رسالةٌ وأسئلةٌ مفتوحةٌ إلى المجلس العلمي الفقهيّ بدمشق

العلماءَ من أعضاء المجلس العلمي الفقهيّ التّابع لوزارة الأوقاف في مدينة دمشق:

السّلامُ على من اتّبع الهدى؛ أمّا بعد:

فقد أعلنت الرّئاسة بالمرسوم التشريعي رقم 28 بتاريخ 15 / 11 / 2021م عن مجلسكم بديلًا لمنصب المفتي، ونصّبتكم مرجعيّةً للفتوى تحت ذريعة الاحتياج إلى الفتوى الجماعيّة، وعدم الرّكون إلى الفتاوى الفرديّة، وهذا كلامٌ جميلٌ غيرَ أنّ لكلّ قولٍ حقيقة؛ فماهي حقيقةُ قولكم؟

لقد طالعتُ الفتاوى التي أصدرتموها منذ إنشاء مجلسكم، وإنني أطلبُ منكم أن تلقوا نظرةً إلى موقعكم الإلكتروني الذي يحتوي على هذه الفتاوى، وقولوا لنا هل هذه الفتاوى هي ما يؤرّق أبناء سوريا ويحتاجون إليها وإلى معرفتها وتبيينها؟

وإنّني هنا أضع بين أيديكم أسئلةً عديدةً تحتاجُ إلى تبيانكم العمليّ ما دمتم ترونَ أنفسكم علماء يبلّغون رسالة ربّهم ويرثون نبيّهم، ومن اليقين أنّكم تقرؤون قول الله تعالى في سورة الأحزاب: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا"

• السّؤال الأوّل

أيّها العلماء لقد بلغكم أنّ بوتين حليف رئيسكم قد أعلن الحرب على أوكرانيا، ولا أطالبكم أن توصّفوا لنا هذه الحرب من النّاحية الشرعيّة أو تكيّفوها لنا من وجهها الفقهي، أو أن تبيّنوا لنا إن كانت هذه الحرب عدوانًا من روسيا أم لا، كما لا أطالبكم أن تقولوا لنا ما هو حكم التّحالف مع الرّئيس بوتين. لكنّ أسئلتي لكم تتعلّق بحياة السّوريّين من أبنائكم، وهي:

ما حكم ذهاب السّوريين من داخل سوريا للقتال في روسيا مع الجيش الرّوسيّ؟ وما حكم من قتل منهم في هذه الحرب؛ هل يعدّ شهيدًا؟ وليتكم تقولون لنا ما هو حكم من ذهب إلى هناك وفرّ من ساحة المعركة ودخل لاجئًا إلى أوروبا؛ هل يعدّ متولّيًا من الزّحف؟ هذه أسئلة تتعلّق بحياة شريحةٍ واسعةٍ من السّوريّين؛ ألا ترون أنّها في صدارة الأسئلة التي أنشئ لأجلها مجلسكم الفقهيّ؟

• السّؤال الثّاني

لقد وجدت فتوى لكم عن حكم تزيين المصحف وغلافه، وتلوين اسم الجلالة فيه بلون مختلف، ولست أدري إن كان الشّعب السّوريّ الذي لم يعد يرَ من الألوان إلّا الأسود الكالح يغطّي على حياته يؤرّقه هذا السّؤال عن حكم تزيين غلاف المصاحف وحكم تلوين اسم الجلالة فيه بلون مختلف؟

وسؤالي الثّاني لكم هو عن التزيين والتّلوين لكن في إطار آخر وهو: هل يجوز أيّها العلماء في ظلّ فقدان الكهرباء في سوريا وغرق البلاد بالعتم أن يتمّ تزيين القصور الرّئاسيّة وقصور المسؤولين ومزارعهم واسطبلات خيولهم وزرائب بهائمهم بالأنوار السّاطعة على مدار السّاعة بينما الإنسان السّوري لا يرى الكهرباء إلّا كطيف الحلم؟

وما هو الحكم الشرعيّ في أن تكون سيّارات أبناء المسؤولين مملوءة بالوقود متى شاؤوا دون حسابٍ أو عذابٍ في الوقوف المهلك أمام محطات الوقود بينما ترتجف أوصال الملايين من أبناء سوريا من البرد لأنّهم لا يجدون الوقود، فمنهم من لا يملك ثمنه ومنهم من لو ملك ثمنه فهو لا يجده؛ فهو في السيّارات المتسكعة بأبناء قيادات البلد؟ ألا ترون أيّها العلماء أنّ هذه القضيّة التي تهمّ الشّعب السّوريّ كلّه في معيشته أولى من الفتوى في حكم تزيين غلاف المصحف؟

• السّؤال الثّالث

لقد وجدت فتوى لكم حول زواج التجربة، وهو زواج غير موجود في سوريا عمومًا وإنّما هو محض فتوى أثارت زوبعةً عابرةً في مصر، غير أنّكم قدّرتُم أنّ حرصكم على الأسرة والمرأة يكمن في أن تصدروا فتوى في حرمة هذا الزّواج غير الموجود أصلًا على الأرض السّوريّة، وقلتم في تعليل الفتوى:

"وهو هدّامٌ للأسرة ومفسدٌ للمجتمع يجعل المرأة ألعوبة بيد الرجل وأهوائه ويمس كرامة الرجل ومكانته ويتنافى مع مقاصد الشريعة في الزواج وأحكامه وفيه امتهان للمرأة وعدم صونٍ لكرامتها وكرامة أهلها"

ولأنّني أرى حرصكم وغيرتكم على المرأة، فأريد أن أسألكم عن أمور تتعلّق بالمرأة واقعة فعلًا على المرأة السوريّة وليست محض زوبعةٍ عابرة.

ما الحكم الشرعيّ في الاغتصاب والتحرّش الجنسيّ للحصول على المعلومات في التّحقيق؟ وهل فيه كزواج التجربة "امتهان للمرأة وعدم صونٍ لكرامتها وكرامة أهلها"؟

ويا معشر العلماء من أعضاء المجلس العلمي الفقهيّ هلّا قلتم لنا ما هو حكم النّساء اللّواتي فقدن أزواجهنّ منذ أكثر من عشر سنوات في المعتقلات ولا يعرفنّ مصيرهم ولا يعلمن عنهم شيئًا، ما هو حكم عقد الزّواج؟ وكيف يتصرّفن إن خطبهنّ أحد؟ هلّا أعلنتم على موقعكم الجواب عن هذا السّؤال الذي يتعلّق بمئات الآلاف من النّساء السّوريّات؟

أيها العلماء الأعضاء:

لن أكثر عليكم، وسأكتفي بهذه الأسئلة اليسيرة التي تمسّ عموم الشّعب السّوري ويتوجب على المفتي التصدي لها إن كان فردًا؛ فكيف إن كان مجلسًا يضمّ العشرات من أمثالكم؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى بيان لحكمها الشّرعي، وهذا هو دوركم ولا يحل لكم أن تكتموا الحكم الشرعي خوفًا من أحد أو إرضاءً لأحد، وجميعكم يقرأ قول الله تعالى في سورة آل عمران: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ"

وقبل أن أختم رسالتي هذه أريد أن أسألكم سؤالًا بيني وبينكم، وهو ما حكمكم أنتم إن بلغتكم هذه الأسئلة ونظرتم في وجوه بعضكم بعضًا وتغامزتم أن تتجاوزوها جبنًا وخوفًا ورعبًا؟ بالله قولوا لنا ما هو حكمكم؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين