طرفة عن قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم)

ربما لم يسمع كثيرون عن الدكتور محجوب ثابت؛ السياسي والبرلماني المصري، والطبيب الذي درس الطب في باريس وجنيف، وعينه سعد زغلول للتدريس أستاذًا للطب الشرعي بالجامعة المصرية، فكبيرًا لأطبائها!

كان محجوب ثابت صاحب ندوة مشهورة يؤمها كبار شخصيات مصر سميت: بعكوكة محجوب ثابت، وكان صديقًا لشاعر النيل حافظ إبراهيم، ولأمير الشعراء أحمد شوقي، وقد ورد ذكره في العديد من قصائد شوقي، التي كان بعضها مداعبة له، وكان ثابت -رغم إجادته للفرنسية التي درس الطب بها- يحرص على الحديث بالعربية الفصحى.

وهو زفتاوي الأصل مثلي، من أسرة آل (عبد الدايم) من قرية ميت الحارون، إحدى قرى زفتا، في  محافظة الغربية، وقد كُتب عنه كثيرًا، ودوَّن عنه عدد من كبار أهل السياسة والأدب في مصر، ومنهم دولة محمود فهمي النقراشي باشا رئيس مجلس الوزراء، وصفية زغلول، زوجة سعد باشا، والدكتور العميد طه حسين، والدكتور علي إبراهيم باشا، وعبد الوهاب بك عزام، وعبد الرحمن بك الرافعي، وبلدياتي بسيوني بك كشك، وخليل بك مطران، وأحمد بك شوقي، الذي كتب فيه (محجوبيات) ومحمد كرد علي بك، والعبقري على مصطفى مشرفة باشا، والأستاذ فتحي رضوان، والشيخ عبد العزيز البشري، وغيرهم!

زاره أمير الشعراء يوما صديقه الدكتور محجوب ثابت في عيادته/ ثم انقطع عن تكرار الزيارة فثار فضول محجوب ثابت/ وسأل صديقه عما إذا كان يخشى عدوى من المرضى/ فأجابه: يا ليت/ ولكنها البراغيث التي ملأت العيادة:

وأثار الأمر قريحة أحمد شوقي صديقِ محجوب ثابت/ فتدفقت بهذه الأبيات:

براغيث محجوب لم أنسها *** ولم أنس ما طعمت من دمي

تشق خراطيمها جوربي *** وتنفذ في اللحم والأعظم

قد انتشرت جوقة جوقة *** كما رشت الأرض بالسمسم

ترحب بالضيف فوق الطريق *** فباب العيادة فالسلم

وقد كان د. محجوب ثابت يكثر من استخدام حرف القاف في كلامه، بمهارة لافتة، فكتب فيه شاعر النيل حافظ إبراهيم رحمهما الله:

يُرغي وَيُزبِدُ بِالقافاتِ تَحسَبُها *** قَصفَ المَدافِعِ في أُفقِ البَساتينِ

مِن كُلِّ قافٍ كَأَنَّ اللَهَ صَوَّرَها *** مِن مارِجِ النارِ تَصويرَ الشَياطينِ

قَد خَصَّهُ اللَهُ بِالقافاتِ يَعلِكُها *** وَاختَصَّ سُبحانَهُ بِالكافِ وَالنونِ

كتب عنه شيخ الظرفاء عبد العزيز البشري (وهو من أفكه من كتب عن دكتور محجوب ثابت في

 كتابه: في المرآة): جُزت بداره مرة، فرأيت بنتين صغيرتين تتلاعبان، فقالت إحداهما للأخرى: هذا بيت الدكتور، فسألتها: ومن الدكتور؟ فقالت لها: ألا تعرفين الدكتور الذي يقول يا بنت هاتي القِبرة! «الإبرة»

وحتى زُعم عنه أنه رأى مظاهرة، فقال لمن معه: أقبل قبل أن يقبلوا، ويقبضوا علينا، ويدقوا أعناقنا!

ولما عابه أحدهم، وذكّره بأن إفراطه في استخدام حرف القاف في كلامه، نوع من تنافر الحروف والكلمات؛ رد بذكاء قائلًا: وما لي لا أستخدم القافات، وقد استخدمها القرآن الكريم متتابعة؟

واندهش صاحبه/ فسأل: وأين هذا؟

فقال: ألم تقرأ قوله تعالى في سورة المائدة:

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ولا تعليق!