فضيلة الشيخ الأستاذ هشام عبد الرزاق الحمصي

 

ترجمة فضيلة الشيخ الأستاذ هشام عبد الرزاق الحمصي في سطور : 

 

 

- ولد في دمشق عام 1939م .

- يحمل الشهادات الشرعية والعامة في الإعدادي والثانوي وإجازة في الشريعة ودبلوماً في التربية من جامعة دمشق .

 -حاضر في مادة التفسير والتجويد في جامعة دمشق – كلية الشريعة.

 -درّس في دار المعلمين الأولى بضع سنوات قبل تقاعده ، كما درّس النحو في جامعة أم درمان الخاصة وكلية الشريعة والقانون في ركن الدين بدمشق عدة سنوات وفي المعاهد الشرعية .

 -ألف ثلاثة كتب وهو طالب في الجامعة)  أذيعت عبر إذاعة دمشق في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات) وهي : 

1 - مرشد الخطيب وزاد الأديب .

- 2عبير النبوة.

3- حديث الاثنين ( جزآن ).

 -وبعد بلوغه الخمسين من عمره ألف ثلاثة عشر كتاباً جديداً :

1 -نظرات في كتاب الله .

-2 القضاء والقدر حق وعدل. 

3 -الأسرة المثلى مشكلات وحلول .

-4 الأطفال بهجة الدنيا وأمل المستقبل .

5 - رحلة الحياة بين الأمل والعمل والأجل .

-6 دراسات منهجية في النحو والتفسير والفقه والحديث

7- عبق الأزهار في التبصر والاعتبار. 

-8 الجديد في فقه القرآن المجيد. 

9  -جواهر الفوائد في علوم التفسير واللغة والقواعد .

10 -الرؤيا تفسيرها وضوابطها 

 -11 عيون الاشعار وروائع الأفكار.

-12قطوف الآداب وثمرات الألباب

13 -خير الأدب عند العرب .

 -ينظم الشيخ الشعر ويحفظ الكثير منه ، كما خطب على منابر دمشق في عدة مساجد مرموقة مدة 53 سنة مرتجلاً.

-سافر إلى الولايات المتحدة وكندا في التسعينيات من القرن العشرين عدّة مرات بناءً على دعوة الجالية السورية من الأطباء هناك لإلقاء خطب ومحاضرات في عدّة ولايات .

كانت وفاة الشيخ مساء اليوم الأحد 2 من جُمادى الآخرة 1436هـ يوافقه (22/ 3/ 2015م). هنا

رابط موقعه الإلكتروني للاستفادة منه اضغط هنا:

 

كتب صاحبه ومحبه الأخ الكريم الأستاذ الدكتور حسان الطيان في ترجمته هذه المقالة الرصينة التي نشرها في كتابه : " من رجالات دمشق : خواطر وسوانح وذكريات" : 

 

الشيخ هشام الحمصي. .خطيب الأدباء وأديب الخطباء

 لا أعرف فيمن عرفت خطيبًا يتوفر على خطبته    كما يتوفر عليها الشيخ هشام.

 ولا أعرف فيمن عرفت راوية للشعر والحكمة والأدب والطرفة يحفظ منها كما يحفظ الشيخ هشام، ويروي منها كما يروي الشيخ هشام. 

ولا أعرف فيمن عرفت عالما يتفرّد بالرأي ويقدح في زناد الفكر، ولا يهاب من جهره فيما تفرد أو اجتهد كما يتفرّد الشيخ هشام وكما يجتهد الشيخ هشام.

 فملاك أمر الشيخ إذن أمور ثلاثة تميزه فيما أحسب عن كثير ممن عاصره، وهي: خطابة محكمة.. ورواية مرسلة.. وفكر حر أصيل.

أما الخطابة المحكمة فقد شهد لها القاصي والداني، وتوافدت لسماعها والإفادة منها الجموع الغفيرة من كل حدَب وصوب، وحيثما حلَّ الشيخ أو ارتحل، بدءًا بمسجد الفردوس، ومرورا بالبدر وسعد بن معاذ، وانتهاءً بالثناء. وما أظن مسجدا من مساجد الشام يكتظّ فيه المصلون، أو يزدحم رواده في صلاة كما يكتظون ويزدحمون في هذه المساجد التي حلَّ بها الشيخ هشام خطيبا، حتى إن دوريات المرور لتحفُّ بالمسجد من كل جانب تنظم وقوف السيارات، وتتابع الأرتال التي تتكدس في الشوارع المحيطة بالمسجد أو القريبة منه، بل إن بعض الجوار ليتأذى من كثرة الوافدين على تلك المنطقة إبان كل صلاة جمعة.

