رثاء الشيخ محمد علي الصابوني

إلى فضيلة رئيس رابطة العلماء السوريين الأبرار

الشيخ المجاهــد محمد علي الصابوني ــ يرحمه الله ــ في جنات الخلود إن شاء الله

 

ضجَّتْ لغيبـةِ وجهِــك الشَّهباءُ = وبكتْ بيومِ رحيلِـكَ العلماءُ

ودمشقُ واجمةٌ وسائرُ شامِنا = جـلَّ المصابُ وسارت الأنبـاءُ

وهناك في أمِّ القرى عين بكتْ = والإخوةُ الأبناءُ و الآباءُ

وعلى الثغورِ مجاهدون عيونُهم = بالدمعِ فاضتْ والدموعُ وفاءُ

واشتدَّ حزنُ القومِ فيك وإنَّمـا = يُبْكَى الضحى إنْ هاجتِ الظلماءُ

فلِمثلِ صوتِك عاشَ يُصغي جمعُنا = في الشامِ لـم يَفْتِنْهُمُ السُّفهاءُ

قد كنتَ بدرًا في سماءِ ربوعِنا = ولـك المدارُ الحُلوُ واللألاءُ

وتلوحُ إن دهتِ النوازلُ في الدجى = كالصَّارمِ البتَّـارِ ليس يُساءُ

بالحقِّ جالدْتَ الذين تلوَّنوا = زورًا كمـا تتلونُ الحِـرباءُ

ونهضتَ بالشَّرعِ الحنيفِ كمـا أتَتْ = بِسَنَى علاهُ السُّنَّةُ الغــرَّاءُ

تأبى المِـراءَ : غباءَ نفسٍ أدلجتْ = والعينُ في تَطوافها عمياءُ

ياصاحبَ التفسيرِ صفوتُـه لهـا = في العالمين ــ أخـا الهدى ــ أصداءُ

وعقيدةُ السَّلفِ الكرامِ نظمتَها = فَهَفَتْ إلى أفيائهـا العقلاءُ

يستجلبون النهجَ نهجَ نَبِيِّنَـا = فَتُرَى عليه السِّيرةُ الحسناءُ

فمؤلفاتُـك لـم تزلْ نورا لمَن = نادتْ رؤاهُ الدعوةُ العصماءُ

قـد عشتَها أيامَ خيرٍ ملؤُهـا . = . التأليفُ والتبيانُ والإنشاءُ

وأتيتَ بالقيمِ الأثيرةِ لا كمـا = جاءت بهـا لفسادِهـا الآراءُ

أمـا الميسرُ للبخاري فانثنى = ــ لمَّـا بـدا في شرحه ــ الخبثاءُ

أحقادُهم ركلت بأحذيةٍ ولم = يصمد أمامَ بيانها اللؤماءُ

فعقيدةٌ سبئيةٌ مأفونةٌ = غمرتْ فصولَ غثائها الأنـواءُ

ووقفتَ كالجبل الأشمِّ مؤيَّدًا = بالحـقِّ حيثُ استعصمَ البلغاءُ

شخصيةٌ نالت مكانـةَ رِفعةٍ = لمَّــا تنلْها القِمَّةُ الجوزاءُ

تسعون عامـًا مالوتْ عـزمًـا سَخَا = عند الهبوبِ بدربك النكباءُ

إذ هكذا العلماءُ عاشوا في الورى = لهـم السيادةُ : أهلُهـا الأكفاءُ

هذي رسائلُك الكريمةُ صوتُهـا = أصغى إليه شبابُنا المعطاءُ

إذْ في العقيدةِ والصلاةِ وسِفرِها = جَلَّـى هُداهـا النُّطقُ والإيمـاءُ

أغرت رجالَ العلمِ في أزماننا = ماعابهـا دجـلٌ ولا إخفــاءُ

أمُّ القرى تبكي عليك مودةً = وبها تطيبُ الدعوةُ السَّمحاءُ

والمسجدُ الميمونُ لاينسى وقد = أوفى الحديثَ لأهلِـه الإفتاءُ

وعكفتَ فيها باحثا متبحرًا = في العلمِ لمَّـا حثَّـكَ الإحياءُ

والمستشارُ بهيئة الإعجازِ لـم = تجفلْ فأنتَ لركنهـا البنَّـاءُ

فبها الهدى والعلمُ والأفذاذ عاشوها . = . وفيهـا العصبةُ الحكماءُ

تبقى من الحرمين تحملُ مشعلا = للعالمين هُدىً يــدٌ بيضاءُ

فللحرمين أعلامُ الهدايةِ إنهـم = حِرزُ الهدى وجبينُهم وضَّـاءٌُ

ياقائد العلماءِ في شامِ النَّدى = ذلَّتْ أمامَ صمودك الأعداءُ

والعزُّ للشعبِ الأبيِّ ولـم يزل = في صفِّـه علماؤُه الفضلاءُ

اللهُ يرفعُ قدرَهم بين الورى = والشَّاهـدُ القرآنُ والعليـاءُ

مضتِ القرونُ وذكرُهم باقٍ على = أفقِ الخلودِ فشأنُـه الإعــلاءُ

علماؤُنـا الأخيارُ مـا هـانوا ولا = لانوا وحـالُ شعوبهم نكراءُ

هاهم وقد طغتِ الخطوبُ وأوجعتْ = كبدَ الشعوبِ الغارةُ الشعواءُ

يسعون بين الناسِ لـم يهدأْ لهم = بالٌ ولـم ترهبْهُمُ الهيجـاءُ

هـم صفوةُ القوم الذين اختارهم = ربُّ السَّـما ــ في العصر ــ والغرباءُ

علماءُ دينِ اللهِ في أقطارِنـا = لهمُ الفدا والهمَّـةُ القعساءُ

والموتُ حـقٌّ ، فالمقالةُ والعَزَا = ماترتضيه المـلَّةُ الغــراءُ

كم عالم لقي الشهادةَ باسما = إذ بورك العلماءُ والشهداءُ

وكم اشمخرَ بوجـهِ مَن ظلموا ومَن = قتلوا الشعوبَ سفاهـةً وأساؤوا

ماهـم سوى العلماءِ مَن وجدوا لهم = إرثَ النَّبَيِّ ومنهم الفقهاءُ

والصَّابرون على الأذى لـم يحفلوا = بالنَّائباتِ وإنَّهـم سُمَحَاءُ

تمضي الحياةُ وإنما غدا الجــزا = للأشقياءِ ، وللهــداةِ جــزاءُ

في جنَّة الفردوسِ مأواهـم وفي = طيبِ النعيمِ سيخلدُ السُّعداءُ

تُزجَى لهم نفحـاتُ ربٍّ راحــمٍ = ماشابهـم كــدرٌ ولا إعياءُ

عذرًا فقيدَ ركابِنا ، فلكم على = أمثالِنـا شجنٌ طغى و رثاءُ

ولقد بكينا يامحمدُ مَن قضوا = وتلألأت بسمائنا الأسماءُ

علماؤُنا شهداؤُنا ، واللهُ لن = ينسى وقد فاضت هناك دمــاءُ

والأمَّـةُ الثكلى تنوحُ وتشتكي = وكأنمـا أبناؤُهـا الضعفاءُ !!!

لكنهـا صبرتْ ، وآنَ لدينِهـا = عــَوْدٌ لهـا وبـه لديك رجـاءُ

فانصرْ إلهي أمَّــةً يحيـا بها = مـا سَفَّهَ الطاغوتُ والإزراءُ

ويعودُ بالإسلامِ وجــهُ زماننا = طلقًـا تغرِّدُ حولـه الشعراءُ