عشت مع آية: (قال إن فيها لوطا)

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} تخيلت لهفة إبراهيم عليه السلام وهو يقولها للملائكة وهي تخبره بمسيرها إلى قرية لوط ليهلكوها..

لهفة حب وخوف على أخيه المؤمن ورفيق الدعوة معه ولو كان في بلد آخر... فضلا عن أنه ابن أخيه.

 

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} رغم أن الآية السابقة تحمل له البشارة بالولد... لكن ما إن سمع ما يخافه على ابن دينه ودعوته حتى نسي بشارته!

 

كأن قلوب الدعاة يمتد حنوها على أشباهها المؤمنين رأسا وأفقا؛ رأسا يجعلنا ندعو لمن سبقنا من المؤمنين مهما كان ذنبه رغم أننا لم نره. وأفقا يجعلنا نتوجع لعذابات مسلمي بورما، وأنات مسلمات كشمير، وعجائز وأطفال فلسطين رغم أننا ربما لم نلتق بهم يوما!

 

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} شغلته لهفة قلبه على أخيه عن تذكر أن الملائكة لا ولن تظلم..

ما أروع رحم الإسلام، وما أوسع قلوب أصحابه ما استعملوها!

 

ذكرتني الآية بالنبي وهو يأمرنا بصيام عاشوراء فرحا بنجاة موسى الذي سبقه بمئات السنين، ويتشوق لمن لم يولد من المؤمنين إلى يوم القيامة قائلا: "واشوقاه إلى أحبابي"

 

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وإذا كانت هذه لهفة المؤمن على أخيه المؤمن في الدنيا مخافة أن يصيبه بعض غضب الله، فكيف بلهفته عليه في الآخرة وهو يقول يا رب أخي أخي.

 

ما أروعه من دين يوسع القلوب، ويقرب بين مسافاتها!

أصاب رجل رأس الربيع بن خثيم رضي الله عنه دون قصد فانفجر الدم منها، فأقبل الناس عليه يمسحون الدم ويكتمون الجرح، وهو مشغول بالدعاء لمن أصابه قائلا:

"اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني!!"

وسرق رجل حذاء ابن مسعود فقيل له ادع على سارقه: فقال: اللهم تب عليه واجعلها آخر سرقة له.

 

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} فيها أخي، وتوأم روحي، ورفيق درب معتقدي. فيها صادع بالحق مثلي. فما هدأت نفس إبراهيم إلا بعدما قالت الملائكة "لننجينه". ولا ينبغي أن تهدأ نفوس أتباع ملة إبراهيم إلا بعدما ينجو كل لوط في كل بقعة على وجه الأرض.

 

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} "قالوا نحن أعلم بمن فيها" وهذه طبطبة وطمأنة أخرى.. فالمصلحون معروفون محفوظة أسماؤهم عند الملائكة... غير أن مواعيد النجاة يحددها من أرسلهم، ومواعيد انتهاء الإمهال للمفسدين معلومة كذلك.. فقر عينا يا إبراهيم أنت ولوط، ويا كل إبراهيم ويا كل لوط إلى يوم القيامة.

ما أروع رسائل القرآن! لكن من يحسن قراءتها؟!


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين