سيرة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

الذي وافته المنية صباح اليوم 17/4/2021، فباسمي وباسم والدتي وإخواني وأخواتي أتقدم بأحر التعازي للعمة أم مصعب والإخوة عمار وأسامة وشقيقاتهما، فعظم الله أجركم وغفر الله لعمنا أبو مصعب وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(1940- 2021)

الاسم والولادة

هو شيخي الأستاذ الدكتور مصطفى محمد مسلم ينتهي نسبه إلى فخذ حجيان من عشيرة مقعان وهي إحدى عشائر قبيلة البرازي، ولد في 5/2/1940م بشيران (أرسلان طاش) كوباني (عين العرب).

نشأته وتحصيله العلمي:

بدأ الشيخ دراسته الابتدائية في شيران ، وكان من أساتذته في هذه المرحلة: الأستاذ أحمد شريف، الذي درس على المشايخ الكرد وبعض مشايخ حلب، دراسته على الطريقة القديمة ولم يكن يحمل أي شهادة، وكان من أهل القرية. والأستاذ توفيق بصمجي، الذي عيّن من إدارة التعليم في حلب، في القرية بشكل رسمي.

ثم انتقل في السنة الثالثة إلى بلدة كوباني (عين العرب) .

وكانت الشهادة الابتدائية تمنح في السنة الخامسة الابتدائية، فدرس الشيخ السنة الثالثة والرابعة والخامسة في كوباني ثم التحق بالخسروية، التي سميت فيما بعد بالثانوية الشرعية.

وكان من أبرز أساتذته في كوباني:

الأستاذ عبد الوهاب العباسي (فلسطيني) من صفد في اللغة العربية، وأخوه الأستاذ أحمد العباسي، والأستاذ محمد خليف أستاذ الرياضيات من دير الزور، والأستاذ جورج، وهو نصراني من حلب حيث حصل على الابتدائية سنة 1952م.

إلى حلب والمدرسة الخسروية

كان في بداية الأمر بعد الابتدائية يريد الالتحاق بالمدارس الحكومية العامة، ولم يكن يرغب في المدارس الشرعية لأن البيئة التي عاش فيها كانت بيئة أمية، وأغلب المثقفين –وهم قلة– كانت لا صلة لهم بالعلم الشرعي، بل كان أغلبهم يعادون الإسلام وكانوا يقولون: دارس الشريعة سيتخرج ولا عمل له فإما أن يكون إمام مسجد، أو مغسل أموات.

إلا أن رغبة والده الحاج مسلم أجبرته على الالتحاق بالخسروية، وكان الشيخ أحمد عزالدين البيانوني ناظرًا للخسروية، وكان صديقًا للحاج مسلم، بحكم تدريس البيانوني في شيران.

درس الشيخ في الثانوية الشرعية وتخرج بها سنة 1961 وكان من أبرز الشيوخ الذين درّسوه في الثانوية الشرعية: الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين (التوحيد، التفسير)، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة (اللغة العربية)، والشيخ محمد سلقيني (أصول الفقه)، والشيخ محمد الملاح (الفقه الحنفي)، والشيخ محمد نجيب خياطة (حفظ القرآن، الفرائض) والشيخ عبد الله سراج (الحديث)، والشيخ ناجي أبو صالح (الأدب)، الشيخ عبد الوهاب سكر (السيرة النبوية).

إلى دمشق وكلية الشريعة

التحق الشيخ بكلية الشريعة في جامعة دمشق، وبقي في دمشق أربع سنوات منتظمًا في الدراسة في كلية الشريعة ولازم خلالها زملاء أصبحوا فيما بعد علماء مشهورين في مجتمعاتهم: عبد الستار أبو غدة –الحلبي– ومحمد خير هيكل (الدمشقي) ونوح القضاة (الأردني) فشكلوا مجموعة رباعية، يلتقون في الأسبوع مرة أو أكثر على كتاب معين.

وكان من أبرز شيوخه في كلية الشريعة بجامعة دمشق: الدكتور مصطفى السباعي، الأستاذ عمر الحكيم، الأستاذ محمد المبارك، الدكتور مازن المبارك، الدكتور عبد الرحمن الصابوني، الدكتور فوزي فيض الله، محمد منتصر الكتاني، الشيخ مصطفى الزرقا، د. محمد أديب الصالح، د. وهبة الزحيلي، د. محمد أمين المصري.

ويقول الشيخ: (إن دراسته الجامعية في جامعة دمشق – كلية الشريعة – لم تضف على معلوماته شيئًا، وكل معلوماته كانت لما أخذها من الثانوية الشرعية – الخسروية – وما استفاده من زملائه في اللجنة الرباعية).

