شباب على طريق الإلتزام

أحمد الشقيري

يقول صلى الله عليه وسلم : "إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق". مع الأسف هناك الكثير من الشباب، وأنا كنت واحداً منهم لم نوغل في هذا الدين برفق، وإنّما تحمسنا ومع الحماس – بالإضافة إلى أنّ الواحد كان يريد أن يعوض تقصيره – أوغلنا، ولكن ليس برفق بل باندفاع وهذا التوغل في الدين بالاندفاع يؤدي إلى عواقب وخيمة، وقد يؤدي إلى فهم خاطئ للدين؛ لذلك أقدم لكم عصارة تجربتي في طريق الالتزام، سأقدم لكم خمسة محاذير أتمنى من كل شاب وشابة يريدان أن يلتزما الطريق الصحيح أن يحذرا من هذه الأمور ليكون التدين وسطياً صحيحاً سليماً.
 
قال صلى الله عليه وسلم : "هلك المتنطعون – قالها ثلاثا وهم المتشددون".
 
1- إذا وجدت نفسك بعد تدينك بدأت تفتي من عندك فاحذر..
الفتوى تحتاج إلى علم عميق في اللغة العربية، وفي فقه الأولويات، وفقه الواقع والقرآن الكريم والحديث، علوم كثيرة تحتاج إلى سنين وسنين، ليس كل من قرأ كتاباً يفتي.. فبالتالي ينبغي على المتدينين حديثاً، أن يحذروا من الفتوى وكل ما يستطيعون القيام به في هذه المرحلة هو أن ينقلوا كلام العلماء وحتى هذه فيها حذر فينبغي حسن اختيار العلماء.
2- إذا وجدت نفسك أنك بدأت تكفر الناس، تقول هذا كافر وهذا مشرك وهذا صوفي وهذا وهابي وهذا من الإخوان فاحذر.. فالرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: "مَن كفر أخاه فقد باء بها أحدهما".
ثمّ لماذا أصلاً المغامرة في مثل هذه الأمور؟ دع هذه الأمور لله سبحانه وتعالى يحكم فيها يوم القيامة.
* قال حكيم: "أصعب الأمور أن يعرف الإنسان نفسه، وأسهلها أن يعظ غيره".
3- إذا لاحظت أنك بعد التزامك بدأت تهمل مظهرك، وتهمل شكلك ولبسك ولحيتك وشعرك فاعلم أن فهمك للدين فيه خلل.
إذا كنت تعتقد أنّ هذه الأمور هي من الزهد، فهذا خلل فالله جميل يحب الجمال، ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم  أنّه كان يهتم بخمسة أمور لا يتركها في حضر ولا في سفر من ضمنها (السواك – المشط – المكحلة، المرآة) وكلها أمور لها علاقة بالجمال، فانظروا إلى حرصه صلى الله عليه وسلم حتى إنّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج لأصحابه كان دائماً يجلس أمام المرأة ويرى نفسه، ويصفف شعره لاهتمامه بمظهره، وعلى هذا فمن المفروض أن يكون الملتزمون خير الناس مظهراً. "عليكم من الأعمال ما تطيقون فوالله. لا يمل الله حتى تملوا"
4- إذا كان إلتزامك يجعلك تشعر أنّك خير من باقي الناس، وأنك أصبحت وليّاً من أولياء الله وأن كل الناس عاصون ومذنبون وهالكون وأنت الناجي فاحذر، إن تدينك مغشوش!
المفروض أنّ التدين يزيد من التواضع، فكلّما زاد تدينك زاد تواضعك وليس غرورك واحتقار الناس.
أذكر هنا كلمة جميلة لأحد العلماء حيث يقول: "رب ذنب أورث ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عُجْباً واستكباراً"، هذا الكلام معناه أن تقضي ليلك في ذنب ثمّ تستيقظ وقد أحسست بالندم والذلة والانكسار وتبكي وتشعر أنك أسوأ الناس وتشعر أن كل الناس خير منك، هذا الذنب خير من أن تقوم كل الليل في الصلاة ثمّ تستيقظ وتشعر أنّك ضمنت الجنة، وتشعر أن كل الناس أسوأ منك، وأنت خير منهم وتستكبر عليهم، فاحرص، أن يزيدك تدينك تواضعاً لخلق الله.
 
قال صلى الله عليه وسلم: "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
5- إذا وجدت أنك بعد التزامك ساءت أخلاقك فاحذر!..
فما فائدة التدين الذي يسيء الأخلاق؟
فالعلم الحقيقي، والتدين الحقيقي، هو الذي ينعكس إيجابياً على خلق الإنسان.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر: كتاب خواطر (2)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين