صديقي الشيخ مجد مكي


نبهني السيد (فيسبوك) كما هي عادته الكريمة، بذكري مولد صديقي الشيخ مجد مكي، أبي أحمد وموفق، وهل أريد أن أرسل له رسالة تهنئة، أو أكتبها على يومياته، ولاعتبارات نفسية يدركها المتقدمون في السن رويدا أمثالي، لم أرد أن أكتب أيهما، إذ إني أراه أكثر شبابا مما أخبرني (فيسبوك) بكثير. 
ثم فوجئت بصديق صديقي وبلديِّه الأستاذ عبد الله زنجير، يكتب منشورا عن الشيخ مجد، فكتبت تعليقا، وتنبهت إلى أن عليَّ أنا أيضا الكتابة عن صديقي الشيخ مجد. 
وكلمة صديقي هذه، فيها شيء من الحقيقة، وشيء من التجوز.
أما الحقيقة، فهو صديقي وزميلي في العمل، الذي أستصبح بطلعته البهية كل يوم عمل، فيمر علي محييا، أو أمر عليه. 
وهو كذلك أول صديق لي على موقع (فيسبوك)، والذي كثيرا ما يرسل لي تنبيها - إشارة - بمنشور على صفحته، أو منشور أعجبه لأطلع عليه، وكثيرا أيضا ما أكون قد ضغطت إعجابا (like) على منشوراته قبل التنبيه، ثم أعود أضغط إعجابا على التعليق الذي أدرج اسمي فيه.
وهو صديقي الذي كلما حدثته في الهاتف، وسألته عن أحواله، أجاب بهذه العبارة الجميلة اللطيفة: أنا مشتاق إليكم. 
وأما التجوز في كلمة صديقي، فلأن الشيخ مجد بمقتضى طبقات الرجال، هو في طبقة مشايخي، لا أقراني، وكذلك هو بمقتضى العلم والشهرة والتأليف.
هو مجد اسما وصفة، وقد درسنا في الصف الرابع الثانوي أن الوصف بالمصدر على خلاف الأصل، وتأويله على ثلاثة أوجه: التأويل بمشتق كاسم الفاعل، فمجد أي ماجد، أو على تقدير مضاف، ذو مجد، أو للمبالغة في الصفة، أقيم المصدر مقام اسم الفاعل، فهو المجد مجسدا. 
رأيت الشيخ مجد مكي أول ما رأيته في ملتقى تلاميذ القرضاوي 2007م بالدوحة، وقد ألقى كلمة موجزة مركزة عن الشيخ القرضاوي، والبلاغة الإيجاز كما يقولون، ولا شك قد نسيت كلماتها ومضمونها، غير أني لم أنس صفتها، كونها كلمة فصيحة رشيقة صادقة، تسر السامعين، وتأخذ بألبابهم. 
ثم رأيته في ثنايا الملتقى كما هي عادته دائما، مقبلا على الناس، حريصا على التعرف عليهم، والتودد إليهم، وتبادل الأرقام والعناوين للتواصل معهم فيما بعد. 
إنه صديقي السوري الحلبي الأول، الذي أطلُّ على سوريا الشقيقة وحلب الشهباء من نافذته، حتى لو سألتني عن صفات أهلهما، لذكرت لك صفاته الكريمة، وإن كنت لست صديقه المصري الوحيد. 
وقد أتاحت له سوريته، أن يتصل بكبار مشايخ سوريا: مصطفى الزرقا، وابنه أنس مصطفى الزرقا، وعلي الطنطاوي، وعبد الله علوان، وعبد الرحمن حبنكة الميداني، وعبد الحميد طهماز، وعدنان زرزور، وغيرهم كثير. 
خرج من سوريا وهو في العشرينات، دون جريرة ارتكبها، مثل الآلاف وعشرات الآلاف غيره، وجاور بمكة، فأتاحت له مجاورته بمكة، بلد الله الحرام، ومقصد الحجيج، ومهوى الأفئدة، ومهبط الوحي، أن يتعرف على أعداد لا تحصر من علماء العالم الإسلامي وغير الإسلامي. فقلَّ عالم معاصر ذكرته له، إلا وقال: رأيته، أو لقيته، أو أعرفه، أو أعرفه تماما. 
هذا مع قدرة على تذكر الأسماء، وتلقائية في النفاذ إلى القلوب. تراه بعد يوم من تعرفه على الناس، وكأن له بهم صحبة قديمة. 
يقبل الشيخ مجد أصدقاءه على علاتهم، ويبقي على الصداقة، حتى إن صدر منهم في بعض الأحيان ما يكره. 
ذو نشاط وهمة وحيوية، يتطرق الحديث بينكما فيخبرك بغير قصد عن مجلس سماع بعد الفجر، أو جلسة علمية أسبوعية بعد المغرب، أو صالون ثقافي شهري بعد العشاء. 
له معرفة واسعة بالتراث ومحققيه، والكتب ومؤلفيها، والطبعات وناشريها، والأسانيد ومجيزيها، كما له دقة في المراجعة والتصويب، وتميز في العنونة والتبويب، وعناية خاصة بالتنسيق والترقيم، وخط جميل كخط عدد من المشايخ الكبار. 
وقد حاز نصيب الأسد ممن قدم لهم شيخنا الشيخ القرضاوي كتبهم، فقد كتب له وحده مقدمات ثلاثة على الأقل لكتبه، وذكره الشيخ وشكره على جهده في أكثر من كتاب له.
كتب الشيخ مجد تراجم كثير من العلماء المعاصرين، واهتم بآثارهم، ويستحق أن يكتب عنه، وأن يترجم له. 
كل عام وأنت بخير، أيها الرجل، الحسن الخَلق والخُلُق، الأبيض الوجه والقلب، الهين اللين، الأليف الألوف، السهل المحبب، العالم المتواضع، كل عام وأنت بخير يا صديقي. 
أسأل الله أن يمد في عمرك، ويحسن في عملك، ويوفقك لما يحب ويرضى.
آمين