رسالة لؤي حسين الأهم أو الأخطر

 "إنقاذ سورية من كل القوى العسكرية على الأرض ...وغيرها من الميليشيات !!"




من حقنا أن نفكر بتفسيرات متعددة لخروج السيد لؤي حسين الموقوف أصلا على خلفية أمنية من سورية ، ووصوله ابتداء إلى مدريد . ومن حقنا أن نتساءل : كيف خرج ؟! ومن كان وراء خروجه ؟! وأن نفكر في الظرف العملياتي الذي سبق خروجه ؟! والحال الذي آل إليه وضع بشار ومحازبيه على الأرض السورية؟! وعن التقارب الزمني بين خروج لؤي حسين وما روي عن خروج أسرة مخلوف، وما هي دلالة بانفكاك السيد لؤي عن تياره في الداخل ، أو انفكاك رجال التيار في الداخل عنهم في الخارج ؟! ثم تقدم السيد لؤي حسين باتجاه الانخراط بشكل ما في معادلة المعارضة . من حق السيد أن يجيب عن كل تلك الأسئلة فنسمع ، ولكن ليس من الضروري أن يكون صمتنا حين نسمع إقرارا بما نسمع ، أو تعطيلا لملكة التفكير لدينا فيما وراء أكمة الرسول والرسالة وظروفها متعددة المتعلقات ...

من طرفنا ، نرحب بالخطوة التي أقدم عليها السيد لؤي حسين مهما يكن ظاهرها وباطنها . ونحن لم نفكر أبدا أن شركاءنا في الحياة الاجتماعية أو في الحياة السياسة يجب أن يكونوا على مقاسنا ، وأن يحلبوا في إناءنا . نقر أن الشراكة تعني التعدد وتعني المغايرة ، والمغايرة في الدرجة قد تصل إلى حد 180 ، والمغايرة في النوع قد تعني ما لايمكن الإفصاح عنه مما يمثله بشار الأسد ومحازبوه . والإقرار بالشراكة تعني أنك مستعد للاستماع ومستعد للحوار ومستعد بالتالي لبناء ما يمكن من توافقات . 

ونحن وأقصد بالضبط ممثلي التيار الدعوي الإسلامي في سورية لم نضع فيتو في الحوار على أحد ؛ إلا على نظام أغرق في سفك الدماء وهتك الأعراض وتدمير العمران حتى غدا أي تفكير بالحوار معه أو مع من هو مثله ضربا من الاستهتار بالعقل العملي ، والقيم الإنسانية ، والانتماء الوطني . ولنكون أكثر وضوحا فإن رفضنا للحوار أو التفاوض مع زمرة النظام لم يبن أصلا على خلفية شخصية لا طائفية ولا حزبية ؛ وإنما بني على معطيات عقلية ومنظومة قيمية إنسانية ...

من حق كل مواطن سوري فردا كان أو مجموعة حين ينزع يده من وعاء الجريمة والمجرمين ، أن يجد مكانه في المنظومة الوطنية وفي الصف الوطني . ويتشكى البعض وهي شكوى خفقت راياتها فوق منابر العالمين ، بأن هؤلاء النازعين أيديهم من حبل النظام لا يجدون مكانهم المكافئ في صفوف المعارضة . وهي دعوى تعني بصياغة أخرى أن فريقا من السوريين ( ولدوا على فرس ) وأنهم يجب أن يظلوا لصيقين بصهوات أفراسهم أينما حلوا أو ارتحلوا . وهذا ما لا توفره الديمقراطيات الغربية للرؤساء الآفلين أو المتعثرين . بل من حقنا أن نقول ونحن نخوض حربا شرسة مع عدو مخابراتي شديد المكر، إن من واجبنا لحماية شعبنا وثورتنا ، أن نكون دائمي التيقظ ، شديدي الحرص ، دائمي الريبة من أن نجد في كل محفل من محافلنا ( ميشيل سماحة ) جديد ، يفجرها بما هو أشد خطرا من عبوات البارود ..

إن المهم في العمل السياسي أن يتعامل الإنسان مع كل مواطن سوري باحترام أهليته الإنسانية والمدنية على السواء ، واحترام حقه في الشراكة الوطنية في أطرها الفردية والجماعية ، وأن يصغي إلى محاوره جيدا ، وأن يتفهم أبعاد كلماته ، وما يدور بين سطورها. إن التأسيس للشراكات الوطنية المخادعة أو المغرورة تعني أن نكرر تجارب نصف قرن من الخداع الوطني . إن الطيبة والسذاجة والغرور ، مع المؤامرة والتدليس الخارجيين ، هي التي أوقعت سورية فيما أوقعتها فيه ،و لن نستجيز أبدا أن نكون مرة أخرى ضحايا من جديد . بل إن الإقرار بالهزيمة – لاسمح الله – هو الأسهل والأجدى من التسليم بها تحت عنوان نصر مزيف ...

وإن مطالبتنا الصادقة والملتزمة بدولة المواطنة ، الدولة المدنية الحديثة ، بكل تجلياتها وآلياتها ، لا يعني أن نفرط بأي أساس من أسس بناء هذه الدولة ، ولا بأي مفصل من مفاصل قوتها ، أو أي أداة من أدواتها .

إن الذي تابع المؤتمر الصحفي الذي عقد ظهر الاثنين : 11 / 5 / 2015 بين السيدين خالد خوجة والسيد لؤي حسين ، لم يستمع أبدا إلى حوار بين سوريين معارضين يتلمسان السبيل إلى بناء سورية الأفضل ؛ بل لقد مثّل السيد لؤي حسين بكل ما طرحه الصيغة الدبلوماسية المهذبة والملطفة لكل ما يطرحه بشار الأسد أو بشار الجعفري أو وليد المعلم ، من حق مسبق في الاستئثار وفرض القرار . مع ريشة إضافية هي أنه يعلن غضبا شخصيا ربما على زمرة اعتقلته وكانت مستمرئة لمحاكمته ..

نتفهم الإربكاك الذي سببه عدم الترتيب المسبق الذي واجهه السيد خالد خوجة . ونعتبر أن هذه الترتيبات لو حسمت قبل ربما لما انعقد المؤتمر أصلا . ولما رضي السيد خوجة أن يحضر مؤتمرا صحفيا يضع فيه نفسه وهو ممثل الثورة السورية موضع المنهزم ويعطي للسيد لؤي حسين فوق مكانة الندية الاعتبارية ، موقع المنتصر . ( الدركي على الفرس الذي ألهب ظهور السوريين بالسياط على مدى أربعين عاما وختمها بأربعة أعوام من القتل والانتهاك والتدمير.)

لم تكن الجناية الكبرى ، على فظاعتها ، رفض السيد لؤي حسين الاعتراف بعلم الثورة السورية . بدعوى أن العلم الأحمر هو علم الدولة السورية ، نعم هو علم الدولة السورية .. التي قام مغتصبوها تحت رايته بقتل نصف مليون سوري ، وتشريد نصف سكان سورية ، وتدمير ثلثي عمرانها . لا نعلم أي شعور يخالج السيد لؤي حسين تجاه هؤلاء السوريين الضحايا الذين ثاروا على قاتلهم وثاروا على كل من يمت إليه وهو يصر على فرض قراره بالاحتماء بعلم القتلة والمجرمين أو بعلم دولة القتلة والمجرمين..؟!

ولكن الأهم والأخطر في كلام السيد لؤي حسين ، والذي يكشف أنه لم يتزحزح من موقفه الأول في الانحياز إلى النظام ( كشكل على الأقل ) ورفض الثورة وإدانتها ؛ دعوته الصريحة والمكشوفة التي وردت في بيانه إلى ( إنقاذ سورية من كل القوى العسكرية على الأرض من النظام وداعش وغيرها من الميليشيات ) ..

في اعتقادنا أنه لن يتحول السيد لؤي حسين ولا الذين يمثلهم في ظرف تعبوي شديد الدلالة إلى معارض بالمعنى الحقيقي للكلمة ، ثم إلى شريك وطني بالمعنى المستقبلي ؛ ما لم يقطعوا علاقتهم بزمرة القتل والعدوان والاغتصاب ، وإعلان براءتهم التامة من حكم بيت الأسد من أول يوم قام فيه ، من الأشخاص والممارسات على السواء . وما لم يتوقفوا في إداناتهم المريبة عن المساواة بين الضحايا والجلادين . نقول الضحايا وهم الكثير الطيب من أبناء هذا الشعب المبتلى ونقول (الجلادين ) وهم القليل الخبيث الذي يجب بتره والتخلص منه كما يبتر الإنسان طرفه المصاب بالغرغرينا .

لن تكون هناك شراكة وطنية ما لم يعترف أي مظهر للانحياز إلى صف الوطن بالثورة ومشروعيتها وجمالها وبهاء شهدائها وقبح مقاوميها والمتصدين . حتى ردود الأفعال الشاذة والنادة التي يتعلق بها مرضى القلوب والنفوس والعقول تغفرها الظروف الدافعة التي خلقها المجرم الأول ومحازبوه وداعموه ...

كتبت من قبل في أكثر من مرة مدافعا عن السيد لؤي حسين يوم اعتقله المجرمون ومستعد أكثر للدفاع عن أي مواطن سوري يقع عليه الظلم والحيف من أي طرف كان ، ولكن لا بد من إسقاط عمود الظلم الأصلي أولا ثم الالتفاف لمعالجة ما خلفته عملية التصدي للظلم من مضاعفات ...

ورضي الله عن أبي حفص الفاروق عمر ابن الخطاب ( لست بالخب ولا الخب يخدعني ) فلا خبابة ولا خلابة يا عباد الله ...

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين