رسالة دكتوراه سرقت مرتين.. وقفة مع السارق جودة مبروك

التقديم للبحث: قصة السرقتين

أخبرني أحد الأحباب أن كتاب الكُنَّاش لأبي الفداء المؤرّخ، المتوفَّى سنة 732هـ قد سطا عليه واحد من مدرسة شِظاظ وشظاظ اسم لص عند العرب ضُرِب به المثل في اللصوصية وكتاب (الكناش)  هو في الأصل رسالة الدكتوراة التي حصلتُ عليها من جامعة الإسكندرية عام 1984م تحت إشراف الأستاذ الدكتور طاهر حمودة شفاه الله من أسقامه ،وناقشها الشيخ الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله ، والأستاذ الدكتور عبد ه الراجحي تغمده الله بألطافه أيضاً , وتعبت كثيراً للحصول على النسخة التي نوقش فيها  (جودة مبروك) إلى أن هيأ الله رجلاً من أهل  العلم والفضل والخير , فصور لي النسخة ،وما إن نظرت فيها حتى أدركت أن الرجل سراق شاطر، وصل إلى الدرجة العالية في فن السرقة , ورحتُ أفتش فيها عن الأدلة التي تؤكد أنه سراق، فعثرت على أدلة كثيرة , كلُّ دليل منها يشير إلى أن الرجل سطا على الرسالة دون وازع من دينٍ أو خلقٍ، وهذه الرسالة تمت سرقتها من قبلُ على يد ثلاثة من الفنانين في السرقة أيضاً هم :الدكتور صبري إبراهيم السيد من جامعة عين شمس، والدكتور محمد الكبيسي من جامعة قطر، والدكتور عبد العزيز مطر من جامعة عين شمس أيضاً, وتمت طباعة ماسرقوه في مركز الوثائق التابع لجامعة قطر ,ومن فوري نشرت  أكثر من سبعة مقالات في ملحق تراث صحيفة المدينة  الذي كان تحت إشراف الدكتور محمد يعقوب تركستاني حفظه الله , فضحتهم وشهّرت بهم , ثم لقوة الأدلة فازت هذه الأدلة بالجائزة الثانية في موسوعة السرقات العلمية التي عزمت على إنشائها مكتبة المجد في الرياض , وخضعت هذه الأدلة إلى لجان سرية أكدتْ على وجود السرقة ولله الحمد- , وبعد مدة تعاقد الدكتور صبري إبراهيم السيد مع جامعة الملك سعود في الرياض، وهاتفت رئيس القسم هناك  مخبراً إياه بذلك ،وبعد تكوين لجنة سرية أيضاً  نظرتْ في كل الأدلة فخلصت إلى أن السرقة ثابتة ،وأن الأدلة قاطعة فتم إلغاء عقد الدكتور صبري السيد من أجل ذلك، وبعد مدة اتصل بي الدكتور سلطان القحطاني مخبرني أن وكيل الدراسات العليا في جامعة عين شمس- أعتقد أن اسمه رجب- سيتصل بكم من أجل سرقة رسالتكم ، وبعد ذلك اتصل بي الوكيل  طالباً مني نسخة من رسالتي مع الأدلة ولا أدري ما مشكلتهم في ذلك , ولم  أتابع معهم ما حصل ، لأني نشرت  كل شيء وتمت الفضيحة العلمية ، وظننت أن الأمر انتهى عند هؤلاء السراق , وأسرعت في طبع الكتاب وةنشره ، وعقدت فصلاً كاملا في قسم الدراسة عنوانه " طبعة قطر والنخبة المتميزة من السراق"بينت فيه  شأن السرقة الأولى ، وسردت ما نشرته من أدلة في ملحق تراث جريدة المدينة ، وليت الأمر هنا انتهى  وتوقف إذ يبدو أنه لثارات قديمة كانت بين الدكتور عبد العزيز مطر يرحمه الله، والدكتور رمضان عبد التواب يرحمه الله، ضاع كتاب "الكناش" بين مريدي الأستاذين من  السّرّاق ,فالسرقة الأولى تمت