ولا تحسبن هذه الجموع- على كثرتها واختلافها وتنوع مشاربها ومواردها- من طَغام الناس وغوغائهم، بل هم النخبة علما وثقافة وفهما وحذقا، فيهم الطبيب والمهندس، والقاضي والمحامي، والوزير والسفير، والأستاذ الجامعي والمدرس المتميز، والضابط والطيار، وما لا أحصي من كرام الناس وعلية القوم، يجمعهم جميعا همٌّ واحد هو الفوز بسماع خطبة بأوجز عبارة، وأحلى بيان، وأحسن استدلال، وأحكم تسلسل، وأجمع موضوع.

وكان والدي رحمه الله وأحسن إليه– وهو الأزهري الذي لم ينقطع عن طلب العلم وتعليمه- واحدا من المفتونين بخطبة الشيخ هشام، لاحقه في مساجده الأربعة، برغم كبر سنه وتعسر وجود المكان المريح لمثله، فقد كان يشق طريقه إلى مسجده مبكرا، متوسلا للوصول إليه كل وسيلة ممكنة، لا يصرفه عنه بعد، ولا يقعد دون غايته مرض أو عجز، حتى إنا كنا مرة بصحبته في نزهة بعين الفيجة– وهو منتزه جميل يبعد عن دمشق نحوا من عشرين كيلا- فلما لاحت تباشير الصلاة- أعني صلاة جمعة– هم بالقيام طالبا أن نيمم شطر الشيخ هشام، وأين منا الشيخ هشام، إنه على بعد ساعة من الزمان، وأقسم لولا إلحاحنا لمضى، فخطبة الشيخ عنده أحلى من أحلى سيران، وأجمل من أجمل بستان!

ولا غرو فالشيخ يحترم هذه العقول التي تفد إليه، ويقدرها حق القدر، باذلا وسعه ومستفرغا جهده في سبيل إفادتها بكل مفيد، وإطرافها  بكل ماتع وجديد. ما أعلم أني حضرت له خطبة من خطبه، إلا خرجت بعلم غزير، وشعر وفير، وبيان عال، وفصاحة معجبة، وبلاغة مطربة.

وهو يحتشد لخطبته، يعدُّ لها ويحضِّرها، ويزوِّر الكلام في جنانه قبل أن يتفوه به بلسانه، بل إنه ليبدأ هذا الإعداد والتحضير من لدن فراغه من خطبة سابقة، لا يني ولا يفتر، يجيل الفكر فيما سيقوله في الخطبة اللاحقة، ويتبع الفكر القلم ليضع لخطبته مخططا يُحكم فيه محاورها، ويبرز أركانها، ويعدد فروعها، ويربط كل فرع بأدلته وشواهده وأمثلته، من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والشعر الرائق، والمثل السائر، والحكمة البينة.. حتى إذا ارتقى ذرا المنبر هزَّه هزًّا بكلام بليغ، وإلقاء محكم، وإعراب لأواخر الكلم، لا يكاد يغفل واحدة منها، حتى تلك التي يقف عليها، إمعانا في البيان، وإبلاغا للكلام، وإحكاما للقول.

وله في الإلقاء عناية بالغة، تشد كل من يستمع إليه، وتأخذ بمجامع لبه، وتملك عليه قلبه وعقله، فهو يشتد في مواطن الشدة، ويلين في مواطن اللين، ويذكرني بعبارة كنت كتبتها في الخطابة جاء فيها: «إن الخطيب الحق هو الذي يأسر سامعه بسلامة لغته.. وعلو بيانه.. وجمال أدائه.. وتناغم صوته مع مضمون كلامه.. يعلو فيه ويجهر في مواضع الإنذار والوعيد حتى كأنه هدير الفحل..أو هزير الريح.. أو هزيم الرعد، ويلين في مواضع اللين والتبشير حتى يمتزج بأجزاء النفس لطافةً.. وبالهواء رقّةً.. وبالماء عذوبةً.. وبالطيب أريجًا.. وبالنغم إيقاعًا وجرسًا»، وكذا هو الشيخ هشام.

فإذا تكلَّم خِلْتَهُ متكلّمًا

بجميع عِدَّةِ أَلْسُنِ الخطباءِ

فكأن آدم كان علّمه الّذِي

قد كان عُلِّمَهُ مِنَ الأسماءِ

أذكر أنه تناول في إحدى خطبه موضوع «القضاء والقدر»، فأشفقت عليه وربي من تشعب هذا الموضوع ووعورة مسلكه، ثم راعني فيه أنه بينه وأحكمه وأوجزه في ثلث الساعة التي يلتزم بها في خطبه لا يكاد يزيد عليها إلا دقيقة أو اثنتين، فلما فرغ وجلسنا مجلسنا الذي يخصنا الشيخ به، أثنيت على الخطبة معجبا بحسن إحكامها، وروعة إيجازها، قائلا له: إنه إيجاز قارب حدّ الإعجاز، فأكد لي– حرس الله مهجته– أنه توفَّر عليها أسبوعا كاملا، وكتب فيها ثلاث خطط، لتأتي بهذه الحلة القشيبة.

سحبان يقصر عن بحور بيانه

عجزًا ويغرق منه تحت عباب

وكذاك قس ناطق بعكاظه

يعيا لديه بحجة وجواب

ومن بديع أمر الشيخ أنه- على كثرة محفوظه من الشعر ووفرة ما تحصل لديه منه- لا يكتفي بما لديه، بل يتعهده ويزيد دائما عليه، قرأت في مجلة «الفيصل» مرة أبياتا رقيقة تعبر عن غيرة المرأة من الكتاب، لأنه يزاحمها على الاستئثار بزوجها، مطلعها:

تغار من الكتاب إذا رأتني        أقلبه وأترك وجنتيها

فلما كانت الجمعة سمعتها من شيخنا على منبر الفردوس، وهي الخارجة لتوها من فرن قائلها، إلا أنه أدخل عليها تعديلا لتليق بالمنبر فقال:

تغار من الكتاب إذا رأتني     أطالعه ولا أرنو إليها

فعجبت لفطنة الشيخ وقوة حافظته وحضورها، أمتعه الله بها وزاده من فضله.

وصعد المنبر يوما في يوم مثلج، والشام ترفل بحلة بيضاء من غيث السماء، فاستهل خطبته بقصيدة القواس:

طـوفـانُ ثلجٍ طَغَى، جلَّ الــــذي خَلَقَا  ونحن فـي فُلْكِ نـوحٍ، نأمـنُ الغَرَقــــــــا

أيـن السمـاءُ؟ وأيـن الأرض إنهـمــا    رَتْقٌ، كـمـا كـانـتـا مـن قبـلِ أن فُتِقـــا

هلِ الكـواكبُ والأفلاكُ عــــــــــائدةٌ؟!     وهل نرى قَمَرَيْهـا بعـد أن مُحقا؟

لا فـوقَ لا تحتَ لا أرجـاءَ، قـد مُزجَتْ   مرأى جـمـيلٌ، ولكـن يبـهـرُ الـحَدَقـــــا

الثلجُ ثـوبٌ أنـيـقٌ، لا يُقـاسُ بـــــــــه   ثـوبُ العذارى، وإن غالـتْ بـه أَنقـــــــا

قـد جلَّلَ الأرضَ، دانِيـهـا وقـاصِيَهـــا     كأنمـا اللهُ ألقى فـوقَهـا طَبَقــــــــــا

لـمـا مشـيـتُ عـلـيـه خــــــفْتُ أُفسدُه    إن الجـمـالَ حـبـيبٌ حـيثـمـا خُلِقـــــــا

والشيخ حفظه الله ورعاه يجمع إلى الموهبة المعرفة، وإلى الرواية الدراية، فهو عارف بشروط الخطبة الناجحة، خبير بكل ما يحتاج إليه الخطيب، وقد حضرت له في الكويت محاضرة ألقاها على الأئمة والخطباء بدعوة كريمة من وزارة الأوقاف، بسط فيها الكلام على كل ما ينبغي للخطيب، وما لا ينبغي، منوِّها بأهمية التحضير والإعداد للخطبة فضلا عما يشترط في الخطيب من شروط، ويقيني أنه من خير من حقق تلك الشروط التي نقلها الجاحظ في كتابه الماتع "البيان والتبيّن " 1:44عن أبي دواد حيث قال:

"رأس الخَطابة الطبْع، وعَمُودُها الدُّربة، وجناحاها رواية الكلام، وحَلْيُها الإعراب، وبهاؤُها تَخيُّر الألفاظ، والمحبَّة مقرونةٌ بقلّة الاستكراه» .

فالخطابة طبع لديه نشأ عليها مذ كان في مقتبل العمر وريّق الشباب، وقد تمرّس بفنونها، ونهد لها في كل محفل ومنبر، وعنده زاد وفير من رواية الشعر والحكمة والمثل والطرفة، والإعراب فنه وهمه وسدمه، وقد درَّس النحو وحاضر به في كبريات معاهد اللغة والشريعة، وله فيه تعليلات طريفة، وتخير الألفاظ صنعته وحذقه، وقد جبلت القلوب على محبته، ولعمر الله إن من كانت هذه صفاته لتهفو إليه النفوس، وتشتاقه الأرواح، وتشنف بسماعه الآذان، وتسعى إليه المنابر ولسان حالها يردد:

شرح المنبر صدرا      لتـلقّيك رحـيـبا

أترى ضَمّ خطيبا      منك أم ضُمِخَ طيبا؟

ومما يزيد خطبته بهاء وكمالا، حسن تخيره لما يقرأه من الآيات في صلاة الجمعة بعدها، إذ هي تناسب الموضوع الذي طرقه، وروعة أدائه لما يتلوه من هذه الآيات فيها، إذ هو يحبرها تحبيرا، ويصور ما فيها من معان تصويرا.

وأما الرواية المرسلة فأمر عرف الشيخ به أنى حل أو ارتحل، فهو نزهة المجالس، وسميرها، ومحدثها، وواسطة عقدها، يتسابق عارفوه ومحبوه إلى دعوته، ليحظوا بحديثه الشائق، وحكايته الأخبار وإنشاده الأشعار.

والحق أنه محدث لبق يطوي صدره على مخزون من الشعر ليس له قرار، فضلا عن الفقه والتفسير والنحو والصرف والبلاغة، وهو يدرك قيمة ما عنده، فينثره على محدثيه بنغمة شجية ندية، تسترعي الانتباه، وتلفت الأنظار، وتشد الأسماع، وتشحذ الأذهان، يلين في موضع النجوى واللين حتى لتحسبه الهامس بالحب والحنين، ويشتد في موضع الشدة حتى لتخاله الأسد الهصور، يصور كل حرف ينطق به، ويمثل كل تعبير يعبر عنه، فتعيش معه صورة الحدث، وروعة الموقف، وجمال الوصف، ورقيق المشاعر، وعذوبة الغزل، ورقة النسيب. وإذا كان البحتري قد ارتاب في تماثيل إيوان كسرى وصوره حتى قال:

يَغتَلي فيهِمُ اِرتيِابيَ حَتّى          تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ

فإنك حين تستمع إلى الشيخ هشام وهو ينشد الشعر تخال أشخاصه أمامك، تكلمهم ويكلمونك، وتجالسهم ويجالسونك.

لقد تعلمت من الشيخ هشام ألا ألقي الكلام الفصيح- شعرا كان أو نثرا- على عواهنه، بل أنشده إنشادا، أترنم بكل كلمة فيه، وأعطي كل حرف حقه وكل تعبير مستحقه، وهي سنة سنها لنا حسان بن ثابت ] شاعر الرسول حيث يقول:

تغنَّ بالشعر إمّا كنت قائلَه            إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

وهو يخصني مع بعض الصحب بجلسات ودعوات ونزهات فيها رواحنا ومراحنا، وسرورنا وحبورنا، وسعادتنا وهناؤنا، عمودها وذروة سنامها حديثه الذي يتدفق كالسيل الأتيِّ أو البحر الذي لا تنقضي عجائبه، فلكل موضوع عنده محفوظاته الحاضرة وشواهده البادية، عظة كان أم خبرا، غزلا كان أم وصفا، مدحا كان أم ذما، شعرا كان أو نثرا.

صحبته يوما في رحلة إلى لبنان، تلبية لدعوة كريمة دعانا إليها الأخ الحبيب الشيخ رمزي دمشقية- رحمه الله وطيب ثراه، وحضرها جمع من الإخوة أذكر منهم الشيخ محمد بن ناصر العجمي والأستاذ أحمد فؤاد شميس والأستاذ إبراهيم الزيبق والأستاذ بسام الجابي، فمازال ينشدنا الأشعار ويروي أطايب الكلام حتى انقضى النهار ولم ينفد جزء مما في جعبته.

على أنه يجمع إلى قوة حافظته وسعة روايته دراية بالنظم، وشاعرية مسعفة كثيرا ما صحح فيها خللا تبين له في قصيدة يرويها، أو تمم نقصا تبدَّى له في مقطوعة يحفظها، بل إن له قصائد مفردة في الحب والطبيعة والإخوانيات والطفولة بثها فيما نشر من كتب، وتداولها إخوانه وأصحابه فيما بينهم.

وأما علم الشيخ وفقهه فقد أخذه عن أربابه، ثم زكا عنده ونما، إذ تربى في كنف والده الشيخ عبد الرزاق الحمصي مفتي سورية الفقيه والخطيب المفوه، ونشأ في رحاب الثانوية الشرعية ليأخذ عن جلة شيوخها من أمثال شيخنا العلامة محمد صالح الفرفور، والشيخ لطفي الفيومي، وتخرج في كلية الشريعة التي كانت تضم أساطين العلم والمعرفة بالفقه والقرآن والحديث والعربية، أمثال الأستاذ محمد المبارك، والأستاذ الدكتور فوزي فيض الله، والأستاذ الدكتور فتحي الدريني... وغيرهم. ثم حصل على دبلوم التربية، وكان من خير المؤهلين لمتابعة الدراسات العليا، ونيل درجة الدكتوراه، ولكن الله قدر أن يكون أعلى من ذلك وأنبل، ولعمري إن كثيرا من حملة الدكتوراه ليتمنون مكانه ومنزلته ويفيدون من علمه وفضله ولسان حالهم يقول: كل الصيد في جوف الفرا.

وكان يرفده في طلب العلم حب للكتاب وشغف بالمطالعة وإدامة نظر في قضايا العلم ومسائله، حتى استوى عالما يناقش كبار العلماء ويتخير من آرائهم ما يقنع به عقله ويستقيم مع جادة فكره، ولهذا قد يجتهد فيخالف فيما يراه آراء معاصريه حول بعض المسائل الفقهية وتفسير بعض الآيات القرآنية، وهو اجتهاد مؤيد عنده بالدليل والبرهان العقلي والنقلي، ومبني على أساس متين من فهم اللغة وأسرارها لا يتطرق إليه شك.

والشيخ واحد من عشاق العربية، وحاملي رايتها، الذائدين عنها، المنافحين دونها، العاملين ليل نهار في سبيلها وسبيل قرآنها، وقد اشتهر بين الناس حرصه على اللغة والأدب وكثرة عنايته بهما في خطبه، وإلحاحه على تنبيه الناس على أسرار اللغة وجمال الأدب والشعر، حتى عيب ذلك عليه، وهو لعمري ليس بعيب، بل مفخرة من مفاخره.

وقد أخرج الشيخ هشام عصارة علمه وفقهه، وروائع حفظه واختياراته في كتب صغيرة الحجم، عظيمة القدر، كبيرة الفائدة والنفع، أقبل عليها الناس يقرؤونها ويفيدون منها، وكنت واحدا منهم، بل إني لم أستغن عنها في مغتربي فهي دائما معي أنهل منها وأعل، وينهل معي أولادي، وكل من يبلغه خبرها من أصحابي، أذكر منها: عيون الأشعار وروائع الأفكار، وقطوف الآداب وثمرات الألباب، والجديد في فقه لغة القرآن المجيد، ونظرات في كتاب الله تعالى، وخير الأدب عند العرب، ودراسات منهجية في التفسير والحديث والفقه واللغة، وجواهر الفوائد في علوم اللغة والتفسير والقواعد.

وبعد فإني أسأل الله العلي العظيم أن يبارك في حياة الشيخ هشام، ويسعده، ويمتع به، ويقر عينيه بأولاده وطلابه وعلمه ولغته، ويجزيه عنا وعن الأمة خير الجزاء وأوفاه، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

وقد نعاه الدكتور الطيان  بقوله : " أنعي إليكم أحد علماء بلاد الشام بل أحد علماء الأمة العربية والإسلامية فضيلة الشيخ الأديب اللغوي النحوي  الذي اشتهر ببراعة الخطابة والغوص على دقائق المسائل اللغوية والنحوية الدكتور هشام ابن الشيخ العلامة مفتي دمشق عبدالرزاق الحمصي الشافعي رحمه الله تعالى ورحم والده آمين وعوض الأمة خيراً .

 كان أديبًا شاعرًا محاضرًا حاضر البديهة حسن الاستشهاد طيب المعشر معتنيا بدقائق التفسير ولطائف النحو ، اجتمع فيه من خصال العلم والخير ومآثر الفضل ما تفرق في أمة :

 

وما كان قيس هلكه هلك واحد

                       ولكنه بنيان قوم تهدما

 

عزاؤنا لأهله وذويه وطلابه بخاصة ، ولأمتنا الإسلامية بعامة ،

وإنا لله وإنا إليه راجعون .

رحمك الله يا شيخنا

واكرم نزلك، ورفع مقامك، واحسن اليك

فقد كنت الخطيب المفوه الذي لم تر عيني له نظيرا

بلاغة وخطابة وادبا وحكمة

اسال الله العظيم ان يجزيك عن الامة خيرا ما جزى عالما عن قومه وخطيبا عن امته

وعالما عن تلاميذه واصحابه

وانا على فراقك يا أبا هاني لمحزونون.

ولا نقول الا ما يرضي الرب.

لله ما اخذ، وله ما اعطى،   وكل شيء عنده بمقدار، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم".

 

وقال تلميذه وصاحبه الأخ أحمد سليم الحمامي :

 " الشيخ الدكتور هشام الحمصي رحمه الله ، وأعلى مقامه في عليين وتقبله في العلماء العاملين.

والده الشيخ العلامة مفتي دمشق عبدالرزاق الحمصي الشافعي رحمه الله تعالى ، كان شيخنا في معهد التوجيه الإسلامي سنة ١٩٦٧ - ١٩٦٨، درسنا الفقه الشافعي سنة دراسية كاملة.

وذكرت تلمذتي للشيخ عبدالرزاق لفقيدنا الشيخ هشام في حفل عام قدمته للكلام فيه ، ذكرت ذلك في تضاعيف كلمتي فسرَّ بذلك رحمه الله .

وابنه الشيخ هشام رحمه الله الذي توفاه الله صباح اليوم ، اجتمع فيه من خصال العلم والخير ومآثر الفضل ما تفرق في أمة :

كان أديبًا شاعرًا محاضرًا حاضر البديهة حسن الاستشهاد طيب المعشر معتنيا بدقائق التفسير ولطائف النحو كما وصفه صديقي الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي حفظه الله ، 

كنا نتطلع كل جمعة بشوق لحضور خطبته ، النافعة ، الرائعة ، الماتعة ، التي تميزت بأسلوبه الآسر المتزن الوقور ، كان يخطب بصوت خفيض ، وهو في الوقت نفسه يحلق بمستمعيه حتى يقتادون السحب ، ثم يغوص بهم في لجج العلم على كل لطيفة وفائدة في علمي التفسير والنحو ، فيستخرج درراً مجلوة براقة وهاجة ، تخلب القلوب ، وتبهج النفوس ،

ومن براعته رحمه الله : أنه جعل من علم النحو الجاف كما ينعتونه ، جعل منه علماً هيناً ليناً محبوباً إلى النفوس ، فأنت في ساعة من الخطابة ، تنسى نفسك ، وهو يطوف بك في رياضه ، ويخرف لك أشهى ثماره ، فتود لو أنه دام ، ودام مجلسه ،

رحمه الله ، وأعظم أجرنا فيه ، وعوض المسلمين خيرا .

عزاؤنا مرة ثانية لأهله وذويه وطلابه بخاصة ، ولأمتنا الإسلامية بعامة ،

وإنا لله وإنا إليه راجعون " .

 

وقال تلميذه الأخ الكريم الأستاذ المحقق الشيخ أيمن ذو الغنى :

رحم الله أستاذنا وشيخنا الجليل هشام الحمصي

أحد أساطين العربية والأدب في الشام.

ومن خطباء دمشق المعدودين فصاحة وبيانا ورأيا حرا جريئا ..

وهو ابن مفتي سوريا الأسبق العالم الشيخ عبد الرزاق الحمصي رحمه الله.

وللشيخ هشام  يد علي وعلى أجيال من طلاب المعهد الشرعي للعلوم الإسلامية

بتحبيبه العربية إلينا، بسعة علمه وحفظه، وأسلوبه التعليمي المشوق..

لقد كان الشيخ معلمًا موهوبًا قل نظيره، آتاه الله قدرات سخرها في تقريب النحو والإعراب والبلاغة والأدب إلى طلابه..

فكان درسه يجمع بين الفائدة والمتعة، حتى ليتمنى الطلاب ألا ينتهي أبدا!

وكان يبهرنا بكثرة محفوظه من الشعر، وجمال إلقائه له، بتلوين صوتي ونبرات معبرة تبرز المعاني وتقربها من الأفهام! بل كان يشرح ويلقي لا بلسانه فحسب ولكن بكل كيانه!

إنَّ فقدك يا أستاذنا الحبيب لخطب عظيم.

وقد خلفت ثلمة هيهات تسد!

آجرنا الله في مصيبتنا، وأحسن عزاءنا وعزاء أسرتك وطلابك وأحبابك فيك..

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا:

إنا لله وإنا إليه راجعون

كانت وفاة الشيخ مساء اليوم الأحد 2 من جُمادى الآخرة 1436هـ

يوافقه (22/ 3/ 2015م).

 

فائدة: شيخنا هشام الحمصي هو صاحب العبارة البديعة المشهورة: 

(لا نريد صوفية تشطح، ولا سلفية تنطح، ولكن نريد من يدعو وينصح، من غير أن يمدح أو يقدح).

وقد أعجب بعبارته هذه شيخنا محدث الشام عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله فصار يرويها بكثرة في المحافل حتى عرفت واشتهرت به!

 

ونعاه الأخ الكريم الأستاذ  الشيخ أحمد فؤاد شميس  على صفحته  بقوله :

 "أنعي لكم بكل حزن و أسى و تسليم لقضاء الله وفاة أستاذي الشيخ هشام الحمصي الشاعر و الأديب و النحوي أحد أبرز خطباء دمشق سيد المجالس. وهو الخطيب الوحيد الذي لم يقم بالدعاء في خطبه للطاغية  ولا لأبيه لا كناية ولا تصريحا على الرغم مما تعرض من ضغوط رحمه الله تعالى رحمة واسعة و أجزل عطاءه ( إنا لله وإنا إليه راجعون).

وكتب الأستاذ محمد مأمون الحمصي  في صفحته : 

"  رحمك الله أيها الشيخ الفاضل 

رفضت وعلى مدار حياتك ذكر الطغاة في ثناء أو مديح  ولو لمرة واحدة. 

 تعرضت لكل أنواع الاضطهاد والإزعاج.  منعت من الخطابة والتدريس ودوماً يتم نقلك تعسفياً من جامع إلى جامع وأين ما ذهبت يتبعك آلاف المصلين فتهتز أجهزة الرعب المخابراتية الأسدية من إخلاصك وثقة الناس بك.  صوتك الحق الذي يتعطش المؤمنين لسماعه أعطيت الإسلام حقه بعيداً عن الجهل والتطرف المصنع ليتحول إلى إرهاب بشع في غرف الظلام والظالمين فينتج داعشا وأخواتها المجرمين ومن المؤلم أنهم يختبؤن تحت عباءة الدين الإسلامي الحنيف !!

رحمك الله شيخنا الغالي في ذهابك خسرنا عالما من علماء الشام الأفاضل لكنه أمر الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأحر التعازي للأهل ولكل الأحبة المخلصين"  .