاته: (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) في سبع مجلدات، واستفاد من صحبته ومجالسته وعلمه كثيراً. وكان من آثر التلاميذ عنده وأحبهم إليه.

5-الشيخ محمد سعيد الإدلبي: وكان هيناً ليناً سهلاً بسيطاً، فأخذ عنه الشيخ عبد الفتاح هذه الصفات.

6-الشيخ محمد زاهد الكوثري: يقول فيه تلميذه الشيخ عبد الفتاح: (وقد شهد له بالإمامة البعيد والقريب، والصديق وغير الصديق، لأنَّ الله آتاه علماً وحفظاً وفهماً وقدرةً وأداءً، فكان فيه مجمع خصال فاضلة، لا تتوفر إلا في عدد قليل من العلماء، فكان هو مجمع الفضائل، فلذلك كان ينتفع به علماء الهند وباكستان، والشام والمغرب والأزهر الشريف في مصر، وكانوا ينظرون إلى هذا الشيخ أنه إمام أهل عصره ومصره رحمه الله تعالى).

7-الشيخ مصطفى الزرقا: استفاد منه في جانب البحث والدقة والمنهجية العلمية، وكان الشيخ عبد الفتاح يتأدب مع شيخه الزرقا فكان يلبسه معطفه، ويقدم له حذاءه ويتواضع له، وهكذا كان شأنه مع سائر شيوخه.

ثانياً: تلامذته:

تخرج على يد الشيخ مئات من الطلاب، وكان حريصاً على تربية طلابه ولذلك ألف كتابه (صفحات من صبر العلماء) ليكون قدوة للطلاب، ومن أشهر تلامذته: 

1-الشيخ محمود بن أحمد ميرة.

2- الشيخ محمد بن محمد عوامة.

3-الشيخ محمد بن عبد الله آل رشيد.

4-الشيخ محمد عدنان غشيم.

5-الشيخ محمد مجاهد بن محمود شعبان.

6-الشيخ مجد بن أحمد مكي.

7-الشيخ حسن بن رامز قاطرجي.

8- محمد ماجد درويش.

9- سائد بن يحيى بكداش.

10-أحمد بن عبد الملك عاشور.

وغيرهم كثير.

رابعاً: أشهر مؤلفاته وتحقيقاته:

تنوعت مؤلفات الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بين التأليف والتحقيق، وقد بلغت ما يقارب ثمانين كتاباً:

أولاً: أشهر الكتب التي ألفها:

1-الرسول المعلم وأساليبه في التعليم. 

2-صفحات من صبر العلماء.

3-قيمة الزمن عند العلماء.

4-العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج.

5-لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث.

6- تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي.

7-من أدب الإسلام، وغيرها من الكتب.

ثانياً: أشهر الكتب التي حققها:

1-الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة في علوم الحديث للإمام اللكنوي.

2-الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، للإمام اللكنوي.

3-رسالة المسترشدين في الأخلاق والتصوف النقي، للإمام الحارث بن أسد المحاسبي.

4-قفو الأثر في صفو علوم الأثر، لابن الحنبلي الحلبي.

5-المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، للإمام علي القاري.

6-المنار المنيف في الصحيح والضعيف، للإمام ابن قيم الجوزية.

7-الموقظة في علم مصطلح الحديث، للإمام الحافظ الذهبي.

وغيرها كثير. 

خامساً: وفاته:

في شهر شعبان من عام 1417 هـ /1996م شعر الشيخ بضعف في صحته فعاد من حلب إلى الرياض ليتلقّى العلاج، ونتج عنه صداع شديد لازم الشيخ طيلة أيامه الباقية، ثم اشتكى الشيخ في أواخر رمضان من ألم في البطن أدخل على إثره مستشفى الملك فيصل التخصصي في المملكة العربية السعودية، وتبيَّن أنه ناتج عن نزيف داخلي بسبب مرض التهابي، وما لبث أن التحق بالرفيق الأعلى فجر يوم الأحد التاسع من شوال 1417هـ الموافق 16 من فبراير 1997م عن عمر يناهز الثمانين عاماً فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في الرفيق الأعلى، إنه سميع مجيب.

من مصادر الترجمة: 

1- وقفات مع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، حبيب عبد الرحمن سلامي، إصدار لجنة الدعوة-الجمعية الإسلامية.

2- موقع فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (الانترنت).