عبد الرحمن عزام باشا

(21 شعبان 1310 هـ/ 8 مارس 1893م)

(4 جمادى الآخرة 1396هـ/ 2 يونيو 1976م)

(بطاقة حياة)

لا تستطيع هذه المقدمة العَجْلَى أن تضطلع بدور كبير في التعريف بقامة سامقة من قامات الفكر الإسلامي، لا سيما إذا كانت بحجم رجل من رجالات الفكر والثقافة كـ (عبد الرحمن عزام باشا)، تلكم الشخصية التي استطاعت أن تحقق معادلة لم تتوفر للكثيرين ممن جَايَلَها من علماء الأمة وقاداتها الأفذاذ؛ ألا وهي الجمع بين الجهاد بالنفس في ميادين القتال ضد أعداء الأمة، ممن استمرأوا احتلال أراضيها ونهب ثرواتها، وخوض غمار السياسة الإقليمية والدولية وتحقيق نجاحات متتالية في العديد من المواقع.

وإضافة إلى كل ذلك، لم تأخذه هذه الحياة المثقلة بالمتاعب النفسية والجسدية بعيدًا عن تسجيل آرائه وأفكاره التي كانت في جانب كبير منها حول سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وآثاره التي تأتي دونها كل سير الأبطال والعظماء على مر التاريخ البشري.

وقد آثرت إيجاز بطاقة الحياة الخاصة بـ (عبد الرحمن عزام) في نقاط مختصرة لعدة أسباب؛ منها:

أولًا: أن التعريف به توفرت له عدة مراجع قامت بدور بارز في استقصاء مواقفه وآرائه.[1]

 

ثانيًا: في الوقت الذي سَعَيْتُ فيه لإعداد هذا الكتاب، يتم جمع الأعمال الكاملة لعبد الرحمن عزام، مع التقديم لها بما يناسبها كمًّا وكيفًا، وفي الرجوع إليها، وإلى ما ذكرت من مراجع سابقة ما يغني عن التكرار.

[1] هذه المراجع هي:

- صفحات من المذكرات السرية لأول أمين عام لجامعة الدول العربية، بقلم جميل عارف، وهو عبارة عن حوارات دارت بينه وبين عبد الرحمن عزام، وفيها كثير من التفاصيل التي مر بها في حياته، كما أنها مستودع لآرائه وانطباعاته عن الأحداث التي عايشها في مصر وخارجها. طباعة الكتاب المصري الحديث.

- عبد الرحمن عزام الإسلام.. العروبة.. الوطنية، بقلم عصام الغريب، وهو عبارة عن رسالة دكتوراه للمؤلف، نشرتها دار الكتب والوثائق القومية في 2011م، وفيها عرض مميز لجهود عبد الرحمن عزام على كافة الأصعدة، مؤكدة على دوره البارز في إنشاء جامعة الدول العربية.

- تقديم كتاب (الرسالة الخالدة) للأستاذ الدكتور عصمت نصار، حيث أعادت مكتبة الإسكندرية طباعة الكتاب مع التقديم الذي أرَّخ للعديد من مراحل حياته، ونبّه إلى تواصله مع أصحاب المشاريع الفكرية التي عاصرت نبوغه الفكري وإصلاحاته السياسية، إضافةً إلى العديد من الدراسات التي سجلتها أقلام الراصدين لحركات الإصلاح ودعوات التحرر من أبناء الأمة الإسلامية في مطلع القرن العشرين وما تلاه من عقود.

- مجموعة مقالات هامة على صفحات مجلة الرسالة، منها ما تعرض لكتاب الرسالة الخالدة لعبد الرحمن عزام بالعرض والنقد، ومنها ما ركّز على التعريف والثناء على سجاياه الخلقية، ومنهجه العلمي، وكانت هذه المقالات بقلم الأستاذ عبد المنعم خلاف.

 

- ولد عبد الرحمن عزام في (21 شعبان 1310هـ/ 8 مارس 1893م) في قرية الشوبك الغربي التابعة لمركز العياط بمديرية الجيزة، وكان يقول عن نفسه في هذا الصدد: أنا فلاح ابن فلاح من مديرية الجيزة، وقضى بها السنين الأولى من عمره، وعندما سئل عما يذكره من هذه الفترة قال: وكل ما أذكره عن حياتي في تلك الأيام هو منظر المفتش الإنجليزي عندما كان يأتي إلى قريتنا... وكان مشهده يثير في نفسي الشعور بالألم والمرارة.

