رحم الله أخانا الحبيب الفاضل الأستاذ أبا بلال محمد أسامة العرق سوسي، الذي أحسبه من الفضلاء الصالحين، كان سليم الصدر، موطَّأ الأكناف، محبًّا للعلم وأهله، راغبًا في التعلم والاستزادة من المعرفة.
عرفته أول ما عرفته عام 1422هـ في مقرِّ عمله بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، في زياراتي المتكررة لأستاذي العالم اللغوي الجليل محسن خرابة البدراني المشرف اللغوي ثَمَّة، رحمه الله تعالى.
ثم استحكمت صلتي به في مجالس شيخنا الجليل الرباني العالم المربي عبد الرحمن الباني عليه رحمات الله، التي استمرَّت سنوات، كان أخونا أبو بلال ركنًا ركينًا فيها، وحِلسًا من أحلاسها، حريصًا كل الحرص على تدوين ما يتحفنا به الشيخ من فوائده الثرية العالية، ومعارفه النافعة الوافية، وشهاداته على أحداث عصره التي أدرك منها قرابة قرن من الزمان.
وكان محبًّا لشيخنا مبجِّلًا له، وكان الشيخ يحبه أيضًا وينزله منه منزلة الولد؛ كيف لا وهو ابن أحد خُلَّص إخوانه العالم المربي الشيخ محمد خير العرق سوسي رحمه الله.
وبعد وفاة شيخنا الباني استكتبتُه لكتابي الكبير الجامع عنه، فكتب مقالة بعنوان: (انطباعات عن شيخنا المربي عبد الرحمن الباني)، نشرتها له في شبكة الألوكة بهذا الرابط: (https://www.alukah.net/culture/0/37663/)
والأستاذ أسامة سليل أسرة دمشقية عريقة من أُسَر حي سوق صاروجا (بالصاد، نسبة إلى الأمير المملوكي صارم الدين صاروجا المظفَّري، وتنطقه العامة اليوم ساروجا بالسين)، وهي فرع من أسرة العقَّاد، جد العائلة بدمشق: علي العقاد، وقد غلب لقب (العرق سوسي) على ولده عبد الله بن علي؛ لعمله في صناعة شراب العِرق سُوس المشهور، ولزم اللقب ذريته من بعده بدمشق، ويرسمونه اليوم (عرقسوسي).
ووالده هو العالم الداعية المجاهد محمد خير العرق سوسي (1342- 1420هـ/ 1922- 1999م) رحمه الله تعالى، من أعلام المربين، ورجالات الفكر والدعوة المقدمين، وأول عربي ينال الدكتوراه في التربية المقارنة والتخطيط التربوي من جامعة جنيف بسويسرا، صاحب التآليف والمصنفات في الفلسفة وعلم النفس والتربية وتعليم العربية للناطقين بغيرها.
وقد صنعتُ له ترجمة ضافية حافلة لعلي أنشرها قريبًا إن شاء الله، وله ترجمة في (ذيل الأعلام) للعلاونة 2/ 160، و(تتمة الأعلام) لمحمد خير رمضان يوسف 7/ 317، و(علماء دمشق وأعيانها في القرن الخامس عشر الهجري) لنـزار أباظة ص391، و(معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين) لعبد القادر عيَّاش ص349، و(علماء الشام في القرن العشرين وجهودهم في إيقاظ الأمة والتصدي للتيارات الوافدة) لمحمد حامد الناصر ص236.
ترجمة موجزة لفقيدنا الراحل:
هو محمد أسامة بن محمد خير بن حسن بن عبد الله بن علي العقاد العرق سوسي، ولد بدمشق سنة (1373هـ/ 1954م)، وحصل على (بكالوريوس) في التربية والعلوم تخصص رياضيات من جامعة الملك سعود بالرياض سنة 1983م، وعلى (دبلوم عالي) في الإدارة والتخطيط التربوي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1986م.
عمل باحثًا مساعدًا في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض سنوات مديدة، بدءًا بعام 1990 إلى أن أصيب بجُلطة دماغية عام 2013 أقعدته عن العمل، وأضنت جسده وأهزلته، وأشلَّت النصفَ الأيسر منه، ولم يزل صابرًا محتسبًا على ما أصابه من ضُر ونصَب حتى أصيب بجُلطة دماغية أخرى قبل أكثر من شهر أفضَت إلى أزمة تنفسية فسكتة قلبية، ثم كانت وفاته في أول أيام عيد الأضحى المبارك من هذا العام 1440هـ في اصطنبول، وصُلِّي عليه عقب صلاة الظهر من يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحِجة، في مسجد باشاك شهير، ودُفن في مقبرة Taşoluk.
رحمه الله تعالى برحمته، وجعل ما نزل به من داء عَياء، وما عاناه من نصَب ووصب كفارة له ورفعة يوم الجزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن أنسَ لا أنسَ صورته يوم جاءني يسعى على كرسيِّه المتحرك، في ليلة مَطيرة، وقد براه المرض بَريًا فأمسى جِلدًا على عظم، متحاملًا على عجزه وآلامه؛ ليعزيَ بسيدي الوالد غِبَّ وفاته، تغمدهما الباري بعفوه ورحماته.
ملحوظة:
ثَمَّة أسرة أخرى بدمشق اشتهرت بلقب (العرق سوسي) في حي الشاغور، ومنها الشيخ المقرئ المتقن عز الدين العرق سوسي (ت 1378هـ / 1959م)، وشيخنا الحافظ المحدث والباحث المحقق والداعية الواعظ أبو بشير محمد نعيم العرق سوسي حفظه الله وبارك في عمره وصحته.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول