رحيل المؤرخ الفلسطيني المجاهد محمود الصمادي

(1346- 1443هـ/ 1928- 2022م)

المولود في فلسطين، نزيل دمشق، والمتوفى في القاهرة

֎ وصفه الأستاذ محمد بن محمد حسن شرَّاب في كتابه (معجم العشائر الفلسطينية) بقوله: (الشيخ الحافظ الرحالة وعاء العلم، ومعجم تراجم الرجال، هو دائرة معارف في تراجم الرجال القدماء والمعاصرين، وفي أحداث فلسطين ورجالاتها وثوراتها، وفي الفقه الإسلامي، وأسباب نزول القرآن وتفسيره، وفي السيرة النبوية وأعلام الصحابة والتابعين، والملل والنحل الإسلامية والمسيحية واليهودية، والكتب القديمة والحديثة، وقيمة مضموناتها).

֎ وقد أصاب كبِدَ الحقيقة في وصفه؛ إذ عرفتُ الشيخَ الصمادي في رحلة لا تُنسى مضَينا فيها من دمشق إلى إستانبول برًّا؛ لحضور مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية، من 13 إلى 15/ 8/ 2008م، صحبة عدد من كرام الأدباء، على رأسهم أستاذنا الكبير د. وليد قصاب، والشاعر الإسلامي الكبير مصطفى عكرمة.

وفي هذه الرحلة سعدت جدًّا بمجالسة شيخنا أبي سميح، والإصغاء إلى حديثه الرائق السَّلسال، وقصصه المستطابة التي تقَرُّ لها النفس وتأنس. في شؤون شتَّى؛ من تاريخ فلسطين العامِّ وحادثة النكبة، وتاريخه الخاصِّ واشتراكه في الجهاد عام 1948 و1967م، وخبر التشرُّد والنزوح المؤلم، فضلًا عن صِلاته ببعض أعلام العصر، وبأصحابه وأحبابه في الشام، ممن ابتهج بمعرفتهم والقرب منهم، ومن أحظاهم عنده الشيخ محمد محمد حسن شرَّاب، وشيخنا عبد القادر الأرناؤوط.

֎ ومن تمام توفيق الله لابنته الكريمة الأستاذة هدى محمود الصمادي، أن هيَّأ لها وأعانها على تدوين هذا التاريخ العريق المتطاول، مسطِّرةً إياه من فم بطله وروايته، في كتابها (رحلة لاجئ من لوبية إلى بولاق الدكرور) الذي صدر عن دار صفحات للدراسات والنشر بدمشق، عام ٢٠١٩م.

֎ وكان الشيخ الصمادي مولعًا بالكتب، وقارئًا بصيرًا، في التاريخ والتراجم والسِّيَر التي شُغف بها حبًّا، وفي علوم الشريعة والعربية والأدب. أما سَمتُه وصلاحه، وحِلمه وحكمته، ولطفه وتواضعه، وورعه وزهده، فالحديث عنها يطول.

֎ وُلد الشيخ عام 1346هـ/ 1928م، في (قرية لوبية/ لوبيا) التي كانت من أكبر قرى قضاء طبرية المأهولة قبل 1948م، ولمَّا استبسل أهلُها في مقاومة المحتلِّ بضراوة، كان مصيرَ سكَّانها القتلُ والتشريد، ومصيرَها الهدمُ والتدمير على رؤوس من بقيَ فيها.

֎ طابَ له المقام في الشام منذ 1948م؛ فقضى عقودًا من عمره في حيِّ مخيَّم اليرموك بدمشق، عمل فيها في سِلك التربية والتعليم، وكُتبيًّا في مكتبته الصغيرة في المخيَّم التي يبيع فيها الكتب و(القرطاسية).

֎ ومن علماء الشام ومشايخها الذين اتصل بهم، وانتفع بعلمهم، وتأثر بمنهجهم: العلامة الشيخ محمد بهجة البَيطار، والشيخ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ المحدِّث عبد القادر الأرناؤوط، الذي كان حريصًا على حضور مجالسه العلمية وخُطَبه أيام الجُمَع. وقرأ على الشيخ المحقِّق محمد أحمد دهمان، واستفاد منه في فن تحقيق التراث ومعرفة الكتب وطبَعاتها. ولزم دروس عدد من العلماء في مساجد دمشق من أبرزهم: الشيخ محمد سعيد البرهاني، والشيخ عبد الحكيم المنيِّر، رحمهم الله جميعًا.

֎ أسَّس الشيخ ورَأَسَ الجمعيةَ الخيرية الفلسطينية في مخيَّم اليرموك عام 1966م، وكان رَأَسَ من قبلُ لجنةَ بناء جامع الرجولة في المخيَّم عام 1961م، وتولَّى الإمامةَ والخطابة فيه سنوات.

֎ لم يُكثر الشيخ من التأليف والتحقيق، أما أشهرُ ما صدَر له فهو:

● (تخريج كتاب تفسير الجلالين) الذي تخيَّر فيه أحاديثَ مناسبة تفسِّر الآيات القرآنية وتبيِّنها، في كل صفحة من صفَحات الكتاب، طبعة دار الملَّاح بدمشق.

● تحقيق كتاب "نشوة السَّكران من صَهباء تَذكار الغِزلان" لمحمد صدِّيق حسن خان القِنَّوجي، صدر عن دار كرم بدمشق.

● سلسلة من عظماء الإسلام؛ ترجم فيها لأكثر من ثلاثين صحابيًّا وتابعيًّا وإمامًا.

● سلسلة من أبطال النهضة العربية؛ كتب فيها عن يوسف العظمة، وعبد القادر الحسيني، وغيرهم.

֎ اضطَرَّته الأحداث التي عصفَت بالشام في عام 2011م إلى مغادرة داره في المخيَّم، والنزوح مرة أخرى إلى القاهرة التي قضى فيها العِقدَ الأخير من عمره، حتى استأثر الله به أَصِيلَ يوم أمس الأحد الخامس من رجب 1443هـ (6/ 2/ 2022م) عن 97 عامًا، عَقِيبَ إصابته بداء كورونا، وكان ممتَّعًا بذهنه وحفظه وذاكرته إلى وفاته. ودُفن اليوم الاثنين سادس رجب 1443هـ في شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بعد أن صُلِّيَ عليه ظهرًا في المسجد الذي كان يؤمُّه في حيِّ بولاق الدكرور بمدينة الجيزة من القاهرة الكبرى.

رحم الله الشيخ الصالح محمود الصمادي،

وأحسن عزاء أولاده وأسرته وطلابه وأحبابه فيه..

وأخصُّ منهم بالتعزية ولدَه العزيز الصديق الحبيب الأستاذ الأديب خليل الصمادي.

لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

● أفدتُّ في كتابة ترجمة الشيخ من مقالة بقلم ولده الصديق الأستاذ خليل الصمادي، بعنوان (الشيخ محمود إبراهيم الصمادي)، في موقع رابطة أدباء الشام، هذا رابطها:

https://shortest.link/2Xgw