وهذا يدلل على وعيه المبكر بخطورة الاحتلال، ويفسر - في الوقت نفسه - اتجاهه إلى مقاومته داخل الوطن وخارجه، وبذْلِهِ نفسَه ومالَه في سبيل إزاحته عن كل شبر من أرض العروبة والإسلام.

- انتقل مع أسرته إلى حُلوان لإكمال دراسته، والْتَحَق بالمدرسة السعيدية، وفي تلك الفترة كان مغرمًا بالزعيم مصطفى كامل (1261- 1326 / 1874 - 1908م)، وممَّا يؤثر عنه أنه كان يحفظ خطاباته ويردد مقولاته، ومن فرط إيمانه بالدور الوطني الذي لعبه مصطفى كامل، جعل عبد الرحمن عزام مهمته كتابة شعاراته (بالطباشير) على جدران مدرسته وحوائط البيوت في قريته ليستنهض الهمم، ويوقظ في نفوس المصريين أسمى معاني الوطنية والتحرر.

وانطلاقًا من الوعي بالعمل الجماعي؛ انخرط في هذه الفترة مع لفيف من زملائه في إنشاء جمعية وطنية باسم (الرابطة الإسلامية)، جعلت من أهم أهدافها نشر آراء جمال الدين الأفغاني (1254-1315هـ / 1838-1897م)، والشيخ عبد العزيز جاويش (1293-1347هـ / 1876-1929م)، والزعيم مصطفى كامل.

كما أن تلك الفترة كانت شاهدة على تكوينه العلمي، الذي لعبت فيه مدرسة المنار دورًا بارزًا، من خلال أعلامها الأجلاء، حيث تأثر بكتاب (رسالة التوحيد) للأستاذ الإمام محمد عبده (1266-1323هـ/1849-1905م)، وكتابيْ (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة) لقاسم أمين (1820-1326هـ/1863-1908م)، ومقالات السيد رشيد رضا (1282-1354هـ/1865-1935م) عن الوحدة الإسلامية.

- عندما أتم الخامسة عشْرةَ من عمُره تُوفّي والده، ولم يُوَرِّثهُ إلا نزْرًا يسيرًا من الأرض والمال، لكنه ترك له سمعة طيبة، وصداقات احتاج إليها في بعض ساعات العسرة التي تعرض لها في منعطفات حياته، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية توجَّه لدراسة الطب في لندن، بعد إقناع أسرته بضرورة هذا الأمر، وتأتي دراسته للطب خطوة جادَّة في سعيه لتخلص بلاده من الأعداء الثلاثة (الفقر – الجهل – المرض)، وإنني أرى أن هذه القناعة التي امتلأت بها نفس عبد الرحمن عزام تتشابه مع قناعة المفكر الجزائري مالك بن نبي (1323-1393هـ/1905-1973م) المتمثلة في التخلص من القابليَّة للاستعمار، كمقدمة أصيلة للتخلص من الاستعمار نفسه، وفي هذه الفترة كوّن مع ثلة من زملائه جمعية أطلقوا عليها (أبو الهول)، مَهَمَّتُها دعمُ قضية التحرر الوطني، وقاموا باستضافة المناضل الوطني الزعيم محمد فريد (1868-1919م)، وقد أرشدهم إلى بعض الشخصيَّات الإنجليزية التي تتعاطف مع الموقف المصري، وقد التقى عبد الرحمن عزام بإحدى هذه الشخصيَّات، وهو الذي قال له: يا بني، لا تيأسوا، وصابروا؛ إن قضيَّتكم عادلة، والنصر فيها محقَّق لكم، وعليكم أن تقاوموا وأن تثابروا؛ حتى تعود إلى بلادكم حريَّتُها، وأنا على يقين أن الإنجليز سيخرجون من بلادكم التي احتلوها بغير حق.

- بعد انقضاء عام واحد من دراسة الطب في لندن، ترامت إلى مسامع عبد الرحمن عزام اندلاع الحرب في البلقان[1]، وارتكاب الصرب أبشع الجرائم في حقِّ المسلمين، وطردهم من ديارهم، وإطلاقهم إلى العراء؛ قرَّر عبد الرحمن عزام أن يطير إلى نصرة المسلمين، وأن يقوم بدور في هذه الحرب الجائرة، متطوعًا في صفوف المسلمين ضد الطغاة، وقد تعرض في سبيل ذلك إلى مخاطر جمَّة، كادت تودي بحياته، لولا أن الله سلّم، لكنه تغلب – بعون من الله – على كل الصعاب، واستطاع أن يسجل الفظائع التي تعرض لها المسلمون واليونانيون على أيدي البلغار.

- بعد هذه الرحلة عاد إلى لندن، وأكمل عامه الدراسي في كلية الطب، واشترك في مؤتمر بسويسرا، مطالبًا بحق مصر في التحرر والاستقلال.

- وعلى الرغم من أن حياته الاجتماعية توارت تمامًا في هذه الحياة الخشنة، التي عاشها مناضلًا ومدافعًا عن الأمة وقضاياها، إلا أنه ذكر زواجه من ابنة شيخ قبيلة، ذهب للصلح بينها وبين قبيلة أخرى؛ فكافأه شيخ إحداهما بزواجه من ابنته، ويقول عزام: إنه لم ير وجه عروسه إلا ليلة الزفاف!! ولم يمكث مع عروسه سوى تسعة عشر يومًا، ثم تركها ملبيًّا نداء الجهاد، وانقطعت أخبارها عنه، ثم عرف أنها ماتت وهي تضع ابنته التي أسماها أخوالها بـ (زينب)، ولم ير زينب إلا بعد عودته إلى مصر، وكان عمُرُها وقتئذٍ يقترب من الأربعة عشر عامًا!!

- وفي عام 1936م صدر قرار تعيينه سفيرًا لمصر في أربع دول مرة واحدة؛ وهي العراق وتركيا وإيران وأفغانستان، وذلك على خلفيَّة ما يتمتع به من حضور بارز في المحافل الدولية، وما حققه من تقريب بين وجهات النظر لصالح تحقيق الوحدة بين الشعوب العربية والإسلاميَّة؛ لتتحصل على استقلالها، وكان يرفع شعار ضرورة تحقيق الوحدة بين الشعوب لتنال استقلالها السليب.

- وفي صفحة ناصعة من صفحات الوعي الوطني، والاعتزاز بالرأي، يأخذنا عبد الرحمن عزام باشا في مذكراته إلى قرار تعيينه وزيرًا للأوقاف في عام 1939م من قِبل علي ماهر، الذي كانت تربطه به صداقة قويَّة، ولم يكن هذا الأمر ساريًا على رغبة عزام، إلا أن الحدث الأبرز في هذه الوزارة هو أن بريطانيا طلبت من مصر الدخول معها في الحرب ضد ألمانيا، وكانت حكومة علي ماهر بأكملها ترحِّب بهذا الطلب؛ طمعًا في تقوية موقفها العسكري، بما يجعلها ذات وزن تفاوُضي بعد انتهاء الحرب، أما عبد الرحمن عزام فقد رفض هذا الأمر بشدة، ودافع عن رأيه بكل جسارة، وجعله مشروطًا بقبول إنجلترا الجلاء عن مصر، ولما رفضت إنجلترا شرطه لم يتخاذل، بل استطاع بحكمته وتمسكه برأيه أن يحوّل حكومة علي ماهر إلى رأيه، وألَّا تدخل مصر في حرب ضد ألمانيا، وقد علمت دوائر صنع القرار الإنجليزية بما دبره عزام ضدهم؛ فقال السفير البريطاني: إن عزام لا يعمل لصالح بلاده، وإنما لديه ميول ألمانية، فغضب عزام أشد الغضب، وأبلغ صديقًا إنجليزيًّا يعمل في السفارة: إنني أريد أن تنقل للسفير الإنجليزي بالحرف الواحد قولي: إنني لا أخجل أن يكون لي ميولًا ألمانيَّة؛ لأن الألمان لم يكونوا في يوم من الأيام أعداءً لبلادي، ولكن الذي يخجلني حقًّا أن تقول عني أن لي ميولًا إنجليزية!

- يعتبر عزام أن النجاح الذي حققته مصر في عدم الانصياع لطلب الإنجليز بالاشتراك لصالحها في الحرب كان إرهاصًا للوحدة العربيَّة، لا سيَّما وأنه شجَّع بعض الدول على اتخاذ نفس الطريق، وشجّع البعض الآخر على الدخول في مساومات تحقق من خلالها مكاسب سياسية.

- لا يُذكَر عبد الرحمن عزام إلا وتُذكَر جامعة الدول العربية، ولا تُذكَر جامعة الدول العربية إلا ويُذكَر معها أمينها الأول عبد الرحمن عزام، وعلى الرغم من أن فكرة إنشاء الجامعة العربية كانت في أساسها بريطانيَّة، إلَّا أن عزام يرى أنه بالرغم من ذلك فإن الدول العربية تستطيع أن تطوّعها لخدمة مصالحها، وتحقيق الوحدة، وإجهاض نوايا الإنجليز في السيطرة على الدول العربية.

- وفي سبتمبر 1952م تقدم باستقالته من أمانة الجامعة العربية، على إثر خلافات حادة داخل أروقة الجامعة، بعد أن استطاع أن يُثبت للعالم كله مقدرة العرب على تجاوُز أزمة الاحتلال، ومن أهم الملفات الناجحة أنه وقف ضد مشروع تقسيم ليبيا، واعتمد في سبيل تحقيق ذلك على مساندة العشائر والقبائل في طرح خلافاتهم، وانطلق من قناعة ذاتيَّة كانت تحدوه في كبرى المشكلات؛ وهي أن الحل يكمُنُ في وَحدة الداخل، وليس في استجدائه من الخارج، وقد حاولت العديد من الشخصيات إثناءه عن استقالته، إلا أنه صمم عليها؛ فتقرر قبولُها من مجلس الجامعة، مع صرف مكافأة مالية قدرها ألفان وخمسمائة جنيه، فقام بتحويلها كاملة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

- عمل مستشارًا لجلالة الملك سعود، ولجلالة الملك فيصل، ولم يبخل بتقديم رُؤاه ونصائحه للقادة والزعماء؛ لما كانوا يجدونه عنده من رجاحة عقل، وسعة خبرة، وقدرة على التواصل مع مختلف الدول والشعوب.

- وفي عام 1962م شارك في مؤتمر لرابطة العالم الإسلامي، الذي عقد في مكة المكرمة، وظل على هذا النحو يناضل في ميدان الدعوة، حتى عاد إلى مصر واستقر بها عام 1974م.

- في (4جمادى الآخرة 1396هـ/ 2يونيو1976م)، وافته المنيَّة، وشُيِّعت جنازته من جامعة الدول العربية، ودفن بمدافن حلوان.

رحل عبد الرحمن عزام عن دنيانا، وترك ما يرقى إلى درجة الإجماع على أنه رحمه الله تعالى سياسي مخضرم، ومتحدث مفوّه، ومفاوض ماهر، ومحارب شجاع، أدَّى لوطنه وأمَّته ودينه ما يندر وجود مثله على مر الأيام.

رحمه الله، وأجزل له العطاء، وألحقه بالنبيين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.

مؤلفاته:

على الرغم من حالة الزخم السياسي، التي امتلأت بها حياة عبد الرحمن عزام، إلا أنه استطاع أن يُتْحِف المكتبة الإسلامية بأعمال قد تبدو أنها متواضعة من حيث الكم، لكنها تحمل أفكارًا ورؤًى تجديدية، لا تقل في قيمتها وروعتها عن نضاله السياسي، وكفاحه الميداني، وهذه الأعمال الفكرية تؤكد انتماءه الإسلامي، وتنبئ عن وعي بمصادر الإسلام الأولى، وإدراك لحاجة الإنسانية إليها.

وتتمثل هذه الأعمال فيما يلي:

1- كتاب الرسالة الخالدة، وقد صدرت منه عدة طبعات، آخرها ما أشرت إليها آنفًا، ضمن مشروع مكتبة الإسكندرية.

2- بطل الأبطال، وهو الكتاب الذي نقدم له.

3- مجموعة نفيسة من المقالات؛ ومنها:

- الفقر آفة البشر كيف عالجه الإسلام؟

- العرب أمَّة المستقبل.

- رسالة النقد حول الرسالة الخالدة.

- سعد زغلول كما يراه أربعة من الكتَّاب.

- الإمبراطورية العربية وهل آن لها أن تتحقق؟

- عودة الحرب في الجزيرة.

- التربية العسكرية وأثرها في الشعب.

- الوحدة العربية.

إضافة إلى مجموعة كبيرة من الخطابات والرسائل، التي أرسلها بحكم قيامه بمهامِّه، قبل إسناد أمانة جامعة الدول العربية وبعدها، وهي في جوهرها مؤشر صادق على ما كان يتمتع به من شعور تجاه وطنه وأمته.

[1] هي منطقة ثقافية وجغرافية تقع في الجزء الجنوبي من قارة أوروبا، في شرق شبه الجزيرة الإيطالية، و في الغرب أو الشمال الغربي من منطقة الأناضول. تُعرف أيضًا في بعض المصادر بمنطقة جنوب شرق أوروبا. تستمد المنطقة اسمها من اسم سلسلة جبال البلقان الممتدة من الغرب إلى الشرق، وتضم عدة دول هي: ألبانيا وكوسوفو وبلغاريا والبوسنة والهرسك وصربيا والجبل الأسود وكرواتيا وجمهورية مقدونيا واليونان.

من مقدمة تحقيق " بطل الأبطال"