عالم مجاهد محمد الخضر حسين -1-

 

يحلو لكثير من النقَّاد أن يُصنِّفوا المؤلفين طبقتين: طبقة العلماء، وهم أرباب البحوث العلمية في الفقه والتشريع والعلوم اللسانيَّة من نحو وبلاغة وتصريف، وطبقة الأدباء وهم أصحاب الآثار الفنيَّة من نثر بارع الصوغ صادق العاطفة، وشعر رائع المعنى دقيق التصوير، فإذا نظم العالمُ شعراً أو ألَّف الأديب مصنَّفاً علمياً، فقد سلك مسلك التكلُّف والافتعال، وربما دعم هذا التقسيم لديهم ما يشاهدونه كثيراً من ركاكة أشعار العلماء، وضحالة إنتاج الأدباء، وهذا حقٌّ في أكثر أحواله، ولكنه لا يمنع أن يوجد من الموهوبين من يبرزُ في الناحيتين على نحو يدهش ويروع.

أذكر أني كنت أقرأ كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الشهير علي ابن عبد العزيز الجرجاني فأجد الرائع المبدع من التحليل الأدبي والصوغ البياني مع الاستشفاف الملهم لأسرار الروح ونوازع  الوجدان، ثم أنتقل إلى ما رواه الثعالبي من شعر فأجد المطرب المرقص، مما يملك الوجدان دقَّة إحساس ولطافة مَنْزع، والرجل بعد قاضٍ فقيه يؤلف في الفقه والتشريع، ويحذق أساليب الاستنباط والقياس وقواعد الأصول ذات المنحى العويص! وتفوقه في الناحيتين المختلفتين دليل ملموس على أنَّ العلم لا يمنع الأدب؛ فقد يوجد من ذوي المواهب من يَطير بجناحين مُتعادلين فيحرز قصبَ السبق في مضماري العلم والأدب دون نزاع، ولقد كان السيد محمد الخضر حسين - رحمه الله تعالى - أحدَ هؤلاء دون جدال! 

فالرجل قاضٍ فقيه يكتب في الأصول والتشريع والتاريخ كتابة المتعمِّق الدقيق، وقد كان يُدرِّس لطلاب كلية أصول الدين أبواباً من السياسة الشرعية ويغوص فيها مَغَاصَ الأصولي الجدلي المتكلم النَّظَّار، ثم هو صاحب رسائل أدبية ومقالات تحليليَّة وديوان شعري يجعله في طليعة أرباب الفن الرفيع، ولا ندري كيف تأتى له ذلك، ومنشأه التعليمي بجامع الزيتونة في تونس إن استطاع أن يلهمه بصر العالم فلن يستطيع أن يورثه ذوق الأديب دون جهد جهيد!.

ولد الأستاذ بقرية من قرى الجزائر على حدود تونس، في أسرة تعتز بعراقة النسب وتفخر بمن أنجبت من العلماء والأدباء، وحين بلغ الثانية عشرة من عمره التحق بجامع الزيتونة طالباً، وأكبَّ على التحصيل والتلقي حتى نال الشهادة العالميَّة عن جدارة وتهيَّأ للإفادة العلميَّة كاتباً ومُدرساً وقاضياً.

وتسألني عن طريقة التدريس بجامع الزيتونة إذ ذاك فلا أجد أحسن مما قاله الأستاذ أحمد أمين في كتابه (زعماء الإصلاح) ص 148: (وعلى رأس هذه الكتاتيب جامع الزيتونة، وهو صورة مُصغَّرة من الأزهر في ذلك العهد، تقرأ فيه علوم الدين من تفسير، وحديث، وفقه، وعقائد، وعلوم اللغة من نحو، وصرف، وبيان ومَعانٍ، في كتب مُقرَّرة لها متون وشروح وحواشي ويقضي الوقت في تفهم تعبيراتهم وإيراد الاعتراضات والإجابة عنها، فالعلم شكل علم لا علم، والنتائج جدل لا حقائق، والناجح في الامتحان الذي يستحق أن يكون عالماً أقدرهم على الجدل، وحفظ المصطلحات الشكليَّة، أما الجميع فسواء في عدم التحصيل إذا مسوا الحياة الخارجية، فالمناقشة في أنَّ شرب الدخان حلال أو حرام، والغيبة أشدُّ حرمةً أم سماع الآلات الموسيقية، وخيال الظل تجوز رؤيته أو لا تجوز!).

ويقصُّ الأستاذ محمد الخضر حسين نفسه طريقة أحد أساتذته في التدريس فيقول عن شيخه عمر بن الشيخ - نقلاً عن مجلة الهداية الإسلامية جمادى الآخرة 1350هـ - : 

(أما أسلوب الأستاذ في التعليم فمن أنفع الطرق، كان يُقرِّر عبارة المتن ويبسطها حتى يتضح المراد منها، ثم يأخذ في سَرْدِ عبارات الشرح، وما تمسُّ الحاجة إليه من الحواشي والكتب التي بحثت في الموضوع لاسيما الكتب التي استمدَّ منها شارح الكتاب ويتبعها بالبيان جملةً جملةً، ولا يُغادر عويصة أو عُقدةً إلا فتح مُغلقها، وأوضح مجملها، بحيث يتعلَّم الطالب من دروسه كيف تُلتقط الجواهرُ للمعاني من أفواه المؤلفين زيادة عما يستفيده من العلم). 

ثم يقول عنه: (تلقيت عن الأستاذ رحمه الله تعالى دروساً من تفسير البيضاوي ودروساً من شرح التاودي على العاصميَّة، ودروساً من شرح الشيخ عبد الباقي على المختصر الخليلي، وكنت بعد أن استقال من منصبي الفتوى ونظارة الجامع أزوره كثيراً حرصاً على الاستفادة من علمه).

هذه الطريقة في الشرح والتلقين هي نفسها الطريقة الأزهريَّة القديمة التي نادى محمد عبده بوجوب إصلاحها، ودعا إلى نمطٍ آخر من الدراسة يهتم باللُّبَاب دون القِشْر. وأرجِّحُ أنَّ بعض أساتذة الزيتونة لم يكونوا من هذا الطراز؛ لأنَّ الشيخ الخضر في غضون مقالاته الكثيرة يتحدث عن أستاذه سالم أبو حاجب، فيرى نمطاً من العلماء الأفذاذ يهتمون بالحقائق الخالصة ويعملون على إحياء الوعي المجدِّد الناهض.

فهو مثلاً في دروسه كان يَستشهد على كلِّ كلمة لغويَّة ببيت من الشعر مما ينبئ بكثرة محفوظه الأدبي.

وزملاؤه إذ ذاك كانوا لا ينظرون إلى دواوين الشعر العربي نظرةَ تأمُّل واستيعاب، وأكاد أجزم أنَّ وجود هذا الأستاذ في حياة الخضر العلميَّة كان ذا أثر بعيد في اتجاهه الفكري، فهو الذي حدا به إلى البُعْد عن دائرة الحواشي والمتون والتقديرات، وهيَّأه لأن يَرِدَ التراث العلمي، من أصفى موارده في أمهات الكتب للشافعي، وابن حزم، والغزالي، والفخر الرازي، والشاطبي وأمثال هؤلاء من أفذاذ العلماء.

ولا تجد تعليلاً لنبوغ الخضر في حداثته، وتفوُّقه عن أقرانه غير صفاء مَورده، ودسامة غذائه الفكري، على حين يظلُّ بعض الزملاء في مصر وتونس مُولعين بكتب المماحكات، وحواشي المتون!.

تخرَّج الأستاذ في الزيتونة صحيحَ العلم واسعَ الأفق فصيح العبارة، وراعه أن يرى الاحتلال الفرنسي يأخذ بمقبضه الحديدي على أعناق المسلمين في أصقاع المغرب بشتى نواحيه: التونسية والجزائرية والمراكشية! فطفق يدعو إلى اليقظة والتحرُّر، وأنشأ مجلة: (السعادة العظمى)، لتوضِّح للقارئين مأساتهم الدامية، وتكشف تخلفهم الحضاري والعلمي، وبُعدهم عن تعاليم الإسلام، في مجتمع يقول الأستاذ أحمد أمين في وصفه ص 149: 

(جزء كبير من السكان بَدوٌ  لا يَعرفون من الإسلام إلا الشهادتين، ولا يصل إليهم شيء من علم إلا في بعض أماكن أنشأ فيها الصوفية زوايا تُعلِّم الناس شيئاً من الدين، وللجاليات الأجنبيَّة من فرنسية وإيطالية وإنجليزية مدارس تعلم أبناءها وقليلاً من أبناء البلاد اللغات والجغرافيا والتاريخ والحساب والجبر والهندسة، فتخرِّج من هم أقدر على فهم الحياة، فإذا انغمسوا فيها تحولت مالية البلاد إلى أيديهم، أما إدارة البلاد ففوضى، الحاكم حاكم بأمره، وأحبُّ الناس إليه من يجمع له المال من حِلِّه وحرامه، ولا ضبط في دَخْل ولا خَرْج، والعدل والظلم متروكان للمصادفات فإن تولَّى بعض الأمور عادلٌ عَدَل، وكان العدل موقوفاً بحياته – وقلما يكون – ونظام القضاء والجيش والإدارة والضرائب وجباية المال وإنفاقه على النمط العتيق البالي، وكثير من الأمور تُنَفَّذ بالأوامر الشفوية لا مرجع لها! ولا يمكن الحساب عليها!).

هذه حالُ تونس! وهي مُشابهة لأكثر أحوال الممالك الإسلامية في أواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن، ولو كان الأستاذ الخضر ممن يفكرون في ذواتهم الخاصَّة، لقنع بما أسند إليه من وظائف القضاء بالمحاكم والتدريس والخطابة بالزيتونة وغيرها من المدارس، وهي وظائف تضمن العيش الرغيد، وتوفر صعاب الرزق، بل إنَّها كانت عند بعض الوصوليين مدعاة التقرب إلى المحتلين إذ يَصيرون لعبة هَيِّنة في أيديهم، يصدرون عن آرائهم، ويمهدون لتمكين سيطرتهم بما يُلَفِّقون من تقريب وتمهيد!.

ولكن الرجل حي الضمير شديد الحساسية، فقد رأى الأجنبيَّ يحاول أن يطمسَ نورَ الشريعة عن عيون تَهيم بالإسلام، كما يبذل قوَّته الحاشدة لتشويه اللغة العربية والحكم عليها بالجمود والتقهقر، لينصرف الناس عن قرآنهم المجيد وأحاديث نبيهم الكريم، ثم تنقطع صلاتهم بأصحاب الذخائر العلميَّة الرائعة من ورثة الأنبياء وهداة المصلين!.

لذلك أنشأ صحيفة: (السعادة العظمى) على نمط: (العروة الوثقى) لتنشر محاسن الإسلام، وتفضح أساليب الاستعمار، وكانت خطَّة السيد منذ حمل لواء الدعوة في صباه إلى أن لقي الله تعالى في شيخوخته واضحة مفهومة، فهو يعتقد أنَّ فساد الأمم الإسلامية يرجع في أصحِّ أسبابه إلى انصراف المسلمين عن هدي الشريعة الإسلامية، ويرى أنَّ السيطرة الأوروبيَّة لم تملك زمام الأمور في الشرق إلا حين اعتصمت بالعلم واستضاءت بالعقل، وأنَّ الشلل العقلي لم تتمهَّد وسائله المؤسفة وأسبابه القاتلة في ربوع الحنيفية إلا حين استطاع الدخلاء أن يلبسوا الحق بالباطل، فيَصِمُوا الإسلامَ بما هو براءٌ منه من الجمود والتزمُّت والاستسلام، والأخذ بالخرافات والبدع والغيبيات المزعومة مما لم يأتِ به وحي سماوي، أو هدي محمدي!.

ولذلك كانت مهمة: (السعادة العظمى) شاقَّةً خطيرة، إذ أخذت تحارب القوَّة والمال والنفوذ بعزم واثق، وجهد صابر أمين!.

