إنّ الناظر في أحوال هذه المدينة الصامدة؛
والمِحَن والآلام التي تعرّضتْ لها عبر التاريخ, لَيَقفُ أمامها إجلالاً وإكباراً،
ويستصغر نفسه أمام التضحيات التي قدّمتْها عبر الزمن, لذلك حاولتُ -في هذه
العُجالة- أن أسلّط الضوء على بعض العوامل الطبيعية لهذه الأرض المباركة، و جوانبَ
أخرى لهذه المدينة الأبيّة، منها: ( التسمية - الأهمية والمكانة - والتاريخ ).
أولاً: التسمية:
سمّيتْ غزة بهذا الاسم نسبةً إلى
امرأة كان اسمها غزة، وتقول كتب التاريخ : إنها كانت زوجة (صور) الذي بنى مدينة صور - وهي مدينة ساحلية لبنانية قريبة من
البحر -. توفي فيها هاشم بن عبد مناف جَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم و دفن
فيها أيضاً، لكن قبره غير ظاهر ولا يعرف، ولذلك عرفتْ فيما بعدُ عند العرب بغزة
هاشم، وقد عَرَفها العبرانيون باسم ( عَزّة ), والفرس باسم (هازاتو).
ثانياً: الأهمية والمكانة:
غزّة مِنَ المُدُن العريقة في التاريخ,
وتتمتّع بموقع جغرافي مميَّز على طريق القوافل التجارية, وتذكر كتب التاريخ أنها
كانت مقصداً لأهل الحجاز, وأنّ هاشم بن عبد مناف كان يقصدها للتجارة, فأدركتْه
منيته فمات بغزة. وكذلك كان عمر بن الخطاب يقصدها في الجاهلية للتجارة وفيها أيسَرَ
واغتنى. وولد بها الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه سنة 150
هـ وانتقل طفلاً إلى الحجاز, فأقام وتعلّم العلم هناك, ويروى أنه ذكرها بأبيات من
الشعر وهي:
وإني لَمُشتاقٌ إلى أرض غزةٍ وإنْ
خانني بعد التفرُّقِ كِتماني
سقى الله أرضاً لو ظَفِرتُ بِتُرْبها كحَّلتُ به مِن شدّة الشوق أجفاني
ثالثاً: التاريخ:
- أنشئت
مدينة غزة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام بثلاثة آلاف عام، وكانت غزّةُ
المدينةَ الوحيدة في فلسطين التي لم تستسلم للإسكندر, فنكّل بها وهدم أسوارها، وقد
قاومتْ غزة الغزو الروماني لمدة طويلة، وبعد أن أخضعها الرومان تحولتْ إلى مستعمَرة
عسكرية. وظلَّتْ غزة تحت حكم الرومان إلى أن فتحها المسلمون عام 634 مـ.
- سيطر عليها
الأوربيون في فترة الحملات الصليبية، لكنها عادت تحت حكم المسلمين بعد أن انتصر
صلاح الدين الأيوبي عليهم في معركة حطين عام 1187هـ.
- كانت تحت
حكم الأتراك في القرن السادس عشر حتى سنة 1917 مـ؛ عندما استولت عليها بريطانيا
خلال الحرب العالمية الأولى .
- أصبحت غزة
جزءاً من فلسطين فترة الاحتلال البريطاني، وتمّ إضافتها إلى الدولة الفلسطينية
عندما أصدرت الأمم المتحدة قرارَ تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية عام 1947مـ.
- قامت مصر
بدخول المدينة عام 1948 مـ، ووقَّعتْ كلٌ من مصر وإسرائيل هدنةً تقضي باحتفاظ مصر
بالمدينة ( غزة )، ولذلك كانت مأوى لكثير من اللاجئين الفلسطينيين عند خروجهم من
ديارهم.
- وبعد
النكبة عام 1948 مـ، دخلت غزة تحت الحكم الإداري المصري, ومنها قام الفدائيون
الفلسطينيون بِشَنّ هجماتهم على الصهاينة. وفي عام 1967مـ ضمّها الصهاينة, ولكنها
قاومت الاحتلال بضراوة. وقد اعترف (موشي ديان) وزير الدفاع الصهيوني حينذاك بأن
غزة ( يحكمها الفدائيون في الليل ). وقد اندلعت منها الانتفاضة الفلسطينية عام
1987م, واستمرت في التصاعد. وبمقتضى اتفاقية أوسلو أصبحت غزة خاضعةً للسلطة
الفلسطينية.
نسأل الله العليّ القدير أن يطهّر الأقصى وغزة ورام الله
وبيت لحم وطبريا والجولان من أيدي قَتَلة الأنبياء وأعداء الإنسانية، إنه وليُّ
ذلك والقادرُ عليه.
عبد الكريم الخلف
كلية
الشريعة - دبلوم تفسير
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول