روان ويليامز داعية إسلامي غير معلن - ـ

روان ويليامز داعية إسلامي غير معلن, وسيكون له الفضل الكبير في مشروع يحدث بشكل آلي ويفرض نفسه على العالم كله: وهو مشروع أسلمة أوروبا.

يعترف كبير أساقفة كانتربري روان ويليامز بعظمة الشريعة الإسلامية وبعدل قواعدها وقوانينها , بل وبحاجة الغرب لها. كل هذا يظهر في دعوته الواضحة للحكومة البريطانية بأن تأخذ قوانين شريعة إسلامية وتجعلها قوانين حكومية ثابتة. نلمس في دعوته بأنه درس قسماً كبيراً من الفقه الإسلامي, وأنه اطلع على مضامين الإسلام وعرف فضله على البشرية كلها.

ودعوته هذه لاتحمل للغربيين مشروعاً جديداً عنهم كل الجدة. فالغرب استمر في استعارة مايناسبه وما يرغب به من الفقه الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي, وتحديداً منذ بداية الفتوحات الإسلامية لبلدان الغرب. فقد اعتاد الغرب أن يقتدي بالدرجة الأولى بنتاج الفلاسفة والمفكرين الغربيين, وثم بالحكمة الدينية المسيحية التي تتأثر بدورها وتتبدل وفقاً لنتاج الفلاسفة الغربيين. فقد استطاع سيغموند فرويد أن يقنع الغرب كله بالإباحية الجنسية وما تلاها من المثيلية والزواج المثيلي الذي وافقت كثير من الكنائس الغربية عليه. أي أن نتاج فيلسوف تجريبي لم يتم تأكيد صحة أطروحاته ذلك النتاج فرض أخلاقاً طويلة الأمد على الغرب كله. ومع فكر نيتشة المادي والمركزي اعتنق الغرب مبدأ المركزية الغربية الذي مازال حتى يومنا هذا, وبتتابع المدارس الفكرية ظل الغرب يتخبط بالإنزلاق فيها, فبظهور الوجودية مع سارتر أصبح الغرب كله تقريباً وجودياً. هذا من ناحية تأثر الغرب بالفكر والفلسفة, ونذكر بأن فلاسفة العصور الوسطى كلهم تقريباً استعاروا من الإسلام حكَماً وقواعد وضوابط وأخلاقيات وجعلوها داخل المنظومات الفلسفية التي عرضوها وحدث ذلك دون أن يعلنوا عن المصادر الإسلامية لتلك الفضائل فاكتفوا بوضعها مدّعين أحيانا بأنهم خالقيها ومبدعيها.

 ونعثر على الأحكام الإسلامية في النتاجات الغربية المتنوعة (مسرح شيكسبير, روايات ومسرح وفكر فولتير, فلسفة روسو وغيره). ثم إن المسيحية كلها تأثّرت بالإسلام وبشرائعه. فمسيحيوا الشرق عاشوا مع الإسلام وفي كنفه وداخل منظومة عطاءاته ونعمه, ولذلك فهم مسلمون بفضل اعتناقهم للكمّ الكبير من العقائد والشرائع الإسلامية, وبنفس الوقت فهم مسيحيون لأنهم يعتقدون بالصليب المسيحي وبالثالوث. أما الغرب فقد تأثّرت مسيحيته بالإسلام بشكل مباشر منذ القرن السابع الميلادي وذلك بفضل الاحتكاك والتبادل المتعدد الأوجه بين الشعبين, ثم باقتباس المسيحية فكراً فلسفياً غربياً متأثراً بالإسلام.

 واليوم لم يأت روان ويليامز بجديد عندما يدعو الغرب للاستعارة من الإسلام ومن شرائعه. فالإعلام الإسلامي بلغ ذروته منذ مطلع القرن الواحد والعشرون. إذ تواجد المسلمون بكثافة في كافة بلدان الغرب وأصبحوا دون أن يعوا مهمتهم العظيمة صورة إعلامية إسلامية حيّة نابضة في قلب المجتمعات الغربية. حتى المتطرفين والمعتقلين منهم يؤدون ذلك الدور الإعلامي الكبير. فمنذ الهجوم على مركز التجارة العالمي انفلت مفتاح التحكم بالإسلام من أيدي المسلمين وأصبح هذا بين يدي البشرية كلها. وليس هذا خطراً على الإسلام بل هو لصالحه, فقد أخذ الإسلام صفة العالمية وأصبح موضوع يداوله الجميع في أوروبا وأمريكا والصين واليابان بنفس المقدار وربما أكثر من تداوله عند المسلمين أنفسهم. ومن هنا جاءت الرسوم الكاريكاتورية التي تنتقد أعظم شخصيات الإسلام, ثم تتالت الأعمال الانتقادية, ثم يعرض فيلم ينتقد الإسلام في هولاندا. لقد أصبح الإسلام قضيتهم وشغلهم الشاغل وموضع نقاشهم وجدالهم واختلافهم. هذه المكانة التي وجد الإسلام فيها في هذا القرن جعلته موضع أخذ وردّ في الغرب وجعلت البعض ينتقده أو يوجه إليه الاتهامات وبنفس الوقت جعلت الآخرين يقبلون عليه ويحترمون شرائعه ويعتنقونه كدين, فيصبح انفلات الإسلام من أيدي المسلمين أمر مقبول ويعود على الإسلام والمسلمين بالخير أيضاً. فالرسوم الكاريكاتورية ليست بموجب هذا التفسير سوى حلقة من حلقات النقاش الغربي للجانب الإسلامي الذي أصبح من أملاكهم هم. فهم ينتقدون ذلك الجانب الذي يخصّهم وهو الذي يرتبط بأعمال تطرف إسلامي داخل الغرب نفسه.وتصبح الرسوم الكاريكاتورية شأناً غربياً خاصاً لاعلاقة لنا به نحن المسلمون غير الأوروبيين.

لحظة انفلات الإسلام من أيدينا كانت في العام 2001 عندما سقطت أبراج مركز التجارة العالمي. ففي تلك اللحظات تساءل العالم كله عن الإسلام وعن شرائعه, وفي الأيام التالية بيعت ملايين الكتب التي تتحدث عن الإسلام، بل وخلت المكتبات الغربية من الكتب التي تصف الإسلام, أي أن الغرب كله قد اتَّجه للتعرف على الإسلام وجعله قضيته, وذلك التبنّي للقضية أفرز فيما بعد إقبالاً غربياً كثيفاً على اعتناق الإسلام ثم اعتراف روان ويليامز الصريح بضرورة أخذ الشرائع والأحكام عن الإسلام, وبعد تعرُّضه للانتقادات وقف بجرأة وأعلن عن ثبات موقفه وعن مواجهته لمنتقديه وتحمُّله لتبعيات تصريحه الذي اعتبر خطيراً في الغرب, وهذا ينبىء بأن ويليامز سيعلن في المرحلة التالية اعتناقه لدين الإسلام كما نعتقد. وعندئذ كيف نتصور مواقف أتباعه الذين يبلغ تعدادهم حوالي مئة مليون؟

روان ويليامز يدرك المأساة التي وصل إليها الغرب بعد تهويده وإخراجه عن العقائد الدينية, فقد تحدث الفيلسوف أرنولد وينبي عن ذلك وقال بوضوح: لقد تم تهويد الغرب بالكامل, ويدرك ويليامز اليوم عمق التخريفات الفلسفية التي آذت الضمير الغربي, ويدرك أيضاً بأن لاخروج للغرب من تلك المتاهات إلا بواسطة الإسلام. ثم إنه تخصص طوال عشرات السنين الماضية بتسخير المسيحية لصياغة الأخلاق الفردية والإجتماعية العامة في بريطانيا وعدَّد من الدول التي تتبع الكنيسة الأنكليكانية وبعد تلك التجربة المضنية توصَّل لنتيجة مفادها: أن لاخلاص للغرب إلا بواسطة القوانين الشرعية الإسلامية أي بواسطة الإسلام نفسه.

قد يكون الدكتور ويليامز أهم حلقة تاريخية في التحول الأوروبي إلى الإسلام، وقد تؤدي ثورته إلى تعجيل هذا التحوُّل, وقد يصح لنا أن نطلق عليه منذ الآن اسم بن لادن المسيحية الغربية.

ويذكر بأن تاريخ الدكتور ويليامز حافل بالثورية وبالميل لإعلان الحقيقة دون ممالئة أو مواربة أو عمالة, فقد اجتهد في محاولة طرد بعض الكنائس الامريكية التي عيّنت أساقفة لها متهمين بالشذوذ وبالمثيلية الجنسية.ثم إنه وخلافاً مع المركزية الصهيونية زار سورية مرتين واطلع على طبيعة الحياة المتفاهمة بين المسيحيين والمسلمين في سورية, ففي السادس والعشرون من أيلول سبتمبر قام الدكتور روان ويليامز، رئيس أساقفة كونتربري للأنكليكان الكاثوليك بزيارة رسمية إلى سوريا، التقى فيها رئيس الجمهورية وعدد من رؤساء الطوائف المسيحية وعلماء الدين المسلمين ورجال دين من مذاهب عديدة. ورافقه في الزيارة عدد من الأساقفة والكهنة

ولعلّ نبض التعايش الإسلامي المسيحي الذي ألفاه ويليامز في سورية جعله يصدر تصريحه الجديد في بريطانيا ويسعى لتحقيق تعايش سلمي آمن وتفاهم وتلاحم مجتمعي داخل المجتمع البريطاني فيقول: "إنه من اجل الالتحام المجتمعى يتعيَّن منح مسلمي بريطانيا البالغ عددهم 7ر1 مليون شخص الفرصة للتعامل مع المسائل المدنية مثل الزواج والطلاق أو القضايا المالية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية . وأنه لا يتعين إرغام المسلمين على الاختيار بين الولاء الثقافى او الولاء للدولة."

وتحمل نصريحات ويليامز الأخيرة معاني باطنية كثيرة يمكن استنباطها:

• ويليامز يعتقد بأن اليهودية والمسيحية الغربية بوضعها الحالية لاتمتلكان قوانين شرعية كافية لتهذيب وضبط المواطن الغربي, ومن هنا دعوته لاستنباط هذه الأحكام من الشرائع الإسلامية.

• يدرك ويليامز بأنَّ الفكر اليهودي الحلولي الغنوصي (وهو مجموعة عقائد حلولية وثنية) قد تغلغل في المسيحية وخرّب معتقداتها وبالتالي فدعوة الإصلاح الفكري والعقيدي عنده لابد لها من العودة إلى الإسلام الذي أدرك ويليامز بأنه وحده مازال ثابتاً محافظاً على صوابيته.

• انتقاد ويليامز لجورج بوش ولمن حوله في إدارته ولسياسته يعني ضمناً بأن ويليامز يدرك خطر الانتماء الصهيوني لجورج بوش, ويذكر بأن القديس بوش يعتنق الصهيونية المسيحية المبنية على أسس أسطورية, والتي تؤلّه إسرائيل الأرض والدولة والقيادة العسكرية.

• اعتراف ويليامز بأهمية الشرائع الإسلامية وبضرورة استثمارها في القوانين الشرعية البريطانية يعني إيمانه بأن الشرائع الإسلامية هي من عند الله وبأنها سامية وعلى قدر من العظمة والإجلال, وذلك يعني أنه مؤمن بأن الإسلام هو من عند الله, أي اعتقاده برسالة محمد أي أن ويليامز يؤمن بالإسلام كله, فيصبح مسلماً غير مصرّح بانتمائه الديني.

• يدرك ويليامز أزمة الغرب المأساوية إذ اكتفى الغرب باستنباط القوانين والأحكام من الأسس الفلسفية والفكرية وأحلّها محلّ القونين الدينية, ويدرك ويليامز بأن تلك المدارس الفكرية كلها أبعدت الغربي عن الصواب ودمرته واليوم لابد له من الإقتداء بشرائع الإسلام ليحل تلك المشاكل.

• لاشك بأن دعوة ويليامز هذه ستجعله في مقام العظماء والمجددين الذين يرسمون للغرب سبيلاً جديداً يحلّ مشكلاته التي طالت قروناً. ويمكنني أن أشبهه الآن بفولتير.

الضمير الديني

في البيان الصادر عن إدارة الكنيسة الأنكليكانية جاء الرد يقول: "فى الواقع أنه يتم الاعتراف ببنود معيَّنة من الشريعة الإسلامية فى مجتمعنا وفى قانوننا" إن رئيس الأساقفة كان "يستكشف السبل التى ربما يتم من خلالها التوصل الى صيغة توفيقية معقولة فى اطار الترتيبات الحالية المتعلقة بالضمير الديني فى المعاملات ". وهذا الضمير الديني لم يعثر ويليامز على مفرداته في المنظومة الفكرية والفلسفية والدينية الغربية فأفاها في الإسلام واضحة نابضة مقنعة وجاهزة للاقتباس وللعمل بها. ويذكر بأن مصطلح الضمير الديني ومرادفاته من مصطلحات الضمير الأخلاقي والقيم الفردية والاجتماعية ظلّت بالنسبة للغرب موضع أخذ ورد وبحث منذ ظهور الفلسفات اليونانية, وأعاد الفلاسفة المحدثون البحث فيها ولم يتوصلوا إلى نتائج مرضية مقنعة للفرد.

فقد رأى بعضهم بأنها تنبع من داخل الفرد.

ورأى آخرون بأنها قيم اجتماعية تلزم الفرد, ورأى غيرهم بأنها قيم تفرضها الدولة على الفرد. بينما اقترح الفلاسفة المتدينين المسيحيين المتأثرين بالإسلام بأنها تنبع من سلطة عليا هي سلطة الله. وأخيراً فإننا كمسلمين ندرك بأن الضمير الديني يُلازمنا جميعاً ويُسيّر كافَّة أعمالنا ويُصوّب محاولات انحراف أي مسلم, لأنّ المسلم يعتقد بوجود رقابة إلهيَّة تتابعه باستمرار. وكثيرة هي الآيات القرآنية الكريمة التي تلزمنا بالضمير والوجدان والأثرة والإيثار. وفي اعتباره بأن " تبنّي بعض أوجه الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر لامفرّ منه" يؤكّد الدكتور ويليامز على عبثية محاولة البحث عن حلول لمُعضلات الغرب دون إشراك الإسلام وشرائعه بهذا الحل, ويُصرّ على أنه اكتشف في الإسلام حلولاً جاهزة سهلة التطبيق ومقبولة للبريطانيين وبالتالي للأوروبيين, إنه باختصار يدعو الغرب كله لاعتناق الإسلام, هذا مايعلنه ويليامز باختصار, ولذك فقد قامت الصحف البريطانية بانتقاده بشدة، ورسمت إحدى الصحف صورة كاركاتورية له فنراه وهو يعتلي المنبر ويخطب في مسجد إسلامي.

تم نشر هذه المقالة في 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم 18/12/2018

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين