سيماء المرأة في الإسلام

سيماء المرأة في الإسلام

(بين النفس والصورة)

فريد الأنصاري

 

التقديم للبحث:

هذه رسالة صغيرة في سلسلتنا الدعوية: (من القرآن إلى العمران) أسرعت بإخراجها بهذا الاختصار وقد كان العزم معقودا على بحث أطول يستوعب قضايا ومباحث أوسع لكن شدة الصدمة وسرعة الانهيار التي آل إليها وضع المرأة المسلمة في هذه الأيام والسقوط الخلقي الذي تعدى الشباب إلى الأطفال والتسابق نحو إعلان الفواحش في الشوارع والطرقات على الملأ رغبة من الصناع الكبار للفجور السياسي في تطبيع المجتمع الإسلامي على التعهر وفقدان الشعور بالقيم الأخلاقية الأصيلة وسلخه من هويته وتجريده من كل مقومات المقاومة والصمود؛ تجاه الحضارات الأخرى الغازية؛ كل ذلك جعلني أسرع بإخراج هذه الورقات في كلمات قلائل؛ لكنها إن شاء الله كافية شافية!

 

لقد جعلت عنوان هذه الرسالة: (سِيمَاء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة). و(السّيمَاء) و(السيمِيَاء) هما بمعنى واحد كما سترى - وذلك محاولة الكشف عما ترمز إليه المرأة في الإسلام؛ نفساً وصورةٌ. فأما (نفسا) فاعتبارها (أنثى الإنسان) من الناحية الوجودية وأما (صورة) فباعتبارها هيأة خِلْقِيّة ذات تجليات مظهرية خاصة؛ وما حلاها - لذلك - الإسلام به من لباس تتحقق إسلاميته بشروطه ومقاصده الشرعية. وما معنى ذلك كله (النفس والصورة) من الناحية السيميائية وما دلالته التعبيرية من الناحية التعبدية؟ إننا ننطلق من مبدأ قرآني عظيم: وهو أن لا شيء من موجودات هذا الكون الفسيح إلا له دلالة سيميائية، ومعنى رمزي لوجوده. وهو مسمى (حكمته) الخلقية.

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ *}

فما خلق الله شيئا وما جعله؛ ولا شرعه؛ إلا لحكمة هي مغزى وجوده أو جَعْلِه أو تشريعه. ومن هنا كان من أسماء الله الحسنى اسمه تعالى: (الحكيم). فهو سبحانه (حكيم) حَلّْقَاً وتشريعا. فإرادته الخلقية التكوينية وإرادته التشريعية التكليفية؛ كلتاهما لا تتصرف إلا بحكمة بالغة. فخلق الأنثى على هيئتها كان بإرادته التكوينية وسترها - تكليفا بحدود معلومة من اللباس - كان بإرادته التشريعية. وكل ذلك من حكمة الخالق جل وعلا. وجماع ذلك كله أنه سيماء ربانية لحكمة بالغة. فكم هو شنيع خطأ أولئك الذين يظنون أن مسألة اللباس في الإسلام مسألة شكلية! وأي شكل في الوجود لا يعبر عن مضمون؟ بدءا بأبسط الأشياء حتى أعقدها! ودونك العلوم والفلسفات والحضارات عبر التاريخ» فانظر!

إن منطلق البحث السيميائي في اللباس الإسلامي ونتيجته أيضا كلاهما مرتبط بأصول العقيدة أساسا! سواء تعلق ذلك بالرجال أو بالنساء على السواء لكن لكل منهما سيماؤه الخاصة. وغلط من يحصر ذلك في مجال التشريع فقط!

ومن هنا يتبين مدى الخطر الذي تؤدي إليه (حركة التعري) من تدمير عقدي للإسلام! كما سترى بحول الله. إن واقع الأمة اليوم؛ في هذا المقتل الجوهري على جانب من الخطر عظيم. فلقد رأينا أن قضية اللباس بما ترمز إليه من دلالات سيميائية؛ هي حرب حضارية تشن على الإسلام؛ لتدمير مواقعه الوجدانية في بنية التدين الاجتماعي. إن ذلك يعني سحب البساط من تحت كل أشكال العمل الديني التجديدي في البلاد الإسلامية، وجعله يضرب في الفراغ سدى! فإِنْ كان في هذه الورقة من جديد تكشف عنه؛ فهو هذا.

نعم لقد سبق أن حذرنا من هذا الوضع من قبل منذ أن كانت ملامحه الأول في بداية تشكلها؛ عسى أن ينتبه أهل الشأن الدعوي إلى خطورة ما هم مقبلون عليه من تحديات لكن عندما يختل ميزان الأولويات ويضطرب تناسق التكامل في العمل الإسلامي؛ يكون توجيه الجهود إلى الجبهات الوهمية وتكون النتيجة: خسارة في بنية التدين الاجتماعي كما نرى ونشاهد! ولذلك فإننا الآن نفضحه! ونربطه بفلسفته وأيديولوجيته القائمة على نوع من (الزندقة العقدية) هي أشبه ما تكون (بحركة الزندقة) التي ظهرت في تاريخ الإسلام قديما. ولكننا الآن ههنا لن نعنى بهذا أصالة؛ بقدر ما نعنى ببيان النموذج الراشد لسيماء المرأة في الإسلام. ولنا بحول الله عودة في دراسة مقبلة» لظاهرة (الزندقة المعاصرة) تعريفا وتوصيفا. والله المستعان.

من هنا إذن؛ انطلقنا لتقديم هذه الورقة النذير لكشف خطورة ظاهرة التعري المسمي والنفسي التي تلتهم نارها اليوم الأخضر واليابس في المجتمع حتى امتدت ألسنة لهيبها إلى لباس الفتاة المحجبة ذاتيا مسخا وتحريفا؛ لتشكله على وفق الموضات والصيحات الإعلامية المتفجرة من معابد الشيطان في كل مكان!

إنني أخشى - إذا استمر صناع الخراب في صناعتهم - من نتائج عكسية لسياسة التفسيق لكنها نتائج لا توازن لها ولا انضباط هي الآن تتخمر في النفسية الاجتماعية. إنني أنذر برد فعل خطير رد فعل شعبي غير محكوم ولا موزون يطبعه الجهل وتغمره الفوضى! ينطلق على مدى متوسط؛ ضد موجة التفسيق المفروضة على البلاد والعباد التي تقودها الشرذمة المتطرفة، من اللادينيين الفرنكوفونيين والشيوعيين المدسوسين في بنية المؤسسات الرسمية والحزبية؛ استجابة لرغبة الفجور السياسي العالمي؛ واستجابة لنزوة الاستمتاع الشيطاني في الثقافة والمجتمع!

إن دراسة (سيمياء العري) ليست عملا سطحيا كلا! بل إن لها في الإسلام ارتباطا وثيقاً بجوهر النفس الإنسانية. كما أن لها جذورا قديمة في قصة الدين أي منذ بدء الخلق البشري كما وردت في القرآن العظيم؛ مما في مثل قول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف

فالعري له دلالة خاصة في الإسلام؛ كما أن اللباس له دلالة خاصة. فكلاهما تعبير عن حضارة معينة؛ عقيدةٌ ومنهج حياة!

يخطئ كثيرا أولنك السذج من المسلمين الذين يظنون أن ظاهرة التعري هي نوع من التحولات الاجتماعية البسيطة التي لا تمس جوهر الأمة بشيء من التغيير. بل نما – كما سترى إن شاء الله بدليله -- سيمياء فلسفية ترجع إلى تصور أيديولوجي معين مناقض لأصول المنهج الإسلامي في عرض مفهوم الحياة.

 

إن سيمياء التعري سيل من الحرب الحضارية التي تشنها اليهودية العالمية والمسيحية الصهيونية على الإسلام لتعريته ثم تدميره!

إن هذا الخطر الخلقي الداهم ليس له علاقة بتفسيق الشباب فقط» ولكنه مدمر لبنية التدين كلها! إنه استراتيجية عالمية خبيثة لغزو العالم الإسلامي على مستويات متعددة واحتلال الوجدان الإنساني فيه وتدمير شخصيته على المستويين النفسي والاجتماعي معا! وذلك أخطر أنواع الاحتلال وأشد وجوه الاستخراب!

إن المسلمين المشاركين في صناعة (الفجور السياسي) والمتعاونين مع سدنته الكبار من الأمريكان والفرنكوفونيين واليهود؛ إنما هم خونة! ففي مثلهم قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1 ١ النور). لقد خانوا الله ورسوله وخانوا الأمة كلها! وتعاونوا مع العدو.

تحميل الملف