زواج سعيد

تفهم الحياة الزوجية

يوصلك للسعادة الزوجية

د. رضوان أبو صالح

كاتب وباحث في الشؤون الأسرية

 

لا يكاد يخلو بيت من المشكلات الأسرية والاجتماعية، وأسبابها كثيرة ومتشعبة وما ذلك إلَّا لاختلاف العقول والطبائع والثقافة وفارق العمر بين الزوجين وغير ذلك، وتكون هذه الاختلافات سائغة ما دامت في إطار النقاش الهادئ للوصول إلى الأفضل والأصوب.

ولكنها تصبح كارثية على الأولاد وعلى ديمومة الأسرة إذا ما خرجت عن ذلك، وتحوَّلت إلى معارك جدليَّة، يحاول كل طرف فرض رؤيته ووجهة نظره من خلال الصراخ والتهديد والوعيد، يتبعه تنافرٌ وقطيعة بين الزوجين، والمتأمِّل في القرآن الكريم والسنة النبوية يرى عنايتها الكبيرة في الحرص على الأسرة وهدوئها ونجاحها لتكون سكناً رائعاً لأفرادها وحصناً جميلاً دافئاً يضم تحت جناحيه أفراخاً كصفحات بيضاء يكتب فيها الوالدان بأفعالهما وأقولهما خيراً أو شراً بحسب درجة الوعي الذي يمتلكانه. قال تعالى: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا[ الرُّومِ:21.

والسكن: "ضِدُّ الْحَرَكَةِ"[1]، وفي لسان العرب: "َكُلُّ مَا هَدَأَ فَقَدْ سَكَن ،كَالرِّيحِ والحَرّ وَالْبَرْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ"[2]. ومعنى لتسكنوا إليها أي: "لتطمئنَّ نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة"[3].

 وقال تعالى: ]هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[ البقرة: 187.

قال الله تعالى: ]وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ[ الأعراف: 189.

v                  حرص السنة على انتقاء الحياة الزوجية:

حرصت السنة أن يحسن الرجل اختيار زوجته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt، عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ "[4].

وكذلك حرص أن تحسن المرأة اختيار زوجها:

 فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r"إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"[5].

والنصوص كثيرة جدّاً فهي أكثر من أن نحصيها في مقالتنا هذه، إذا تحث المسلمين رجالاً ونساءً على كل ما يمكن أن يساعد على تكوين أسرة مسلمة ناجحة، وعلى ديمومتها لأن صلاح الإنسانية يبدأ من صلاح الأسرة والتي لا يصلح شأنها إلا بصلاح العلاقة بين الزوجين.

v                  الوعي الزوجي يوفر السعادة الزوجية:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَr، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".[6]

وقالr :"فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ"[7].وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt، عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"[8].

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَt، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "الْمَرْأَةُ لَا تُؤَدِّي حَقَّ اللهِ عَلَيْهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا حَتَّى لَوْ سَأَلَهَا وَهِي عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا"[9].

 

ü                   إنَّ وعي الزوجين لحقوقهما ومعرفتهما السابقة لكيفيَّة طرق التعامل السليم والصحيح فيما بينهما ومع أهل الزوج والزوجة يخفِّف كثيراً من الاختلاف ويجعله في أضيق نطاق وفي مجال المقبول والواقعي إذْ لا مفر منه في الحياة وتعقيداتها.

ü                   إنَّ اطِّلاع الزوجين على فقه الزواج وآدابه أمر ضروري جدّاً لتكوين أسرة ناجحة.

ü                   وإنَّ معرفة طرق تربية الأولاد على وجه شرعي وواقعي معاصر أمر لا يمكن إغفاله في تقنين وتقليل الخلافات المنزلية.

ü                   وإنَّ مصارحة الزوجين خلال مدة الخطوبة مصارحة صادقة عن النقاط السلبية في شخصية كلٍّ منهما للآخر واطِّلاع بعضهما على آمالهما وأحلامهما وما يصبو كل منهما إليه –من خلال هذا الزواج– أمر مهم جداً ليكتشف كل منهما الآخر على حقيقته وطبيعته؛ فيدخلان بيت الزوجية عارفين موجباتهما وسلبياتهما فيكونا مستعدين لتكميل بعضهما والنهوض بأنفسهما نحو الأفضل والأكمل ويكونان معاً فريقاً واحداً منسجماً قدر الإمكان على نحو ناجح ومقبول.

ü                   ليحرص كل راغب بالزواج أن يبحث عن شريك قريب منه في الفكر والميول والرغبات وفي العادات والبيئة فهذا أدعى لتحقيق حياة زوجية ناجحة.

ü                   وكل هذا مع التوكل على الله بعد صلاة الاستخارة واستشارة أهل الرأي والحكمة ممن يثق بهم.   

ü                   إنَّ أخطر خطوة يخطوها الإنسان هي إقدامه على الزواج فكل الأمور الخطأ فيها يمكن إصلاحه بخسائر قليلة إلَّا الخطأ في مشروع الزواج فالفشل فيه له عواقب وتبعات متعدية طوال حياة الزوجين والأولاد وأختم بتلك الصورة الرائعة العظيمة.

ü                   لم يمت نبينا ساجداً أو قائماً أو في إحدى غزواته ومعاركه وإنما اختار الله عز وجل له أن يموت على هذه الصورة لحكم كثيرة منها والله أعلم: فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ"[10].

ü                   أيها الأزواج، لا تنسوا أنَّ نبيَّكمr مات في حضن زوجته وأحب الناس إليه لتعلموا عظم وخطورة حسن العلاقة الزوجيَّة ومدى أهميتها إذ يستحيل أن يغيب عن بال المسلم كيف مات أحب الخلق إلى الله وأحب خلق الله إلى قلبه فيحرص أن يقتدي به في كل شؤونه وبخاصة مع أهل بيته.

[1] مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، ج6، ص507، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3، 1420هـ.

[2] لسان العرب، مادة: فصل السين المهملة، ج13، ص211، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ)، دار صادر –بيروت.ط3، 1414هـ.

[3] التفسير الميسر، ص406، نخبة من أساتذة التفسير، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – السعودية، ط2، 1430هـ -2009م.

[4] أخرجه البخاري، برقم: 5090، كتاب: النكاح، باب: الأكفاء في الدين، ج7، ص7.

[5] أخرجه ابن ماجه، برقم: 1967، كتاب: النكاح، باب: الأكفاء، ج3، ص141.

[6] أخرجه مسلم، برقم: 1469، كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، ج2، ص1091.

[7] أخرجه مسلم، برقم: 1218، كتاب: الحج، باب: حجة النبيr، ج2، ص886.

[8] أخرجه الترمذي، برقم: 1159، كتاب: الرضاع، باب: ما جاء في حق الزوج على المرأة، ج3، ص457.

[9] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم: 5084، كتاب: الزاي، باب: عمرو بن دينار المكي، ج5، ص200.

[10] أخرجه البخاري، برقم: 4449، كتاب: النبي rإلى كسرى وقيصر، باب: مرض النبيr، ج6، ص13.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين