سمر في خيام منى

 

اليوم يجتمع الحجاج في رحاب منى، بعد أن قضوا أغلب مناسكهم، إنها فرصة للراحة والهدوء والجلوس للتأمل والتعارف والحوار الهادئ اللطيف.

بين تلك الخيام ترى الجالسين والواقفين والرائحين والغادين بثيابهم التقليدية، تستطيع الآن أن تميزهم من أي بلد ومن أي طبقة اجتماعية بخلاف ما كانوا عليه قبل يوم أو يومين، لقد تدرجوا من بداية الإحرام حتى وصلوا إلى حالة من الانصهار؛ صور متشابهة وأشكال متماثلة، يقفون على صعيد واحد، ويتحركون بنظام واحد، ثم بدؤوا الآن بالتدرج للعودة إلى حياتهم الطبيعية والمألوفة.

ما هذه القصة؟ لماذا ذهبوا ولماذا عادوا؟ لماذا اجتمعوا ولماذا تفرقوا؟

حججت سنة 1992 وكنت برفقة اثنين من الضباط المتقاعدين كل واحد منهما برتبة عميد، وكنا الثلاثة نحج الحجة الأولى، فتسامرنا هناك في منى، قال أحدهما: يا سبحان الله كأننا كنا في فعالية عسكرية واسعة، بدأ التجنيد، ثم الالتحاق وفق جدول زمني محدد، ثم التهيئة والإعداد، ثم التجمع في المعسكر الكبير، ثم الانطلاق نحو الأهداف المرسومة، ومعنا العتاد الكافي لكل هدف! انظر يا شيخ إنك لا تستطيع أن ترمي الحصاة الواحدة مرتين، إنها قذيفة! ثم انظر كيف عدنا إلى مخيماتنا استعدادا للرجوع إلى بيوتنا بعد انتهاء مهمتنا!

قلت لهما: سأقص عليكما رواية ثانية؛ في لحظة ما سينادى على هذا الإنسان أن قد حان وقت الرحيل، اترك كل ما معك، اترك بيتك وأهلك وإخوانك وأحبابك، اترك وظيفتك ولهوك ولعبك، وأفراحك وأتراحك، وآلامك وآمالك، ولب نداء الله، إنه الأجل المحتوم، سيلبي وليس باستطاعته ألا يلبي، وسيجرد من ملابسه ويغسل، ثم يلبس ثيابا بيضا، ثم يساق في رحلة لا يعلمها إلا الله لملاقاة ربه، ثم ينتظر الحشر الأكبر الذي تجتمع فيه الخلائق على صعيد واحد، هذه قصة الإنسان التي لن يتخلف عنها أحد، إنها الرحلة القدرية التي تنتظرني وتنتظركما وتنتظر الجميع، الآن لننظر في حالنا قبل أن نصل إلى منى، لقد تركنا أهلنا وديارنا وإخواننا وأحبابنا، ثم وصلنا الميقات المعلوم فتجردنا من ثيابنا، واغتسلنا، ولبسنا ملابسنا البيضاء التي لا يتمايز فيها أحد عن أحد، لبينا نداء الله، وأقبلنا عليه في بيته العتيق، ثم وقفنا بألوفنا المؤلفة على صعيد عرفات، فما الفرق بين قصتنا هذه وبين تلك القصة التي تنتظرنا؟

هكذا قالوا عن الحج بلسانهم العسكري، وهكذا قلت وفقا لاهتماماتي الروحية والتربوية في ذلك الوقت، فتعالوا أيها القراء من مواقعكم وتخصصاتكم المختلفة واكتبوا قصتكم عن الحج وشاركونا في سمرنا هذا.

تعالوا أيها القادة المسؤولون عن شعوبكم وبلادكم واكتبوا لنا قصة الحج بمنظوركم، حدثونا كيف كنتم ترون أنفسكم بعد أن خلعتكم ألقابكم وتيجانكم هناك؟ وكيف اختلطت أصواتكم بأصوات الضعفاء والمحرومين وأنتم تطوفون ببيت الله؟

تعالوا أيها العلماء يا ورثة النبيين، كيف علمتم الناس أن يقفوا في المواقف التي وقفها رسول الله عليه الصلاة والسلام وقوله (خذوا عني مناسككم) وأن (البر حسن الخلق) وأن (الطهور شطر الإيمان)؟

تعالوا يا شباب، تعال يا أخي، تعالي يا أختي، اكتبوا قصتكم فمدرسة الحج تتسع لجميعكم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين