عمر مكناس

 

1331-1407هـ

1913-1987م

 

 

الشيخ عمر بن الحاج عبد القادر مكناس الحنفي الحلبي.

أمين الفتوى في حلب الشهباء، عالم عامل، وفقيه حنفي متبحر

وأديب شاعر رقيق الحاشية والطباع.

ولد في مدينة حلب، سنة: إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة، في أسرة تحب العلم وتجل العلماء، وقرأ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب في إحدى كتاتيب المدينة، وما أن أتم تعليمه الابتدائي حتى انتسب إلى المدرسة (الخسروية)، سنة: 1344هـ، والتقى فيها بنخبة من علماء حلب، أخذ عنهم جل علومه الشرعية والعربية.

فدرس القرآن الكريم تلاوة وتجويداً على شيخه المقرئ الشيخ أحمد التيجي المدني، وأخذ علم التفسير وعلوم القرآن الكريم على شيخه الشيخ أحمد بن محمد الشمّاع، وتلقى علوم الحديث الشريف ومصطلحه والسيرة النبوية الشريفة والتاريخ على شيخه محدث حلب ومؤرخها العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ، أما الفقه الحنفي فروعه وأصوله فقد درسه على نخبة من فقهاء حلب، أمثال: الشيخ أحمد الزرقا والشيخ إبراهيم السلقيني والشيخ أحمد الكردي، وأخذ علم الفرائض على شيخه فرائضي حلب الشيخ عبد الله المعطي، وأخذ علم الأخلاق والتربية عن شيخه المربي الأستاذ عيسى البيانوني، وقرأ علم التوحيد والمنطق على شيخه الشيخ فيض الله الأيوبي، أما علوم اللغة العربية نحوها صرفها وبلاغتها وآدابها فقد تلقاها على أساتذتها الأجلاء أمثال العلامة الشيخ محمد الناشد (الزمخشري الصغير) والعلامة الشيخ محمد أسعد العبجي، وغيرهم من علماء حلب، كما حصّل الشيخ في هذه المدرسة بعض العلوم الكونية كالرياضيات والعلوم العامة والجغرافية وغيرها، وأتم دراسته في هذه المدرسة، وتخرج فيها بنجاح وتفوق مع الدفعة السادسة، وذلك سنة: 1350هـ-1931م، حاصلأ على الدرجة الثانية بين رفاقه(1).

عمل الشيخ بعدها في عدد من الوظائف الإدارية والوقفية في حلب وإعزاز وحماه وإدلب ومعرة النعمان، لكن نفسه كانت تواقة للعمل في الدعوة إلى الله ونشر العلم، فعاد ليستقر في موطنه حلب، وعمل إماماً وخطيباً في جامع (التكية المولوية)، وكلف بالتدريس الديني في جامع (المستدمية)(2) بعد وفاة مدرسها الشيخ محمد راجي مكناس، وأخذ يلقي دروسه في المدارس الشرعية، كما كانت له دروس في التربية الدينية في ثانوية المعري بحلب.

وعندما انتخب شيخه الشيخ أحمد الكردي مفتياً لمدينة حلب، عينه أميناً للفتوى عنده، ونظراً لتبحره بالفقه الإسلامي، فقد ظل الشيخ في هذا المنصب مدة تزيد على خمس وثلاثين سنة، على الرغم من تبدل المفتين وتقلبهم على هذا المنصب، فقد كان أميناً للفتوى لدى المفتي الشيخ أحمد الكردي، والشيخ محمد بلنكو، والشيخ محمد الحكيم، والشيخ محمد عثمان بلال، واستمر على هذه الوظيفة إلى أن وافته المنية.

وعلى تمكن الشيخ من الفقه الحنفي والشافعي، فقد كانت له ميول أدبية فكان يكتب المقالات الأدبية، وينظم الأشعار وينشرها في مجلة 

(الجامعة الإسلامية) وجريدة (الجهاد) وغيرها.

فمن قصيدته (شعلة المجد) التي نشرها في مجلة (الجامعة الإسلامية) بمناسبة المولد النبوي الشريف هذه الأبيات:

ردّد الطرف في السماء قليلاً= ها هو النور عمّها والضياء

أرهف السمع ذاك صوت ندىّ= ردًّد الأفق، ما يكون النداء؟

صوت حاد يطوي السباسب ليلاً= تتهادى بركبه البيداء

مكّة مسرح الجمال وفيها= قبس النّور مشعل لألاء

تلك أمُّ القرى بدت كعروس= يتجلى منها السنا والبهاء

فدوّى صوت الهاشمي جهاراً= وأجابت نداءه الأجواء

قام يدعو بحجة ولسان= لا بسيف قد خضّبته الدماء

بل بلين وحكمة واقتناع= وعهود قد زانهنّ وفاء

أخرجوه جنح الظلام طريداً= من حماه ومسّه إيذاء

يالقومي في ذمة الناس طراً= ما يلاقي من الأذى الأنبياء

يانبي الإله نشكو زماناً= غضّ منّا، وزادت البرحاء

وغدونا نمشي بليل بهيم= كسيفن ضلّت به الدأماء

قد عمّت الفوضى وصرنا ضياعاً= كيتيم يودي به اللؤماء

وهى قوم بعد عزّ منيع= شتّت الشّمل ضاع منّا الإباء

عيد ميلاد المصطفى عد بخير= فيك تزهو الشريعة الغراء

أنت ذكرى على الدهور توالت= كلّ عام تجدّد ورواء

دمت ذكرى للعرب تبعث فيهم= شعلة المجد ليس فيها انطفاء

دمت نوراً مخلداً وحبوراً= ما تغنت في أيكها الورقاء(3)