من قبل تلميذ الدكتور مطر، والثانية من قبل جودة مبروك  تلميذ الدكتور  رمضان وكلا الأستاذين أخبرتهما حين زرتهما  أنني سجلت هذا المخطوط  رسالة للدكتوراه في  جامعة الاسكندرية ، والله أعلم بحقيقة  سبب اختيار هذه الرسالة المسكينة   للسرقة ، وربما ظن السراق  أن صاحبها مات أو جاءهم خبر موته ، فلن يعلم  أحد بهذه السرفة ولن يطالبهم أحد بحقوقه ، أزعم ذلك لأن كتاب الكناش ليس من تلك الكتب النحوية المتميزة في هذا الفن ،فهو كتاب عام  كتبه الملك المؤيد ليستذكره في شيخوخته  ،بدلاً من الرجوع  إلى المطولات ، ولاتكاد تجد له رأياً نحوياً تفرد به , بل هو يسير كغيره من النحويين المتأخرين مع أصول وفروع المدرسة البصرية ,وتأتي  أهمية الكتاب لكون مؤلفه عالماً في عدد من الفنون فمختصره في التاريخ مشهور وكتابه تقويم البلدان في الجغرافيا أكثر شهرة ، فجاء الكناش مدللاً على علمية هذا الرجل الجامع بين العلم والحكم ، وساءلت نفسي لماذا تهافت السراق على هذه الرسالة النائمة كغيرها على رفوف مكتبة الآداب في  جامعة الإسكندرية ؟ فكرت ملياً في الأمر فلم  أقف على سبب أتكئ عليه للجزم لكن لاح  لي أن سبب هذه السرقات هو ذلك الخلاف الذي حصل بين الأستاذين رمضان عبد التواب وعبد العزيز مطر ، فصارت رسالتنا ميدان المعركة الخفية بينهما إذ كل واحد وجه أحد طلابه لهذا المخطوط  نكاية بالآخر بدليل أن جودة اتجه إلى نقد طبعة قطر التي راجعها الدكتور مطر ،والظاهر أنني حين ذكرت في إحدى مقالاتي التي نشرتها في ملحق تراث المدينة أدلل فيها على أن طبعة قطر مسروقة من رسالتي , توجهت بالخطاب إلى الدكتور عبد العزيز مطر- رحمه الله - قائلاً له :يبدو أن تجربتك الماضية مع الدكتور رمضان عبد التواب، لم تستفد منها، وغايتي من ذلك تذكيره بأن لك سابقة مع الدكتور رمضان فهما تراشقا سهام السرقة بينهما قديماً ,حول كتاب لحن العامة ، - فيما أعلم - وعلى عادة الإعلاميين نشر الدكتور محمد يعقوب تركستاني صورة رمضان عبد التواب في هذه الحلقة، فيبدو أن الدكتور رمضان  نقل له ذلك على غير ما أردنا وقصنا من كلامنا فغضب من ذلك وأسرها ، فأحب النيل مني ظناً منه أنني تحدثت عنه في مقالتي حديثاً مطولاً مسهباً , وأني رميته بالسرقة التي بات الرجل يعاني منها بعد حادثته الثانية المعروفة التي أدت به إلى المحاكم ،والظاهر أنه نكاية بالدكتور عبد العزيز مطر، ونكاية بي أنا ،وجه طالبه اللص (جودة مبروك) إلى هذا المخطوط الوحيد الساكن في دار الكتب المصرية ، وهو الذي قمت بتحقيقه في مرحلة الدكتوراة  في جامعة الإسكندرية , والأمر العجيب حقاً أن كلاً من الدكتورين عبد العزيز مطر ورمضان عبد التواب رحمهما الله تعالى - يعلمان أنني سجلت هذا المخطوط لنيل الدكتوراة في جامعة الإسكندرية , وقصة ذلك أنني زرت أستاذي الجليل عبد المجيد عابدين رحمه الله ، وأنزل على قبره شآبيب رحماته لأسأله عن معنى كلمة "الكناش" لأنه عالم باللغات السامية , وبعد انتهاء الزيارة قال لي : اذهب إلى الشيخ محمود شاكر في القاهرة واذهب أيضاً إلى الدكتورعبد العزيز مطر في كلية البنات التابعة لعين شمس ،وإلى الدكتور رمضان عبد التواب ، واسألهما عن لفظة (الكناش ) السامية لعلك تستفيد منهم ,  فسافرت إلى القاهرة وزرت الشيخ محمود شاكر رحمه الله - الذي كنت في شوق إلى رؤياه، لأن الشيخ أحمد راتب النفاخ يرحمه الله في الشام  ،كان  يثني عليه كثيراً بتعبيرات راقية ،قل أن يقولها في حق أحد ,وذلك حين كان يدرسنا مادة "كتاب قديم" في أمالي القالي ، والمهم أنني لم استفد من الشيخ محمود شاكر ، لأن مفهوم الكناش عنده هو المفهوم العام الذي يعرفه كل المثقفين ، وهو أن يُكتبَ فيه كل شيء من غيرترتيب  ,وخالفت الشيخ شاكراً في ذلك ، لأن  كناش أبي الفداء هو شرح لأجزاء من مفصل الزمخشري وأجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته ،ولم يقتنع الشيخ محمود إلا بعد أن عرضت عليه المخطوطة ، وأوقفته على قول أبي الفداء (وقوله) قائلاً له : ياشيخي الضمير يعود على الزمخشري في المفصل وكنت أقرأ عليه  نص المفصل أيضاً لتأكيد قولي فكان يستمع ويحرك رأسه حركة ارتفاع وانخفاض وهي تحتمل الاقتناع وعدمه ،فما أدري هل اقتنع بذلك ،أم لم يقتنع رحمه الله رحمة واسعة ثم قمت منصرفاً  وهو يشيعني  إلى باب شقته ، لطفاً منه ومحبة للنفاخ في الشام ولعابدين في الإسكندرية ،طالباً مني تبليغ سلامه إليهما ،-رحمهم الله تعالى جميعاً- ثم توجهت إلى الدكتور رمضان عبد التواب وعبد العزيز مطر فكان مما أذكره الآن أن الدكتور عبد العزيز مطرقال لي : الكلمة أعجمية، وأكد الدكتور رمضان على ذلك ، ولم تستغرق الجلسة مع كل واحد منهما أكثر من عشر دقائق لكثرة أشغالهما بطلابهما , والمستفاد من ذلك أنني ذكرت لهم بأنني أحقق كتاباً عنوانه الكناش وأني سجلته في جامعة الإسكندرية لنيل درجة الدكتوراة به , وأنجزت تحقيق ودراسة الكتاب وتمت المناقشة ،وفوجئت بسرقة خسيسة للكتاب تمت من قبل الثلاثة الذين ذكرناهم قبل ، وتم فضحهم ثم بعد ذلك علمت بموت اثنين منهم الدكتور عبد العزيز مطر والدكتور صبري السيد الذي مرض مرضا شديدا قبل موته وأرسلت له بأني سامحته  على فعلته كما سامحت الدكتور مطر ، وبعد مدة علمت بالسرقة الثانية التي  قام بها  الشاطر (جودة مبروك) ،وحصَّل بها درجة الماجستير ،من جامعة بني سويف ، وأشرف عليها الدكتور رمضان عبد التواب مع مشرف آخر هو  الدكتور رجب عثمان , ولست أعرف سبباً لذكر جودة عدداً من أسماء الأساتذة  قدم لهم هذا الكتاب على أنه هدية مهداة ،فكأنه يحاول ابتداءً أن يتغطَّى بهذه الأعلام الكبيرة  , مُخوّفاً بها من سيتتبعه في عمله ، ويسكت على صنيعه " ونسي قوله تعالى (يا بني اركب معنا )ونسي أيضاً إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )

 

 ولكن هيهات هيهات لظنك, فإن مثل هذه الألاعيب والحيل لا تزيدنا إلا إصراراً لكشف الحقيقة وفضح السرقة  تماماً


تحميل الملف