والرائع حقاً أنَّ الأستاذ - رضي الله عنه - قد ثبت على مُعتقده ثباتَ الأبطال في كل مكان رحل إليه، فهو في تركيا ودمشق وألمانيا والقاهرة شاباً وكهلاً وشيخاً هو هو في تونس يافعاً غضاً يُناهض الباطل بالحق، ويحاربُ الكفر بالإيمان، ومن يُطالع روائعَ قلمه، وبخاصَّة كتاب: (رسائل الإصلاح) بأجزائه الثلاثة يدرك يقينه الثابت بماضي الأمَّة الإسلاميَّة، فهو في كل مقال يخطه أو محاضرة يلقيها يلتمس الأدلَّة اليقينيَّة على مجد السلف، وعزِّ الأجداد، وكان ذلك أمراً لابدَّ له أمام مَزاعم الاستعمار وأذنابه ممن يرون في الشرق كل تأخُّر وفي الغرب كلَّ تقدم وازدهار. 

ويمكننا أن نستعير بعض ما كتبه السيد في مقدمة كتابه: (نقض الشعر الجاهلي) ليرى القارئ إجمال دعوة الرجل مُوجزاً بقلمه البليغ. 

قال الأستاذ: (نهضت الأمم الشرقيَّة فيما سلف نهضةً اجتماعية ابتدأت بطلوع كوكب الإسلام، واستوثقت حين سارتْ هدايتُه سَيْرَها الحثيث، وفتحت عيون هذه الأُمم في طريقة الحياة المثلى، سادت هذه النهضة وكان لها الأثر الأعلى في الأفكار والهمم والآداب، ومن فروعها نهضة أدبيَّة لغوية جعلت تأخذ مَظاهرها العلميَّة لعهد بني أمية، واستوت على سُوقها في أيام بني العباس.

تمتَّع الشرقُ بنهضتيه الاجتماعيَّة والأدبيَّة حِقَباً، ثم وقف التعليم عند غاية، وأخذ شأنا غير الشأن الذي تسمو به المدارك، وتنمو نتائج العقول، فإذا غفوة تدبُّ إلى جفون هذه الأمم، ولم تكد تستفيق منها إلا ويدٌ أجنبيَّة تقبضُ على زمامها.

التفت الشرقُ إلى ما كان في يده من حِكْمة وإلى ما شاد من مَجْد، وإلى من شبَّ في مهده من أعاظم الرجال، أخذ ينظر إلى ماضيه ليميز أبناؤه بين ما هو من تراث آبائهم وبين ما يَقْتبسونه من الغرب، ويشعروا بما كان لهم من مجد شامخٍ فتأخذهم العزَّة إلى أن يضمُّوا إلى التَّالدِ طَريفاً، وليذكروا أنَّهم ذريَّة أولئك السراة فلا يرضَوا أن يكونوا للمُستبدين عَبيداً).

هذا هو المجال الذي انطلق فيه يَرَاعُ الأستاذ طيلةَ حياته، مجال التذكير بالأمجاد عن دراسة وتنقيب وكشف الخداع عن بَهَارِج الغرب في استشفاف ونفاذ، ووضع العلاج لأدواء الشرق في بصر وتشخيص!.

وقد ألحَّ في ذلك إلحاحاً جعل فريقاً من المؤرخين يَفْهمون رسالته الإصلاحيَّة على غير وجهها الصحيح؛ فالأستاذ (ولفريد كانويل سميث) أستاذ الدراسات الإسلاميَّة بجامعة مونتريال بضع كتاباً عن الإسلام في التاريخ الحديث، يتعرَّض فيه إلى مجلة الأزهر مُوازناً بين رئيسي تحريرها السابقين: محمد الخضر حسين، ومحمد فريد وجدي، فيجعل الأول ممثلاً للمدرسة السلفيَّة فقط، والثاني مجدداً عصرياً تسير طريقته في التجديد على قواعد المعرفة الحديثة. وهذا شطط بالغٌ تنبَّه إليه الأستاذ العقَّاد حين تعرَّض لنقد الكتاب، فقال نقلاً عن مجلة الأزهر رجب 1381هـ : 

(ويقول صاحب الكتاب في مُقابلته بين الشيخ الخضر، ومنهج الأستاذ وجدي أنَّ أولهما يَعتبر الإسلام وحياً تاماً قد تنزَّل على صورته الكاملة منذ عصر الرسالة المحمدية فلا إضافة إليه، ولا زيادة عليه،  ولا تحوير فيه، وإنما الإيمان بالإسلام هو الذي يحتمل القوَّة والضعف، كما يحتمل زيادة المعرفة أو النقص فيها، أو يحتمل المراجعة من عصر إلى عصر لتفقد الآثار العصرية فيه، وليس الأستاذ الخضر كما يرى المؤلف من أنصار الحنين إلى الماضي، بل هو من أنصار الدعوة التي لا زمان لها؛ لأنها صالحة لكل زمان، ومهما تتجدَّد مَذاهب المعرفة فالمسلم يُسلِّم أمرَه إلى إرادة الله كما هدته معارفه إلى فهم تلك الإرادة الإلهيَّة بالدرس والإلهام. وقد تساوى في نظر الشيخ الخضر كلا الطرفين من المسلمين في الحاجة إلى التصحيح والإصلاح، وهما – على تعبير المؤلف – طرف اليسار من المتعلمين الذين جاوزوا حدود الإسلام، وطرف اليمين من الجامدين وأتباع الطرق الصوفية الذين ضيّقوا حدوده عليهم وإن لم يجاوزوه).

ولم يسكت المستعمرون الفرنسيون عن صاحب السعادة، وقد أقض مضاجعهم بما ينادي به من استقلال وإصلاح، فآذوه وناوؤوه، وحكموا عليه بالإعدام، حتى اضطر إلى الفرار إلى الآستانة واهماً أن مجال الإصلاح بها أوسع وأرحب، ولكنه فوجئ بانهيار آماله حين وجد عاصمة الخلافة الإسلامية مسرحاً للدسائس المغرضة والمؤامرات الرخيصة، وأن من يجعلون أنفسهم رجال الدين هناك لا يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة، بل لا يتناهون عن مُنكر يفعلونه، فهو يحيكون المكائد بالليل، ويفسرون المنامات، ويقرؤون الكفّ بالنهار، على أنهم يضيقون بكل عالم مُصلِح يصدع بالحق، وينادي باليقظة والاستبصار.

فهاجر الرحَّالة الصابر المُحتسب إلى دمشق، وحرص على البقاء بها مدرساً للعربية في المدرسة السلطانية، ولكن مبادئه تهتف به أن يُسهم بنصيبه في البعث الإسلامي، فيكتب ويخطب ويدعو، ثم يسافر إلى ألمانيا فيلتقي بالأحرار من أنصار الفكرة الإسلامية أمثال محمد فريد، وعبد العزيز جاويش، وعبد الحميد سعيد، ويعملون جميعاً على استقلال الدول الإسلامية أمداً طويلاً في وطأة الحرب العالمية الأولى، وبين طلقات المدافع وأزيز الطائرات، في مسرح جهنمي يشيب له الرؤوس!.

ثم يعود إلى دمشق ثانية، فيواصل التدريس بالدار السلطانية ويقرأ كتاب مُغني اللبيب، ليكون فيما بعد أساساً لمؤلف نحوي بلاغي شامل، حتى إذا ختمت الحرب، وأسرعت فرنسا باحتلال الشام، رأى نفسه مضطراً إلى الهجرة بنفسه، فراراً من هؤلاء الذين حكموا عليه بالإعدام في تونس، يسابقه جهاده، ورائعة نضاله، فيمّم وجهه شطر الديار المصرية، ليصبح له فيها شأن جديد.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

 

وإلى التتمة في الحلقة الثانية من ترجمة هذا الشيخ العالم، وفيها الحديث عن بعض كتبه، وطرف من أعماله وتضحياته في الدعوة إلى الله. 

 

المصدر: (مجلة الأزهر)، السنة الثانية والأربعون، محرم 1390 - الجزء 1 .