شمول الإسلام

شمول الإسلام

 

يوسف القرضاوي

التقديم للبحث:

في صيف عام 1966م التقيت مجموعة من الإخوة في الأردن في صورة مخيم بالمدرسة الإسلامية بمدينة «إربد» في لقاء مطول تحدثت معهم عن «الأصول العشرين، للإمام حسن البنا» ودلالاتها النظرية والعملية، وكان هذا سببا في المزيد من التحريض لي على الوفاء بما وعدت به من شرح هذه الأصول.

وبالفعل كتبت فصولا متعددة في شرح بعض الأصول ولكنها لم تكن مرتبة، وعندما عادت مجلة «الدعوة» القاهرية للظهور مرة أخرى بإشراف الأستاذ عمر التلمساني أوائل السبعينات، شرعت أنشر فيها بعض ما كنت أعددته من شرح، مبتدئا بالأصل الأول الذي يتحدث عن (شمول الإسلام) بوصفه نظاما كاملا للحياة ... وبعد جملة أعداد توقفت عن الاستمرار.

ومنذ سنوات ألحَّ عليَّ بعض الإخوة أن أنظم معهم جلسات علمية هادئة، أشرح فيها هذه الأصول أصلا أصلا، وأتلقى الأسئلة حولها على أن يسجل هذا الشرح في أشرطة كاسيت وأن توزع في نطاق محدود إلى أن يوفق الله للشرح المكتوب والمنشود..

وتم هذا الشرح مسجلا في خمسة عشر شريطا، عني بعض الإخوان بنشرها في شتى القارات، وعلى نطاق أوسع مما كنت أظن، ونفع الله بها كثيرين في المشرق والمغرب!.

وطلب إليَّ بعض الناشرين أن يفرغوها وينشروها على ما هي عليه، ولكني رفضت ذلك، حتى لا يثبطني ذلك عن إكمال الشرح التحريري المطلوب.

وقد ظهرت في السنوات الأخيرة عدة شروح لهذه الأصول أعتقد أن أهمها هو شرح شيخنا الشيخ محمد الغزالي، الذي سماه (دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين)، وهو ما جعلني أتكاسل بعض الوقت عن إتمام كتابي، ثم شرح الله صدري لاستكمال ما بدأت به، إذ لا مانع من تعدد الشروح، ولكل شيخ طريقته كما يقولون، وكم رأينا لعلمائنا المتقدمين من شروح عدة لكتاب واحد، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل.

وشرحي هذا يهتم بالتأصيل والتفصيل والتدليل، ويركز على شرح الأفكار أكثر من التركيز على شرح الألفاظ وبخاصة ما كان مجهولا أو غامضا لدى بعض الناس، أو ينازع فيه منازعون، أو يشكك فيه مشككون، أو يرتاب فيه مترددون، مجتهدا أن أرد الأمور إلى جذورها من علومنا الإسلامية الأصيلة، محتكما إلى النصوص المحكمة، والقواعد الضابطة للفهم والاستدلال، ولا سيما مثل علم أصول الفقه، وأصول التفسير، وأصول الحديث؛ وما تفرق من الأحكام والمبادئ الهادية في مختلف المعارف والعلوم، ومستأنسا بأقوال من الراسخين من العلماء في شتى التخصصات، ومن شتى المذاهب غير متعصب لمدرسة معينة، ولا لمذهب معين، مستمدا العون والتوفيق من الله - جل جلاله - فقديما قال الشاعر:

إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده!

هذا ... ومن المقترحات التي لقيت قبولا عندي ما عرضه بعض الإخوة من نشر ما تتم كتابته من شرح هذه الأصول في صورة رسائل متتابعة، كل رسالة تتضمن أصلا واحدا أو أصلين، ثم ترتب بعد ذلك في كتاب من جزأين أو عدة أجزاء.

وها أنا أتوكل على الله عز وجل، وأصدر الرسالة الأولى عن الأصل الأول داعيا الله تعالى أن يسدد خطانا، ويرزقنا التوفيق لإخراج سائر الأصول، وأن يغفر لنا ما يزل به الفكر أو القلم.


لتحميل الملف .. اضغط هنا