رثاء الاخ الغالي حسان ادلبي  يرحمه الله تعالى

 

 

الحبيب الغالي حسان .....

 

في مطار جدة وانا مغادرا الى تورنتو ، .... تذكرت قوله تعالى : " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة .. " ما كنت أظن يوما ، يا حسان  يا ابا الأمين ، وما كان يدور بخلدي أبداً ،  أن أسطر هذه الكلمات في رثائك، ، كنت أؤمل أن تطول حياتك، وتتابع مسيرة عملك ، ولكن قضاء الله خير، وكان أمر ربك قدراً مقدوراً.

 

نعم انها دقائق قليلة ربما لا تتجاوز الخمس دقائق حددنا معا تاريخ الذهاب الى العمرة وذلك في يوم دعوة الشركة الى الافطار ... ولكن كان الاختلاف على ساعة الانطلاق هل نفطر في جدة  مع الشركة وننطلق أو ننطلق قبل الافطار حرصا على العمل في اليوم التالي .... تركت القرار لي مدعيا انني انا الافضل وانا الاكبر من تواضعك  المعهود ... فقلت  انا لك انت الاكبر يا حسان ولكني ولدت قبلك ...( ولدت قبلك بعام واحد ...) فكانت اخر كلمة لك لي  هي : لؤي معك ساعة حتى اصل الى المكتب وتتخذ القرار لنرسل للشركة التاكيد على الدعوة ... كان هذا اخر كلامك لي ... وكانت مكالمتي  هي اخر مكالمة لك ... وما هي الا دقائق حتى جاء أمر الله سبحانه وتعالى  ، نعم ، صدق الله القائل في محكم تنزيله : " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "

 

في صباح يوم الاحد  6 يوليو ( تموز ) 2014 الموافق 9 رمضان 1435 وفي الساعة التاسعة صباحا اصطفاك الله سبحانه وتعالى  اثر انقلاب في السيارة في الحال ، وانت في طريقك لعملك ، في موقع الحادث وانت صائما .... لا اله الا الله ، رضينا بأمر الله ، وإنا لله وإنا اليه راجعون ....

 

فزت يا حسان ، نعم فزت ورب الكعبة لقد فزت ...

 

وفدت على ربك صائما .. ومن وفد على ربه صائما ، يفطر عند الله سبحانه وتعالى ..

 

تمت الصلاة عليك في افضل مسجد ، الا وهو المسجد الحرام  بمكة المكرمة

 

وُري جسامنك  ثرى مكة المكرمة الطاهر ... في المعلاه ... هنيئا لك ...

 

فزت ورب الكعبة يا حسان ...

 

أخي الحبيب حسان  شقيق روحي ، يكفيك فخراً وشرفاً أنك من سلالة طاهرة، مشهور بالعلم  من آل الادلبي لها في الإرشاد وتزكية الأنفس، وإصلاح آفات القلوب الباع الكبير، والقدوة الرائدة ، ليس في حلب فقط بل في سوريا كلها ..

 

حُق للعين ان تدمع على فراقك أيها الحبيب فإن لذكراك من الطيب أياما لا تنسى ..

 

في يوم الثلاثاء الماضي الرابع من رمضان ،  وبينما كنا ذاهبين لصلاة القيام .. قلت لي بأنك عاهدت الله سبحانه وتعالى بأنك لن تفوّت ولا ركعة  من ركعات القيام هذا الرمضان ، نعم هنيئا لك على هذا العهد ..

 

أخي حسان  حينها  كنت انا متعبا خرجت الى عملي عقب صلاة الفجر مباشرة وعملت تحت اشعة الشمس في صحن الطواف لازالة الحواجز للمعتمرين وكان يوما شاقا ولم اذق قسطا من الراحة ، وعندما وقفت بجانبك في صلاة القيام  ، استحييت من الله سبحانه وتعالى ان اترك الصلاة في الركعات الاخيرة بالرغم من التعب الشديد جدا ، لان اخي الحبيب قد عاهد الله على تمام القيام ....

 

أخي حسان ... الأب المربي ..

 

في وداعك الاخير لابنتيك سوزان وسارة جلست في مطار جدة تنتظر وقت اقلاع الطائرة و راجعت معهما احكام التجويد  لتلاوة كتاب الله ، لله درك أيها الاب المربي  ، في المطار تذكرهم بأحكام النون الساكنة والتنوين والمدود واحرف الاستعلاء والاستفال وووو تشرحها لهم حتى انك كتبت حينها ثلاثة اوراق في ذلك ... وانت حريص على الوقت وحبا بكتاب الخالق ...

 

اخي حسان ...  المرتب  المنظم في دنياه ...

 

أذكرك كيف كنت حريصا ان يتم طي الملابس بدقة لتكون في مقاس واحد  حتى يومها قلت لك انتظر لا بد ان اخذ لك بعض الصور لكل حركة وانت مبتسما  ابتسامتك المعهودة..

 

أخي حسان  ... لم تقتصر النظافة والترتيب  في ملبسك ومأكلك وبيتك ، بل حتى انتقلت   حرصا منك الى بيت الله ، نعم اذكرك عندما كنا نصلي في مسجد الحي كيف اتفقت مع عامل المسجد ان ينظف خارج المسجد ليبقى مظهر المسجد من الخارج نظيفا جميلا ودفعت له أجر دوري لذلك ...

 

أخي حسان ....  الكريم ... أذكرك جواداً كريماً تبذل ما عندك وتكرم ضيفك ما وسعك من الكرم، وكم بذلت من مال في مساعدة الفقراء والمحتاجين   ... عرفت فيك الكرم والاكثار من الصدقة بسخاء حتى اذكر انك اوصيتني مرات ادفع لفلان وفلان ،... نعم عرفت فيك الكرم واشهد الله سبحانه وتعالى على ذلك ... إنه الاقتداء بالرسول العظيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الذي كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

 

أخي  الحبيب حسان واذا تكلمت عن  الخلق الحسن الذي وصفه الرسول عليه السلام انه يثقل ميزان العبد يوم القيامة ،فاني أذكرك  متواضعاً متياسراً، تخفض جناحك لمن تلقاه، ، وتأكل ما حضر، وتمشي على الأرض هوناً، وتقابل من تلقاه بوجه بشوش، وثغر بسام، وتبدأ الناس بالسلام قبل أن يبدؤوك، وتحييهم قبل أن يحيوك،... الكل يشهد لك بخلقك الحسن وبأدبك وبحسن معاملتك وبصفحك و صبرك وتواضعك  وابتسامتك الدائمة ....إن الكلمات تعجز عن الوصف احتراما لك ... وهذا لعمري خلق  الأنبياء.

 

عرفت فيك الامانة والصدق والاخلاص في العمل بالرغم من ان هذا كان يغضب الكثيرين في العمل ، فكانت كلماتك مسموعة مصدقة محترمة  مهابة ، يحسب لها البعض لانها كلمات حق ..

 

عرفت فيك التزامك واحترامك للوقت وللمواعيد .... هذا غيض من فيض مما سمح به القلم في هذه العجالة عن حياة الغالي حسان ، وأرى  أن فقيدنا الحبيب حسان قد حاز المجد من أطرافه، وبلغ في مآثره وخلقه الأوج.

 

أخي الحبيب أذكر تحديدا في يوم 28 فبراير ( فبراير ) 2014 أني رايتك في المنام حيث تم نقلك من قبل الشركة التي نعمل بها  معا شركة تيرنر الى  فرع نيوزيلندا وسكنت في بيت كبير جدا ولكن في البيسمنت ( الطابق السفلي ) وزرتك هناك حيث كنت تقيم في غرفة و من كبر مساحتها كانت تحوي محتويات غرفة النوم و محتويات غرفة الجلوس والمطبخ على صف واحد حيث اتممت غسيل الصحون بالكامل ورتبتها كعادتك وبجانب المطبخ في هذه الغرفة الواحدة  الكبيرة كان مزروع  بها شتلات من الخضار وأولها الكوسا وكانت مثمرة ، وبعدها الخيار ويليها البندورة وتعجبت حينها أن ّ لهذه الثمار بأن تثمر في غرفة واحدة لا يوجد فيها نافذه للشمس، و بعد ذلك الورود من الاصناف والالوان التي لا تحصى وكل هذا في غرفة واحدة  التي كانت مؤثثة بالكامل وتحتوي على كل ما يحتاجه الانسان ، وايضا تطل هذه الغرفة على شاطئ البحر ....!!! واستيقظت مسرورا حينها لهذه السعادة التي انت بها في هذه الرؤيا ، وفي طريقي للعمل كتبت تفاصيل الرؤيا وارسلتها لك عبر الجوال .... حتى سالتك حينها ترى هل يوجد للشركة فرع لنا في نيوزيلندا ...

 

الله أسال .... الله أسأل .... الله أسال  ، أن يجعل قبرك روضا من رياض الجنة ، اللهم أمين ، اللهم امين ، اللهم امين ، رحمك الله يا ابا الأمين وأسكنك في عليين بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وألهم أهلك ، ذويك ومعارفك ومحبيك  في كل مكان الصبر والسلوان..

 

سلام عليك، أخي  الحبيب الغالي يوم ولدت، ويوم مت، ويوم تبعث حياً، ويوم نلقاك عندما يقوم الناس لرب العالمين، وكما واعدتك "إن موعدنا عند الحوض بإذن الله "  ولا نقول إلا ما يرضي الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

 

 نسأل الله أن يرحم فقيدنا الحبيب ، وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.