إلى السعودية.

التحق بالعمل في السعودية حيث عُيّن في نجران لمدة سنتين، ثم في الرس (القصيم) لمدة أربع سنوات، وفي الباحة لمدة ثلاث سنوات. وخلال هذه السنوات التسع كان أهل المنطقة يرجعون إليه في أسئلتهم واستفساراتهم، لعدم وجود مرجع علمي فيها، وكان من أشهر تلاميذه في هذه الفترة الشاعر الإسلامي السعودي عبد الرحمن العشماوي.

الماجستير والدكتوراة:

وخلال عمله في السعودية كان قد سجل في كلية أصول الدين جامعة الأزهر في القاهرة، وكان يتردد لتقديم الامتحانات والبحوث المطلوبة.

وكان من أبرز الشيوخ الذين درسوه في الأزهر: الشيخ السيد الحكيم، الشيخ محمد مصطفى التازي، الشيخ السيد أحمد الكومي، الشيخ علي خليل وكان من المشرفين على أطروحته في الدكتوراه، الشيخ محمد الغزلان.

وبعد حصوله على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة 1974م انتقل للتدريس في كلية الشريعة ثم كلية أصول الدين، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

بقي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1974/1997م، وأشرف على رسائل الطلبة في الماجستير والدكتوراه، إلى جانب الأنشطة الدعوية والطلابية.

ومن أبرز طلابه في جامعة الإمام: د. فهد الرومي حيث أشرف على رسالته في الماجستير، وأطروحته في الدكتوراه، د. ناصر العمر، د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري، د. عبد العزيز الخضيري وقد أشرف على رسالته في الدكتوراه، د. إبراهيم الهويمل أشرف على رسالته في الدكتوراه، د. إبراهيم الدوسري، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي الأردني، د. عبد السلام اللوح الفلسطيني، د. زيد عمر الأردني، د. عبد الوهاب الديلمي اليماني، د. محمد أياز الأفغاني، د. محمد عناية الله الهندي، د. زهراء التويجري، د. فلوة الراشد، وغيرهم كثير.

إلى جامعة الشارقة.

ثم انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، جامعة الشارقة، وبقي فيها من سنة 1997–2010 ومن أبرز طلابه في جامعة الشارقة: د. حمدة المهيري ود.سلامة سلطان.

وفي عام 2010 بلغ سن السبعين، فأحيل إلى التقاعد، ورجع إلى المملكة العربية السعودية، ليشترك في (موسوعة التفسير الموضوعي).

جهودة في الثورة السورية

بعد أن قامت الثورة السورية، وتحررت مناطق فيها من سلطة آل الأسد، ومنها منطقة الجزيرة شرق الفرات عين العرب (كوباني) الحسكة، القامشلي، الرقة، فكّر الشيخ في القيام بنشاط علمي ودعوي في مناطق الكورد خاصة وفي المناطق المحررة عامة.

فدخل إلى عين العرب عام 2013م، واجتمع بمسؤولي حزب (P.Y.D) وشرح لهم أنه خدم في مناطق كثيرة، وبسبب منعه من دخول سورية في حكم آل الأسد حرم من خدمة منطقته، ولم يقدم لهم شيئًا.

يقول الشيخ: (فسألوني ماذا تريد أن تقدم؟ فشرحت لهم بعض النقاط منها: تنظيم الوقف في المنطقة، وتطوير المعهد الشرعي ودعمه. وترميم المساجد، وبنائها في القرى التي تفتقر إلى مساجد،حلقات تحفيظ القرآن الكريم، في المدينة والقرى التي ترغب، افتتاح بعض الكليات الجامعية: مثل كلية الزراعة، وبعض المعاهد مثل المعاهد الصحية، إقامة بعض المشاريع الصغيرة: مثل: مشروع عشر شياه لكل بيت، أو مشروع بقرة لكل بيت، مشروع مصنع السجاد.

وبعد اتصالاتهم بقياداتهم العليا في قنديل، وغيرها منعوني من التفكير في مثل هذه المشاريع أو المجيء للمنطقة بقصد الدعوة.