ومن شعره الوجداني قصيدة (ريم الحمى) وقد نشرت في جريدة (الجهاد)، ونالت الجائزة الأولى، عام :1930م، نختار منها هذه الأبيات وهي مخمسة:

ريم الحمى أدمت سيوف لحاظه= قلبي وأحرق مهجتي بشواظه

ألميّ يزين جماله بدلاله= في ثغره شهد وتحت شفاهه

خمر جرى من لؤلؤ مكنون

قسماً بحبك ما مررت بخاطري= إلا وفاضت بالدموع محاجري

ناديته: دعني أبث سرائري= كم قال: إن شئت الدجى فغدائري

وإذ تريد الصبح فهو جبيني

عذّب لترضى إنَ حبك بغيتي= واهجر لأشقى إنَ فيك سعادتي

قد قال تيهاً: غصن بان قامتي= وإذا تريد الروض فهو جبيني

كم فيه من ورد على نسرين

يا هاجري ماذا جنيت فإن أكن= يوماً أسأت فهاجراً لي لا تكن

لله ألحاظ رماني بسهمهن= سبحان من خلق العيون بقول:كن

فتكونت في أحسن التكوين

رفقاً بلب المستهام لقد لها= واختال عجباً بالبها عنى لها

وعيونه قد أخجلت عين المها= سود رقود ما كحلن وما بها

نوم ولكن قصدها تسبيني

ارحم فتىً أدنيته من نحبه= وأشفق فقد جردته من لبّه

ملكته قلبي على هجر به= الله أكبر من قساوة قلبه

فيما يرى في عطفه من لين (4)

ومن قصيدة يندد فيها بالطغاة يقول:

صرح الطغاة انهار من علياءه= فتقوّضت أركانه ودعائمه

صعق البغي لصوت حقّ واضح= لما تبدت في الربوع عزائمه

فالظلم مهما طال في جبروته= لا بد أن تنهار منه نظائمه

والليل مهما طال حالك لونه= لابد من فجر تلوح علائمه

والجمر إن وارى الرماد لهيبه= يذريه إعصار فتبدو عظائمه (5)

وقصيدته في رثاء شيخه الشيخ أحمد الكردي أثبتها في ترجمته (6)

وله مقالات أدبية كثيرة.

رقيق القلب، لطيف المعشر، شديد الإحساس بالناس والحياة، كثير العبادة وتلاوة القرآن لا ينقطع عن المطالعة وقراءة الكتب الدينية والأدبية.

ظل الشيخ على عطائه في أمانة الإفتاء، ونشر العلم إلى أن وافته المنية مساء يوم الخميس، في العاشر من شهر شعبان، سنة: سبع وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق للتاسع من نيسان، عام: سبعة وثمانين وتسعمئة وألف للميلاد، وشيع بجنازة حافة إلى مثواه الأخير - رحمه الله تعالى ـ.

المصادر والمراجع

1-تاريخ الإفتاء في حلب الشهباء، للمؤلف.

2-ترجمة خطية تفضل بها نجل المترجم، الأستاذ عبد القادر مكناس.

3-سجلات المدرسة الخسروية -الثانوية الشرعية -

4-سجلات دائرة الإفتاء والتدريس الديني في مدينة حلب.

5-سجلات دائرة الأوقاف بحلب.

6-مذكرات الشيخ عبد الوهاب سكر.

7-مقابلة شفهية مع نجل المترجم له السيد عبد القادر مكناس.

8-مقابلات ومشافهات مع مشايخنا الشيخ محمد زين العابدين الجذبة والشيخ

 

 

(1) انظر الحاشية رقم 1 في ترجمة الشيخ بكري رجب ص 358.

(2) جامع فسيح يقع في شمال محلة (المستدمية)، وكان يعرف بـ (النفيسية) أو (الدمغانية)، أنشأه نفيس جمال الدين ابن الزيني في حدود سنة: 850هـ، ثم جدده مستدام بيك في عهد قانصوه الغوري، ووقف عليه الأوقاف الكبيرة فنسب له، وانظر نهر الذهب 2/305، وأحياء حلب وأسواقها ص 343.

(3) مجلة الجامع الإسلامية، العدد 145 سنة: 1363هـ.

(4) جريدة (الجهاد) العدد 47 عام: 1930م.

(5) عن ترجمة خطية تفضل بها نجل المترجم له السيد عبد القادر مكناس.

(6) انظر القصيدة كاملة ص 229.