سوانح الفكر في آيات الشروق والعبر

سوانح الفِِكَر في آيات الشُّروق والعِِبَر

للشروق والغروب آياتٌ بينات ،ودلائل مُعجزات ،فمشاهدها تُبهر الأنظار!! ومناظرها تُعجز العقول !!هي آياتٌ واضحات ٌ ،وحججٌ بيَِّناتٌ،ودلائل جليَّاتٌ نشهد عليها ...ونشهدها في كلِّ يوم ،في الصباحِ والعشيِّ،في الغُدوِّ والآصال، كلُّها تشهد وتشيروتُدلِّل على عظمة خالقها ومبدعها وفالق الإصباح ومنشئُ الضِّياء والنُّور فيها  لاإله إلاهو جلَّ في علاه سبحانه يقول المولى:

(فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشَّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم) الأنعام 96

آياتٌ مشهودة في الآفاق ،ومنظورةٌ في الأحداق  وكلُّها تشهد  بأنَّه الله  الخالق البارئ المصوِّرُ سبحانه ،وفي هذه الأوقات إبهارٌ وجلال ،وفي هذه الأوقات روعةٌ وجمال وبهاءٌ وروعة و في هاتيك الأزمنة أسرارٌ وأسرار ومناظر ومشاهد يعجز  الوصف في تسجيلها وجمالها وأطيافها التي حولها ببدعة مناظرها ،وروعة مشاهدها لتجد من يراها ويتدبر فيها  ينطق بكل خليةٍ من خلاياه لاإله إلا الله متمتماً بروحه وجوارحه ،مدندناً بقلبه وفؤاده جلَّ المبدع المصوِّر وتبارك الله أحسن الخالقين أجل وقد تأملت في كتابه الكريم فوجدتُ آياتٍ عديدة تُشير إلى هذه الأوقات العظيمة قبل شروق الشمس وقبل الغروب  وكذلك ورد بالغُدُّوِ والآصال ،وكُلُّها تُدلِّل على أهميتها  وأفضل مايُقال فيها ؟!

 فما سرُّ هذه الأوقات  ؟! وماذا تضم في أكنافها ؟! وما الذي تحويه من كنوز!؟

ففي سورة طه:

}وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا  وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} طه 13 وفي سورة ق

 }فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}  (39)بل وفي غير ذلك من مواضع في كتابه الكريم

وقد نظرت فيما أورد المفسِّرون الأجلاء في ذلك وقالوا إنها أوقات الصَّلاة مشيرين إلى صلاة الصُّبح وصلاة العصر وبعضهم يشير إلى الصَّلوات الخمس وكأنِّي أرى الأمر أعمَّ من ذلك وأشمل أجل لتحلّق في آفاق التسبيح والتَّهليل والتَّكبير للخالق المبدع العظيم في روعة المشاهد في تلك الأوقات فهو رب المشارق والمغارب لاإله إلا هو سبحانه  تجلت آياته في الآفاق فهي ليست مقصورةً على أوقات الصلوات بل الرقس برؤية هذه إلى عوالم وعوالم من التسبيح والتكبير والتهليل والتوحيد بلى إلى عوالم أرحب وأجل وأكبر  ونظرت في كتاب الله وفي سورة الرَّعد حيث  البرق الساطع والوميض اللامع فتذكرت الآية الكريمة بعد السجدة في هذه السورة والتساؤل المعجز والمبهر الذي يتحدث عن الظلمات والنور وعن الأعمى والبصير الأعمى الذي لايبصر الحقيقة رغم أنه يرى لكنه يريد أن يبقى في ظلمات الكفر والباطل وستر الحقائق حيث تبتدأُ بتساؤلٍ  فيها لإعجازهم وتبكيتهم يقول المولى سبحانه في سورة الرعد:

}قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا  قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ  أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ  قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16(}

وفي هذه الآية التَّساؤل المُفحم والاستفهام الاستنكاري المعروف إجابته وجوابه }قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} ليتبعه آخر على نفس المنوال وجوابه مفحم

}قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} !؟ لايستويان  ثم ليتبعه سؤالٌ جوابه واضحٌ كنور الشَّمس }أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ؟! أجل لايستويان ثم لإعجازهم وتبكيتهم جاء التساؤل الاستنكاري عليهم من اتباع الباطل

}أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} !؟؟؟ وهم أعجز وأعجز

ليأتي الجواب المبين والحق الأبلج والرد الواضح }قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }

لأعود للرَّعد وسورة الرَّعد ومن هذا الصَّوتُ المجلجلُ المُدوِّي بالحق عقب وميض البيان والبرق ومافيه من آياتٍ بيِّنات هي رعود الحق ودويٌ في آذان أهل الباطل والتي تُزهقُ حُججه وتصعقه بحججها وبراهينها وآياتها الباهرات في الشروق والغروب في الرعد والبرق في النور والظلمات وفي كل شيء

 لأبدأ من الرَّعد من هذه الظاهرة العجيبة العظيمة التي تخلع القلوب من شدَّة دوِّيها وفرقعتها وقعقعتها بالحق وتُذهب بالأبصار من شدة بيانها ونورها وإبهارها وكذلك أثر بيان هذه السورة في النُّفوس لايقلُّ إن لم يزدْ على ذلك في تبيانها وحججها وبراهينها وإعجازها.

هذا الرَّعد الذي يُسبّّحُ هو بذاته بحمد الله وعظمته وجلاله وتُسبِّح الملائكة من خيفته و جبروته ويرسل الصَّواعق فيصيب بها من يشاء لأنهم تحت مرمى قدرته ويصرفها عمن يشاء لطفاً وفضلاً سبحانه  يكادُ سنا برقه يذهب بالأبصار من شدة إبهاره  ونوره ليكون عمىً وصاعقةً وناراً على الباطل وأهله ويكون برداً ونوراً وسلاماً على أهل الحق فالكون كله بكل أحداثه وظواهره رفيق المؤمن وأنيسه ويسبح معه بحمده  وصديقه أجل والحق أبلج بيِّنٌ واضح ظاهر أما الكفر والباطل ففي خيبةٍ وخُسران وخزيٍ وعجز وعمىً سيما عندما يسترون الحقائق بكفرانها وينكرونها ليُرى عجزهم ومن يدعونهم وحقيقته كسرابٍ بفلاة ولاحول لهم ولاقوة  أجل فالله وحده الحق وله دعوة الحق فهنيئاً لمن يستجيبون ويسجدون  لله بالغدوِّ والآصال طوعاً وطوبى ولمن يجعلون ويعيشون جنتهم في حياتهم بطاعة مولاهم  ساعين لمرضاته  فالذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أنَّ مافي الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به ماقُبل منهم  أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد والحمد لله رب العالمين

د.محمد إياد العكاري

1/1/1445هـ

19/7/2023م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين