رحيل العلامة: عبدالستار بن درويش الحسني

توفي في بغداد الاثنين ٦ من شعبان ١٤٤١ الصديق العلامة اللغوي الأديب الشاعر المؤرخ الخططي البحاثة المحقق السيد عبدالستار بن درويش الحسني البغدادي (ولولا قوله: لا أجعل في حل مَنْ وصفني بالنسابة، لوصفتُه به، فقد كان كذلك، ولم أر مثله في حفظ الأنساب)، وقد نشأتْ بيننا معرفة منذ عام ١٩٨٧، واستمرت إلى اليوم، ومع أننا لم نلتق منذ عام ٢٠٠٠، إلا أننا كنا نتواصل مهاتفة ومراسلة بوسائلها لا سيما المستجدة.

غادر السيدُ هذه الدنيا عن سبعين عاما هجريا (إلا شهوراً) تاركاً وراءه مؤلفات وأبحاثا ومقالات وأشعارا كثيرة، غير مجموعة، ولم يكن حريصا على جمعها، ولا متوجهاً إلى ذلك.

وربما نُسِب بعضها إلى غيره.

كان تغمده الله برحمته من أهل الاعتدال والإنصاف، وقافا مع ما يراه الحقيقة، وله صلات علمية مع كثيرين، وكان يحب التطواف في مدن العراق وغيره.

وذكر لي أنه زار قبر الإمام الغزالي أكثر من مرة، وأرسل لي مرة صورة المكان... كما زار قبر الوزير نظام الملك وأرسل صورته كذلك...

وكان يحب زيارة قبور العلماء الأسلاف...

ومما ذكره لي أن المجلسي من ذرية أبي نُعيم الأصبهاني، وهذا مما يعجب له.

كان رحمه الله (صَرُورَةً) لم يعرف من دنياه سوى العلم والأدب، وما كان من أهل الدنيا.

ومن عجيب أمره أنه كان يدخن، ولكنه لم يفعل ذلك عندنا مطلقا...

وكان أصيلا نبيلا...

وسئل عن موقف طريف مرَّ به، فقال: كنت في سامراء وتعبتُ فجلست في الشارع، فمر رجلٌ ورَضَخني بدرهم...

ولم يكن يعبأ بلباس ولا زينة...

ومن مؤلفاته كتابان ضاعا، وهما:

صيد الشوارد فيمن انتسب إلى غير والد.

وملاحظات على تاريخ بغداد للخطيب (الطبعة المصرية)

وكل منهما في مجلد...

وهو الذي ذهب معي لزيارة موقع المدرسة الشاطئية على دجلة، والوقوف على القبر المنسوب إلى ابن الجوزي، وزيارة قبر غلام الخلال الحنبلي، وباب الظفرية من أبواب بغداد القديمة.

وكان يحب مدينته حبا جما، وله معرفة واسعة بتاريخها ورجالها..

وقد قرأت عليه في "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم...

وأجاز لي وأجزت له...

وكانت لنا جلسات وسهرات ومطارحات ومكاشفات يضيق المجال عن ذكرها...

وألّف باسمي: (هدية السلامي إلى ..... الشامي).

وما كان يدع مناسبة تمر إلا شاركني فيها مهنئا أو مواسيا...

وحين بلغتُ الأربعين أرسل لي قصيدة من أربعين بيتا...

وهو ممن ألين له الشعر والتاريخ الشعري...

ولو أردت الحديث لطال بنا الوقت...

رحم الله السيد رحمة واسعة، فقد كان من البقايا، وقلّ مَنْ عرفه، وقلّ مَن يمكن أن يخلفه في مجموع ما كان فيه...

رحل وفي نفسه -فيما أشعر- حسرات، وكم حسرات في بطون المقابر...