عبد الفتاح المحمودي

 

 

علم من أعلام بلاد الشام...وجه مشرق من تاريخ اللاذقيه....

 

العلامة الكبير، والأديب الهمام القدير، العارف بالله ، عمدة السادة العلماء، الفقيه النسيب الشيخ عبد الفتاح المحمودي الشافعي مذهبا، الخلوتي طريقة ،اللاذقي إقامة ومدفنا ، طيب الله ثراه.

 

هو السيد الشريف الحسيب النسيب عبد الفتاح بن الشيخ مصطفى اديب محمود بن محمد محمود المحمودي العطار رحمهم الله أجمعين.

ولد رحمه الله عام ١٢٥٦ للهجرة الموافق عام ١٨٤٠ ميلادية لأبوين صالحين من عائلة علمية عريقة اشتهرت بعلمائها وأدبائها فترعرع في بيئة دينية علمية أدبية ، ونهل علومه في الصغر عن والده وعلماء عائلته كما جالس نخبة من علماء اللاذقية الكبار،  ذكر منهم في كتبه:  العلامة العارف بالله الشيخ صالح الطويل رحمه الله وأحسن اليه ، وابنه العلامة الشيخ عبد القادر الطويل أيضا حيث وصفه أيضا بشيخه.

 

 سافر إلى مصر طالبا العلم فاجتمع بأكابر علمائها وأخذ عنهم،  ونهل من علومهم حتى أصبح موسوعة علمية ادبية برع بالفقه الشافعي وعلوم الحديث والأدب العربي فكان فقيها وأديبا وشاعرا ومحدثا كبيرا.

 

وعند عودته إلى وطنه أقام حلقات العلم في مساجد وزوايا اللاذقية وخصوصا في جامع صوفان والزاوية التي كانت قريبة منه. 

وعندما افتتح متصرف لواء طرابلس خورشيد باشا خلال وجوده باللاذقية عام ١٨٦٧ المدرسة الرشيدية في الجامع المنصوري الكبير ، عيِّن مديرًا لها ، ودرس بها بعد أن وضع مناهجها وقوانينها ، ولقد تواجد بهذه المدرسة التي كانت الفريدة من نوعها تواجد ما ينوف عن الـ ١٥٠ طالبا يطلبون العلوم العقلية والنقلية، وبهذه المناسبة قال أخوه العلامة الشيخ عبد الحميد المحمودي رحمه الله:

 

لله در أديب صاغ قانونا...من جودة الفكر للعلماء يدنينا

بنوده كلها جاءت مبينة...حكم الصياغة والتهذيب تبينا

كأنه وردة من روضة قطفت...عند الصباح لتهدى للمحبينا

 

ولقد قصده طلبة العلم من كل حدب وصوب واستجازوه بعد أن تربعوا بحلقات العلم بين يديه.

 

 ولقد ذكر الشيخ محمد آل الرشيد حفظه الله في كتابه " إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح" ذكر ثلاث إجازات أجاز بها علماء عصره : إحداها حصل عليها العلامة الكبير العارف بالله شيخ مشايخنا الشيخ ابو النصر خلف الحمصي رحمه الله، وأجاز بها العلامة المحقق عبد الفتاح أبو غدة فيما بعد وإحداهما مطولة باسم "حسن الايجاز من المجيز للمجاز".

كما يقال إن العلامة القاضي الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله استجازه حين كان مقيما باللاذقية شاغلا منصب القاضي بها.

ولقد أجاز ابناءه الساده العلماء الشيخ حسن عارف، والشيخ مصطفى المحمودي الذي استلم منصب الافتاء فيما بعد، وأجاز ابناء اخوته وعلماء كثيرة نهلوا من علمه في حلقانه العلمية.

 

اشتغل الشيخ الجليل بالتأليف وخلف مؤلفات منها ما طبع ومنها ما زال مخطوطا. نذكر من كتبه الآتي:

ديوانه سفير الفؤاد.

تحفة الدارس بالصرف.

خريدة العوامل الجديدة.

أرجوزة بالنحو.

أرجوزة بالصيام.

منظومة الأداء في القراءات والتجويد .

مجموع في علم الفرائض.

كتاب في علم الأوقاف.

كتاب في علم الجبر.

تحفة الدارس لأبناء المدارس.

سلسلة الطرايق في أصول التصوف.

لمع التجليات.

نخبة الأخبار في مناقب علم الديار سيرة الامام المغربي ومناقبه رحمه الله.

رسالة سماها : تبين المراد برد الانتقاد.

 

ولقد كان شاعرا مجيدا من أكابر شعراء عصره وقال شعرًا في الرثاء والمديح وفي مناسبات مختلفة، وننقل مقتطفات من ديوانه : "سفير الفؤاد" فنجد في صفحة ١٣١ يقول بمناسبة تنصيب أحد العلماء خطيبا يقول رحمه الله:

 

بشرى مجامعنا الجديد مجدد...فيه الهنا وكذا السرور مخلد

وإليه يهرع كل عبد صالح...أبدًا وفي أرجائه يتعبد

يا معشر الخطباء أنتم أنجم...لكنما عبد اللطيف الفرقد

فهو الخطيب وجاء في تاريخه...ببراعة فوق المنابر يصعد

 

ونقرأ بالصفحة ١٣٣ يؤرخ لمنصب الافتاء:

 

بشرى فعليك السعد ننشره...علم العليا يا خير بشر

وبطابع إحسان وهدى...بسناء المجد سناك ظهر

يا واجد هذا العصر أيا...من فتواه يفوق دفر

هنئت بمنصب إفتاء...إذ فيه لك السلطان أمر

وبه البشرى قالت ارخ...يتهناء بالإفتاء عمر

سنة ١٢٩٢ هجري= ١٨٧٥ ميلادي

 

ولقد ألقى الشعر راثيا العلماء والأعلام فلما توفي العلامة الكبير والأديب الألمعي القدير الشيخ عبد الرزاق الفتاحي بكاه ورثاه بقصيدة حزينة قال فيها:

 

يا راحلا جنت الأكباد مصرعه...رفقا بصب كئيب أنت هاجره

خلفت ذكرا شهيرا غير مندرس...لا ينتسى في مرور الحقب فاخره

عليك رحمة ربي دائما أبدا...تنزي وغيث الرضا ينهل زاخره

 

وعندما توفي العلامة الكبير عمدة أل الازهري الشيخ الحسيب النسيب أحمد الأزهري رحمه الله عام ١٨٧٤ رثاه معزيا عائلته قائلا:

 

الزاهد الورع الشهم ومن...غدا بثوب تقاه أي مدثر

خليفة المغربي من حاز منزلة...رفيعة ومقاما غير منحصر

يكفيه في ذكره لله مجتهدا...وفي تهجده لله في السحر

له مكارم أخلاق لقد حمدت...وسيرة فجرها يزدان في السير

 

وعندما توفي العلامة الكبير محيي الدين الصوفي رحمه الله قال في رثائه:

 

قلت أرثي ابن خال والدي سلالة السادة الأشراف و الأولياء الصالحين التقي الصالح الشيخ العالم 

السيد الشريف محيي الدين بن محمد ( ولي الله ) بن العلامة الشيخ المفتي السيد الشريف أحمد

الصوفي الشهير تغمده الله برحمته:

 

إن القضـاء محتـم و مسـطـر***********و نوافـذ الأقــدار لا تتغـيـر 

والصبر عند الصدمة الأولى لنـا*********أولى و من لزم التصبـر يؤجـر 

صبراً بني الصوفي أنتـم سـادة*********تعظوا بما شرع الإله و تأمـروا 

أنتـم هـداة النـاس أنتـم قـادة**********أنتـم نجـوم بالمواهـب تسفـر 

و الشيخ محيي الدين بـدر كامـل********يزهو ابتهاجـاً بالبهـآء و يزهـر 

هو دوح مجـد أينعـت أغصانـه*********إذ طاب مغرسه و طاب العنصـر 

طوت الثرى جثمانه لكـن غـدت*********دومـا فضائلـه الشهيـرة تنشـر 

وخـلال أحـوال تفـرد نعتـه**********فيها فـلا زالـت تعـد وتذكـر 

أسفا على تلك الخلال و حسنهـا********وعلى مظاهرها التي هي مظهـر 

يكفيـه رقيـاه المنابـر مخلصـا**********يعظ الملا وعن المعاصي يزجر 

يكفيـه قـدرا حيـث إن فـؤاده**********دومـا بذكـر الله جـل مـنـور 

يكفيـه تقـواه و طاعـة ربــه**********وصفـاء قلـب منـه لا يتعكـر 

يكفيـه أوراد لــه ومــوارد**********في كـل وقـت فيضهـا يتكـرر 

يكفيه أن الناس طـرا لـم تـزل*********أحشاؤهـا فـي حبـه تتفـطـر 

هيهـات للدنيـا وجـود نظيـره**********فنظيـره مـن بعـده لا ينـظـر 

إلا سنا أنجالـه الفضـلاء مـن**********هم في سما العليا تضيئ و تبـدر 

منهم خلاصة عصرنا السامي الذي********عبد إلى الوهاب و هـو الأكبـر 

-- 

والسيد المفضال إبراهيـم مـن********منـه الفـؤاد منـور ومعمـر 

وأديب هذا القطر من هو صالح*******من قطره بسما البلاغـة يقطـر

 

وكذا الفتى عبد اللطيف وعارف*******فهمو همو وسماتهـم لا تنكـر 

أنجال محيي الديـن لله الجـؤوا********وعلى فراق أبيكم الشهم اصبروا 

شق الجيوب على أبيكم واجـب*******عقلا و أما النقـل عنـه يحـذر 

لو كان يفدى شخصه بالروح من******شخصي فديت بها وقلت مقصر 

لكن جرى حكم القضاء بما جرى******ولنا الرضى حيث الإله مقـدر 

تبـا لدنيـا لا بـقـاء لأهلـهـا*********اذ كل من فيها يمـوت ويقبـر 

و نعيمهـا فـانٍ وفـي لذاتهـا********غصص المنية في البرية تصدر 

هل قد رأيتم أو سمعتـم عيشـة*******تصفو بهـا دومـا ولا تتعكـر 

كلا فلا حيُّ يدوم سـوى الـذي*******هو خالق هو بـارئُ ومصـور 

سبحانه جلـت صفـات كمالـه********سبحانـه هـو أول هـو آخـر 

لنعيمه هذا الهمـام قـد سـرى********و غدا بـروض جنانـه يتبختـر 

فالله يرحمـه و يعفـو- مـنـة********عن ذنبه مـا أرخـوه و يغفـر 

سنة 1296 للهجرة

 

وله شعر في مدح الأعلام والوجهاء،، فقال بمناسبة زيارة الشيخ عبد المجيد أفندي الجيلاني للاذقية عام ١٨٦٨:

 

يا أيها الشهم الفريد ومن به...نظمي غدا يحكي مذاق السكر

فاللاذقية فرحة بك تزدهي...حسنا وتسمو بهجة في الأغصر

 

وقال مادحا الشيخ زين الدين المرصفي بمناسبة زيارته للاذقية عام ١٨٦٣:

 

وحركت ساكن الأشواق معرفتي...لسيد ماجد مقداره عالي

اعني المرصفي الصياد عمدتنا...أفديه بالأهل والأولاد والمال

ووارث المجد والآداب نفسه...والحلم والعلم من عم ومن خال

 

وهذا غيض من فيض مما اتحفنا به فقيد العلم والادب العلامة اللاذقي الكبير الشيخ عبد الفتاح المحمودي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.

 

ترك رحمه الله مكتبة عظيمة حوت أمهات الكتب، وحوت النوادر من المخطوطات.

 

توفي رحمه الله عام ١٣٢١ للهجرة الموافق عام ١٩٠٣ ميلادي وشيع جثمانه الطاهر في موكب مهيب، خرجت به البلدة الى مثواه الاخير في مقبرة الشيخ ضاهر طيب الله ثراه.