فدرست الأوضاع لإقامة جامعة في القامشلي، فأفادني الأصدقاء في المنطقة أن المنطقة غير مهيأة لمثل هذا المشروع، فاتصلت ببعض الأساتذة في جامعة الفرات في الرقة، وجامعة الاتحاد فأبدوا استعدادهم للتعاون، ولكن الأحداث تسارعت، واستولت الفصائل المتطرفة على المنطقة، ففكرنا في منبج، فأفادني مجموعة من الدكاترة من أهل منبج أن البيئة مساعدة، وفصائل الجيش الحر ستساعد في ذلك، فكلفتهم بأخذ موافقات خطية من رؤساء جميع الفصائل الموجودة في منبج وضواحيها، فحصلوا على ذلك –ولا زلت أحتفظ بها– فقررنا فتح جامعة ابن خلدون في منبج، واستأجرنا دورًا في المعهد الشرعي لاتخاذه مقرًا للجامعة، وعملنا على تهيئة القاعات والغرف وغيرها للبدء بالتدريس، واستغرق ذلك أشهرًا. بقي أن نبدأ بالتدريس، وإذا بـ (داعش) تقتحم المنطقة وتستولي على مدينة منبج وضواحيها والطريق الممتد بينها وبين الرقة واتَّخَذَتْ المعهد الشرعي مقرًا للتدريب).

جهوده في التأليف والتصنيف

للشيخ الدكتور مصطفى مجموعة من المؤلفات القيمة أغنت المكتبة الإسلامية منها:

1- مباحث في إعجاز القرآن.

2- مباحث في التفسير الموضوعي.

3- مباحث في علم المواريث.

4- تربية الأسرة المسلمة في ضوء سورة التحريم.

5- المعجزة والرسول في ضوء سورة الفرقان.

6- معالم قرآنية في الصراع مع اليهود.

7- الثقافة الإسلامية.

يقول الشيخ لما كان في جامعة الشارقة: (كنت أقترح على الجهات التي لها صلة بالطباعة والنشر أن رسائل الماجستير والدكتوراه ينبغي أن لا تبقى حبيسة الأدراج ورفوف المكتبات، وعليهم أن يعملوا على نشرها لتعميم الفائدة).

وأثمرت جهوده في متابعة رؤيته في طباعة الكتب الآتية:

1- الزيادة والإحسان في علوم القرآن، لابن عقيلة المكي، المتوفى 1150هـ، وكان قد حقق خمس رسائل ماجستير في جامعة الإمام، طبع في عشر مجلدات.

2- الاختيار على كتاب (جامع البيان) في القراءات السبع، لأبي عمرو الداني، المتوفى 444 هـ، وكان قد حقق في جامعة أم القرى، فطبع في أربع مجلدات.

3- كتاب (الهداية إلى بلوغ النهاية) لمكي بن أبي طالب القيسي، المتوفى 437هـ، وطبع في ثلاث عشرة مجلدا.

4- وشارك الشيخ في وضع خطة لتفسير سور القرآن الكريم تفسيرًا موضوعيًا، وتم ذلك خلال خمس سنوات، اشترك في ذلك نيف وثلاثون أستاذًا مختصًا بالتفسير وعلوم القرآن، وطبع الكتاب تحت مسمى (التفسير الموضوعي لسور القرآن) في عشر مجلدات، ووزع في مؤتمر عالمي أقامته جامعة الشارقة في نهاية العام الجامعي 2010.

انجازه في تأسيس جامعة الزهراء

كان خلال هذه الفترة يقيم في مدينة (أورفة) التركية. فحاول جاهدًا أن يفتتح مؤسسة علمية في (أورفة) فلم يفلح، ثم تيسر له مكان صغير في (عنتاب) فانتقل إليها لافتتاح جامعة الزهراء في (عنتاب) سنة 2014.

ولا زال يقيم في (عنتاب) يدير أمور جامعة الزهراء التي أسسها( ).

أقول:

التقيت بشيخي الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم أول مرة في عام 2007 عندما جاء إلى جامعة الشارقة أستاذاًً وتطورت علاقاتنا بحكم العلاقة بينه وبين الوالد رحمه الله، رأيته عالماً متبحراً في التفسير وعلومه، متواضعاً هادئاً، يستمع لغيره أكثر مما يتكلم، يحترم آراء الآخرين.

تدارست مع مجموعة من الأساتذة والعلماء الأفاضل يترأسهم الدكتور مصطفى مسلم كتاب الكشاف للزمخشري على مدار أربع سنوات، وكتاب الزيادة والإحسان في علوم القرآن للإمام محمد بن أحمد بن عقيلة المكي على مدار سنتين.

كما درست على يديه علم المواريث والفرائض وأجازني فيها بتاريخ 8/6/2001م

وبعد انتقاله إلى تركيا تكررت زياراتي إليه، وكانت أخر علاقة علمية لي به مراجعته لكتابي أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية العراقي وتعديلاتها في إقليم كوردستان وقد كتب تقريظاً للكتاب كشهادة أعتز بها.

كتاب سير أعلام الكرد