روسية وإيران وبشار: تصنيع الخصوم المعارضين بعد تصنيع الأعداء المقاتلين

 

( لأمر ما جدع قصير أنفه )

 

 

ما تزال الأحجية المخابراتية ( الروسية – الإيرانية – الأسدية ) في فتح الأبواب أمام تنظيمات المتطرفين ودعمهم وتمكينهم والمراهنة عليهم مستعصية على فهم الكثيرين . وما زالوا يتسآلون مستنكرين : كيف يمكن للمرء أن يصنع أو يصطنع أعداءه ؟ وكيف يمكن أن يدعمهم وأن يقويهم ويمكنهم ، هم في حقيقة الأمر أعداء له على المستويات العقائدية والواقعية لا يشك في عداوتهم للروس والإيرانيين والأسديين إلا من يطلب دليلا على ضوء النهار ؟!

وفي العادة كثيرا ما يتم تصنيع الأعداء أو اصطنعاهم وتمكينهم وإشهارهم في مكر أهل المكر لأسباب كثيرة منها تمييز النفس عن هؤلاء الأعداء ، على قاعدة وبضدها تتميز الأشياء . أو كأن السيء يريد أن يقول : أنا أقل سوأً من الأسوأ . أو لنسبة الجرائم إلى هؤلاء الأعداء المفترضين أو المصطنعين وحسابنها عليهم ، وتحميلهم وزرها وإثمها وكبرها . أو تسويغ ارتكابات الماكرين بالأعداء المصنعين .أو لتخويف من يخاف هؤلاء المتطرفين منهم . أو لاختباء وراءهم والتترس في فعل الشر والسوء بهم . أو كسب التحالفات والصداقات على أكتافهم . أو توظيف بعض العداوات التاريخية في قلوب بعض الأعداء المرغوبين المرهوبين ، أو استغلال هوس نفسي في الارتياب والشك لدى بعض الشكاك والمرتابين . ..

 إن العمل على كل هذا أسلوب معروف غير منكر في عالم السياسة ، أو في التاريخ الدبلوماسي من علاقات الصراع بين الخير والشر والحق والباطل . وقد عرفت العرب في سجل تاريخها وديوان حكمتها : ( لأمر ما جدع قصير أنفه ) . وفحوى القصة أن جذيمة الأبرش اللخمي ( المناذرة ) بعد أن عدا على والد الزباء ( زنوبيا ) فقتله . واستعادت الزباء ملك أبيها في تدمر ، عادت للمكر بجذيمة فعرضت عليه الزواج منها وصدقها فلما تمكنت منه ليلة العرس الموعود عدت عليه فقتلته ثأرا لأبيها . وآل ملكه إلى ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وصعب عليه النيل منها للثأر لخاله . وكان قصير بن سعد اللخمي وزيرا لجذيمة ومخلصا له ، فقال لعمرو : أظهر غضبك عليّ ، وعزمك على الفتك بي ثم مر بقطع أذني وجدع أنفي مبالغة بالنكاية فيّ حتى يظهر عند الزباء برهان صدقي ، وحقيق نقمتي عليك فأجد مدخلا عليها ، وهكذا كان حتى اخترق قصير أمن الزباء فقتلها ..

هكذا يمكر الروس والإيرانيون والأسديون بالعالم اليوم فيتركون لمجموعات التطرف أن تجدع أنوفهم وتصطلم آذانهم ليكون لهم خلاص فيما أيقنوا أنه الخلاص المحقق على يد ثوار الشعب السوري المخلصين .

 إلا أن عملية جدع الأنوف واصطلام الآذان قد اكتسبت في الحالة السورية مع غرابتها وفظاعتها بعدا مستداما ، وممارسة يومية يغرق من خلالها فريق المكر في توظيف هؤلاء ( العملاء – الأعداء ) بتسليطهم على بعض أنفسهم ، والمراهنة بدعمهم حتى ببتر بعض أطرافهم ، والنيل من دمائهم وأموالهم .

وعلى التوازي مع لعبة صناعة الأعداء أو اصطناعهم من ، التي كانت منذ اليوم الأول مكشوفة لكل المراقبين ، الذين حاولوا وما زالوا أن يتجاهلوا اللعبة ، بل أن يتماهوا معها ليعلن الكثير منهم أن هذا العدو التبعي المصطنع ( المتطرف ) هو أخطر وأشر من العدو الأول الصانع. وأنه مقدم عليه في الحرب ، وأنه أولى منه بها ؛ ينتقل بنا فريق المكر الروسي - الإيراني -الأسدي إلى لعبة قديمة مكرورة مرة أخرى يصطنعون من خلالها خصومهم كما اصطنعوا أعداءهم . يعودون بنا إلى لعبة حافظ الأسد في اصطناع ما سماه المعارضة الوطنية ، والتعددية السياسية من خلال ما سماه من قبل ( الجبهة الوطنية التقدمية ) ..

اليوم وقد احتل الروس سورية سماء وأرضا ، وصبوا فوق رؤوس أبنائها نار حممهم في محاولة مكشوفة لكسر إرادة هذا الشعب الحر الأبي يُبدون حرصا غير محدود على استخلاص بعض العملاء بوصف المعارضين ، وبعضا آخر بوصف الثوار الممثلين لما يسمونه بالجيش الحر .

سورية الجديدة التي يعمل على صناعتها فريق المكر الروسي – الإيراني – الأسدي هي سورية بمعارضة مصنعة أو مصطنعة على المقاس الأسدي ، مشبعة لرغباته ، ملبية لتطلعاته ، خادمة لحاجاته . وهم إذ يظنون أنهم قد نجحوا في لعبة اصطناع العدو سينجحون في لعبة اصطناع الخصوم أو المعارضين ...

إن كل هذا يؤكد على الثوار ، وعلى المعارضين حماة المصالح الحقيقية للثورة ، أن يتوقفوا عن الاسترسال في الأحاديث الرمادية عن الروس ، وعن الدور الروسي ، والمهمة الروسية ، وأن يلتزموا بكل حديثهم بما تقتضيه الثورة من صدق وجد .

التعبير عن الثورة يكون بلغة ثورية ، ولا يمكن أن يكون بلغة رمادية . وعلى الرماديين اليوم ، في إطار تحديد الموقف من الروس أو التعامل معهم، أو رسم محددات العلاقة مع محتل لا بد أن يسمى عدوا ، أن يتواروا عن الأعين إن كانوا في ولائهم للثورة صادقين ..

( وما كنا غائبين )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين