رأي في التفسير حقيق بالإشادة به والنشر

علم التفسير باب من فضل الله عظيم، وإذا كانت بعض العلوم قال قائلوها: ما ترك الأول للآخر، فإن علم التفسير لا ينبغي أن يقال فيه مثل هذا القول، بل يقال: كم ترك الأول للآخر، فإن فضل الله لا يُحجر على أحد.

 

وكم من آراء في كتب التفسير حقيقة بالنقد والتمحيص وإن قال بها جمهور المفسرين؛ ذلك لأنه في أحيان كثيرة ينظر المفسر المتأخر بعيون الواقع الذي يعيش فيه فيرى أن ما قيل حقيق بالمراجعة، ومن هذا الباب ما وقع للمفسرين في تفسير الآية الرابعة من سورة الروم وتحديدا قول الله تعالى:" ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء" وذلك أن أغلب المفسرين قال بأن سبب نزول هذه الآية هو ما أخرجه الترمذي حيث قال: "لما كان يوم بدر ظهرت الروم على الفرس، فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت أوائل سورة الروم إلى قوله: "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" ففرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس"، والقول بأن هذا سبب نزول أوائل سورة الروم في غاية الغرابة لأن:

1-        أن هذا الأثر ضعيف من حيث الإسناد

2-        أن سورة الروم مكية خاصة بإجماع المفسرين، ولم يُذكر في هذا خلاف، فكيف يمكن أن تكون السورة مكية وسبب نزولها في المدينة.

 

على كل حال طاف المفسرون حل هذا السبب وذكروا قصة أبي بكر في مراهنة المشركين بأن الله سينصر الروم على الفرس، يزيد المفسرون بعضهم على بعض في ذكر هذه القصة، وفي ختامها أن المؤمنين فرحوا بنصر الروم على الفرس بعد أن تحقق، هذا ما مشى عليه المفسرون قديما وحديثا، غير أن جماعة التفسير الوسيط أشاروا إلى أن هناك آراء أخر وإن لم يفصلوها.

 

ومن هذه الآراء رأي للمرحوم عبد الوهاب عزام لخصه الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه التفسير القرآني فقال ملخصا:

كانت هزيمة الروم التي اهتم بها مشركو مكة في سنة 615م، وقد وقعت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة سنة 624م، بعد بضع سنين! ففرحُ المسلمين لا يكون لنصر الروم، وإنما لنصر المسلمين الموعود به، وقد تحقق يوم بدر وهو ما قيل عنه: " نصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم".

 

أما الدليل المرجح لذلك:

فهو أن الروم كانوا حينئذ أرباب طغيان وجبروت، وعسف بالأمم والشعوب، واستغلال لجهود الضعفاء، وتسخير للرعايا في الأهوال والمشاق في غطرسة متكبرة، ونصر هؤلاء العتاة لا يمكن أن يكون هو نصر الله الذي وعد به المسلمين وعدا لا يخلفه، إنما الوعد الرباني لا يكون إلا للفئة المؤمنة المجاهدة في سبيل الله الداعية للحق والعدل والمساواة، ويؤكد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اضطر في حياته إلى محاربة الروم حين أرسل الجيوش إلى مؤتة في وقت كان فيه هرقل حاكم الدنيا المنتصر على فارس، وقد دحر كسرى فثار عليه اتباعه وقتلوه، فقول الله: "وعد الله لا يخلف الله وعده" إنما يعني الوعد المبشر بنصر المسلمين من بعد، وهو وعد مطابق لوعد الله العام إذ يقول: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" ويقول الله عزوجل: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" وقال تعالى: " الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " أهـ.

وهذه التفسير يعني أن قول الله تعالى: "ويومئذ يفرح المؤمنون" جملة مستأنفة وليست معطوفة.

وهذا الرأي حقيق بالقبول، فلماذا يفرح المؤمنون بنصر الروم هل لمجرد إغاظة الكافرين في ذلك الوقت؟ وهل كان الفرح لمجرد أن الروم كانوا أهل كتاب؟ وماذا استفاد المسلمون في تاريخهم من الروم وقد كانوا شديدي الايذاء للمؤمنين وأكثروا من حربهم على مدار التاريخ وإلى اليوم؟ أنظروا إلى أمريكا والدول الغربية المتحالفة معها ماذا يصنعون للمؤمنين في غزة؟ إن هؤلاء لا يستحقون أن نفرح لفرحهم لأنهم حادوا الله ورسوله والمؤمنين، وهم اليوم يمثلون أعدى أعداء البشرية والإنسانية، لا يرقبون فيها إلّا ولا ذمة، لا يعيشون إلا لمصالحهم ولو ترتب عليها دمار البشرية كلها، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

وإني لأعجب أشد العجب ممن يغلق باب التفسير بحجة أن المتقدمين لم يُبقوا ولم يذروا، فهذا ابن عاشور وسيد قطب والشيخ رشيد رضا قد جاءوا في تفاسيرهم بما لم يجد به الزمان على المتقدمين.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين